ذم الجشع وفضل السماحة خطبة مختصرة
عبدالرحمن سليمان المصري
ذم الجشع وفضل السماحة
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين ، جعل السماحة سبيل الرحمة، وأرشد إليها جميع الأمة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾
عباد الله: جاء الإسلام لينظم حياة الناس ، ويضبط أمور دينهم ودنياهم ، وقد أولت الشريعة الحياة الاقتصادية عناية كبيرة ، فبينت ضوابط وأحكام البيع والشراء والإجارة ، وحذرت من الكذب والغش والظلم ، والطمع والأنانية واستغلال حاجات الناس ، قال صلى الله عليه وسلم :"إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا ؛ إلا من اتقى الله ، وبر وصدق "رواه الترمذي بسند صحيح.
وإن من أسمى القيم التي جاء بها الإسلام، الأخوة والمحبة والرحمة ، قال تعالى:﴿إنما المؤمنون إخوة ﴾، وقال ﷺ: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبوداود وصححه الألباني ، فمن أظهر الرحمة للناس، نال رحمة الله ورضاه، ومن تخلق بالمحبة والعفو والتسامح، سعد في دنياه وأخراه.
عباد الله : وإن المساكن من نعم الله على عباده ، قال تعالى: ﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾، فالله عز وجل يمن على عباده ، بما جعل لهم من البيوت ، التي هي سكن لهم ، يأوون إليها، ويستترون بها ، هم وأسرهم وأمتعتهم عن أعين الخلق ، ويفيئون إليها فتسكن أرواحهم ، وتطمئن نفوسهم ، ويأمنون بها على عوراتهم وحرماتهم ، ولقلة ذات اليد ، والغلاء الفاحش في قيمة المنازل ، يذهب الناس إلى استئجار البيوت ، ومع ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه ، صار المستأجرون في قلق دائم ، فما أن ينتهي عقد الإجارة ، إلا ويفجأهم الملاك ، بطلب زيادة الأجرة ، أو إخلاء البناء.
عباد الله : إن من الآفات الخطيرة ، والصفات الذميمة ، التي ابتلي بها بعض الناس ، آفة الجشع والطمع ، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب "رواه البخاري.
إن الطمع المؤدي إلى الإضرار والتضييق على الناس ، واستغلال حاجتهم للسكن ، والمبالغة في قيمة الإيجارات ، حتى أصبحت أضعافا مضاعفة ، طلبا للربح الزائد ، فتضرر أكثر الناس بالغلاء ، وأثقل كاهل المحتاجين والضعفاء ، وسبب لهم المشقة وتعسر المعاش ، وليس هذا من الدين في شيء ، لأنه من الضرر الذي لا يقر ، فلا ضرر ولا ضرار، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "من ضار؛ أضر الله به ، ومن شاق ؛ شق الله عليه " رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. وكم من مكاسب أتت على أصحابها بالمصائب والويلات ، وكم من أموال قد أنفقها أصحابها في مداواة وعلاج .
عباد الله: وقد وجه ولي العهد وفقه الله ، بإصدار أنظمة ، لتحقيق التوازن في القطاع العقاري ، والتي تهدف إلى تسهيل تأمين السكن ، للمواطنين والمقيمين ، والتيسير عليهم، وتراعي العدالة بين المالك والمستأجر ، وتحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسر ، وتراعي مصلحة البلاد والعباد ، وهذا من توفيق الله لولاة أمرنا ، وقد قال ﷺ: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم ، فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم ، فارفق به"رواه مسلم ، وهذا من الرفق بالرعية وطلب الخير لهم، فجزاهم الله خير الجزاء .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله: حث الإسلام على الأخلاق الحسنة ، ورتب عليها أجرا عظيما, ومن تلك الأخلاق؛ خلق السماحة ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن اتصف بها بالرحمة ، فقال: " رحم الله رجلا سمحا ، إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" رواه البخاري. رحمة تشمل نفسه وولده وماله ، ودنياه وآخرته.
عباد الله: والسماحة صفة من صفات أهل الإيمان ، قال ﷺ: " أفضل الإيمان : الصبر والسماحة " صححه الألباني في صحيح الجامع.
فمن تسامح مع الناس في معاملاتهم ؛ تسامح الله معه ، قال ﷺ: "حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر»، قال: " قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه "رواه مسلم.
عباد الله: إن استشعار المالك لهذا الفضل العظيم ، والقناعة بالكسب المعقول ، الذي فيه البركة والنفع المتبادل ، ومراعاة أحوال المستأجرين ، داخل في قوله ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي بسند صحيح.
وعلى المستأجر أداء الأجرة في وقتها ، دون مماطلة أو تأخير، فإن حق الناس عظيم، والتهاون فيه من أسباب الظلم والعدوان ، والظلم ظلمات يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ﴾.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1760068679_ذم الجشع وفضل السماحة خطبة2.docx
1760068680_ذم الجشع وفضل السماحة خطبة2.pdf