ريال ورغيف وغصن وتمرة

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/05/29 - 2025/11/20 06:40AM

ريالٌ ورغيفٌ وغصنٌ وتمرةٌ ( راشد البداح – الزلفي ) 30 جمادى الأولى 1447
الحمدُ للهِ، نحمدُهُ أبلغَ الحمدِ على جميعِ نِعَمِهِ، ونسألُهُ المزيدَ من فضلِهِ وكرمِهِ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ ربُّ العالمينَ؛ وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الصادقُ الأمينُ، صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ إلى يومِالدينِ. أما بعدُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

أيُّها المؤمنونَ: مِنْ سَعَةِ رحمةِ ربِّنا بنا أن شَرعَ لنا أعمالاً صالحةً يسيرةً، رتّبَ عليها أجوراً كبيرةً، تَفُوقُ العملَ، وتَزيدُ عليه بدرجاتٍ لا تُقارِنُها ولا تُقارِبُها. والعبدُ الموفقُ هو مَنْ يُسابِقُ الزمنَ في تحصيلِأيسرِ الأعمالِ بأكبرِ المكاسِبِ؛ ليملأَ عُمُرَهُ القصيرَ بكنوزِ تُثقِّلُموازينَ حسناتِهِ. فخُذُوا الآنَ خمسةً يسيرةً أجورُها كبيرةٌ:

1. تمرةٌ أَدخَلَتِ الجنةَ: دخَلَتِ امرأةٌ فقيرةٌ وطِفلتاها على عائشَةَ -رضيَ اللهُ عنها-، فأعطَتْها ثلاثَ تمراتٍ، فأعطَتِ الأمُّ كلَّ بنتٍتمرةً، وشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فأتَى النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فحدَّثَتْهُ مُتعجِّبةً، فقالَ: ما عَجَبُكِ، لقد دخلَتْ بِهِ الجنَّةَ(). فهنيئًا لأهلِ النخيلِ والمُتَمِّرينَ فضلَ ربِهم.قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ().
2. غُصنُ شجرةٍ أدخلتِ الجنةَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقد رأيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ، في شَجرةٍ قطعَها من ظَهْرِ الطَّريقِ، كانت تؤذِي النَّاسَ. وفي روايةٍ: وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَه (). فهنيئًا للمُنقِذِينَ والمتطوِّعينَ، ولِمَنْ يَشتغلُ بإصلاحِ الطرقِ، وموظفِي الزراعةِ والبلدياتِ على نفعهِمْ للناسَ.
3. شَرْبةُ ماءٍ أدخلَتْ زانيةً الجنةَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بينما كلبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كادَ يقتُلُه العطشُ، إذْ رأَتْهُبَغِيٌّ من بَغايا بَني إسرائيلَ، فنزَعَتْ مُوْقَها، فسَقَتْهُفغُفِرَ لها به().
فهنيئًا للسُقاةِ بالمساجدِ والمَجامعِ، ولأهلِ البراداتِ والوايتاتِولمصلحةِ المياهِ إنْ همُ احتَسبُوا. وسبحانَ اللهِ! ما أوسعَ رحمة اللهِ؟ فإنَّ هذهِ الزانيةَ غُفِرَ لها؛ لِمَا قامَ في قلبِها من الإخلاصِ للهِ، فقد سقَتْ ولم يَرَها أحدٌ، ولحيوانٍ لا يؤْبَهُ لهُ، وكم مِن عملٍ حقيرٍ عظّمَتْهُالنيةُ! فإذا كانَ الإحسانُ على الكلابِ يُغفَرُ به الخطايا، فكيفَبالإحسانِ على إنسانٍ وحّدَ ربَ البرايا؟!

4. رغيفٌ أَدخلَ صاحبَهُ الجنةَ: قالَ ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: إنَّ راهبًا عبَدَ اللهَ في صومعتِهِ ستينَ سنةً، فجاءتِ امرأةٌ فنزلتْ إلى جنبِهِ، فنزلَ إليها، فوَاقَعَها سِتَ ليالٍ، ثم سُقِطَ في يدِهِ، فهرَبَ، فأتَى مسجدًا، فأوَى فيهِ ثلاثًا؛ لا يَطعَمُ فيهِ شيئًا، فأُتيَ برغيفٍ، فكسَرَهُ، فأعطَى رجلًا عن يمينِهِ نصفَهُ، وأعطَى آخرَ عن يسارِهِنصفَهُ، فبعثَ اللهُ إليهِ ملَكَ الموتِ، فقَبضَ روحَهُ، فوُضعِتْ الستونَسنةً في كِفَّةٍ، ووُضعتِ الستُ ليالٍ في كفةٍ، فرَجحَتِ الستُ، ثم وُضِعَ الرغيفُ، فرَجَحَ على الستِ. رواهُ ابنُ أبي شيبةَ، وصححهُموقوفًا الألبانيُ().
إنه رغيفٌ واحدٌ مسبوقٌ بتوبةٍ، فيا مُذنبًا تُبْ، وتصدقْ.

5. ريالٌ أَدخلَ صاحبَهُ الجنةَ: نَعَم؛ ريالٌ، ألستَ تشترِي لأهلِكَكلَّ يومٍ بريالٍ خبزاً، فهل احتسَبْتَهُ؟! قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دينارٌ أنفقتَهُ في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَهُ في رقبةٍ، ودينارٌ تصدقتَ به على مسكينٍ، ودينارٌ أنفقتَهُ على أهلِكَ؛ أعظمُها أجراً الذي أنفقتَهُ على أهلِكَ().
أرأيتَ كيفَ كرَمُ ربِّنا معَنا؟! فـ: "لا تَحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً"لأنكَ لا تدرِي أيَّ عملٍ يُدخلُكَ الجنةَ، فرُبَّ عملٍ ضخمٍ مردودٌ داخَلَتْهُالنيةُ، ورُبَّ عملٍ يسيرٍ خلَّصَكَ؛ لإخلاصِكَ فيهِ النيةَ. فزيِّنِ النيةَ يَزِينُلكَ كلُّ شيءٍ.

الحمدُ للهِ ذي الفضلِ والكرمِ، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ رسولٍلخيرِ الأممِ، أما بعدُ: فإذا حُشِرَ الناسُ يومَ القيامةِ، ودنَتِ الشّمسُمن الرؤوسِ، فإنّ المتصدِّقينَ يتفيَّؤُونَ في ظلِّ العرشِ، وتَسترُهُم صدقاتُهُمْ من لَفْحِ جهنّمَ، كما صحَّ أنهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ. وكانَ أحدُ رواةِ الحديثِ -واسمُهُ أَبُو الخَيْرِ- لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ منذُ سَمِعَ هذا الحديثَإِلاَّ تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، أَوْ بَصَلَةً().

فمِنَ الجميلِ أن يكونَ لكَ مشروعٌ يوميٌ منَ الصدقةِ لا تَدَعُهُ، لا سيَما أولَ النهارِ، كالفطائرِ الجاهزةِ، أو ريالاتٍ، أو خُبزاتٍ، أو تسديدًا عن مُشترٍ إفطارَهُ، أو استقطاعاً الكترونياً يومياً عبرَ منصةِإحسانٍ أو قنواتِ الجمعياتِ التطوعيةِ الرسميةِ.

وإليكم ثلاثَ فوائدَ يستفيدُها مَن عَوَّدَ نفسَهُ على الصدقةِ ولو قليلةً:

1. بالصدقةِ تدعُو الملائكةُ لكَ -ودعاؤُها مستجابٌ- فإنها تقولُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا().
2. بالصدقةِ تنتصِرُ على الشياطينِ وتقهرُها. قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا().
3. (للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِ أنواعِ البلاءِ، ولو مِن فاجرٍ أو ظالمٍ) كالأمراضِ. قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَاوُوا مرضاكُم بالصدقةِ().
فاللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، ‌وَحُبَّ ‌الْمَسَاكِينِ.

اللهم اجعلنا أغنَى خلقِكَ بكَ، وأفقرَ عبادِكَ إليكَ. وبارِكْ في أرزاقِنا.

اللهم احفظْ علينا دينَنا وبلادَنا وأعراضَنا ومقدساتِنا ومجاهدِينا.

اللهم احفظْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِهِ، وارزقهُم بطانةَ الصلاحِ، واكفِنا وإياهم شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجارِ.

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1763609987_‎⁨ريال ورغيف وغصن وتمرة⁩.docx

1763609988_‎⁨ريال ورغيف وغصن وتمرة⁩.pdf

المشاهدات 654 | التعليقات 0