سبحانك ربنا ما أعظمك
عبدالرحمن اللهيبي
الحمد لله أبداً سرمدا، تبارك ربنا واحدا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا ندا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك - تعالى - عن الشريك والند والنظير، وتقدس عن الصاحبة والولد والنصير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله السراجُ المنير، والبشير النذير ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين . أما بعد ...
أيها المسلمون: الله أهل العظمة والكبرياء، تفرد بالبقاء وجل عن الشركاء.. وأتقن صنعَ كلِ شيء كما يشاء.. فسبحانه ما أعظم شانه.. سبحانه ما أجل ملكه وسلطانه سبحانه ما أوسع رحمته وغفرانه.. سبحانه سبحت له السموات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها والأرض وسكانها، والبحور وحيتانها، والجبال وأحجارها، والأشجار وثمارها، "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ"
فسبحانك ربنا كل شيء خاضع لعظمتك ، وكيف لا يذل المخلوق لك وأنت له خالق، ولفاقته رازق، وقضاؤك فيه نافذ.. ( وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) سبحانك ربنا كيف لا نخضع لك وقلوبنا تنبض بقدرتك، ودماءنا في عروقنا تسير بأمرك، وأنفاسنا بمشيئتك، وكل عضو في أجسادنا يعمل بحفظك ورعايتك
إلهنا ومولانا والله لو سبَّحانك ليلاً ونهاراً ، وسرا وجهارا ما أدينا حق شكرك، ولا بلغْنا في الثناء مثقال ذرة من عظمتك ومجدك. "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
عباد الله: إننا نتحدث اليوم عن الجليل جل جلاله لأن القرآن جاء كله بالحديث في عظمته في خلقه في أمره في نهييه في قضائه في تصريفه في تدبيره وفي استحقاقه للعبودية من خلقه.
إننا نتحدث عن عظمة الله لأن تلك العظمة تضاءلت اليوم في قلوب كثير من الناس، فاعتدوا على محارم الله وطغوا، وفرطوا في جنب الله وبغوا، "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ - سبحانه وتعالى - عَمَّا يُشْرِكُونَ" روى البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنا نجد أن الله - عز وجل - يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ"
فهذا الكون كله جباله ووديانه، يابسه وماؤه، كلٌ هذا الكون إنما هو على إصبع القوي القهار يوم القيامة.
ومن عظمته ما ورد في بعض الآثار الإسرائيلية يقول - عز وجل -: "أيؤمَّلُ للشدائد غيري والشدائد بيدي ، أيُرجى غيري ويُطرق بابه ، وبيدي مفاتيح الخزائن، ومن ذا الذي أمّلني لنائبة فقطعت به؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه؟ أو من ذا الذي طرق بابي فلم أفتح له؟ أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟ أليست الدنيا والآخرة بيدي، والكرم والفضل كله لي؟ فما الذي يمنع المؤملين أن يؤملوني؟ لو جمعتُ أهلَ السموات والأرضِ ثم أعطيتُ كلَّ واحد منهم أمله، لم ينقصْ ذلك من ملكي ذرة، وكيف ينقص ملكٌ أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي ..
وأما علمه - سبحانه - فعِلْمُ من اطلع على السرائر، وكشف ما في الضمائر، وأحاط بالأول والآخر، والباطن والظاهر.. "وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ". - فسبحانه - الورقة تسقط بعلمه، الهمسة تنبس بعلمه، النية تعقد بعلمه، وخواطر النفوس لا تخفى عن علمه
"يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً".
أما عظمته في كمال خلقه وملكه: فسبحان من سجد لعظمته العظماء، وقامت بقدرته الأرض والسماء، جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُذن لي أن أتحدث عن ملك من ملائكة العرش قرناه عند عرش الرحمن، ورجلاه تخطان في الأرض السابعة، وما بين أذنه ومنكبه مسيرةَ سبعِمائة عام".
يا لله هذا مَلَكٌ من ملائكته ، هذا عبد من عبيده؟ فكيف بخالقه جل في علاه؟ جاء في الحديث: "خلق الله الملائكةَ أصنافاً وإن منهم لملائكةً قياماً صافّين منذ خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة ركوعاً خشوعاً منذ خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلّى الله تبارك وتعالى، ونظروا إلى وجه الكريم، فقالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك"
فماذا يقول المقصرون أمثالنا ..
غير أننا نعلم أن من صفات ربنا أنه غفور رحيم ، جواد كريم ، ودود سميع قريب مجيب ، فنرجوا رحمته ، ونخشى عذابه ، ونتوسل إليه بتوحيدنا أن يعفو عنا ويغفر لنا ويرحمنا وهو خير الرحمين
أقول قولي هذا ................
أيها المسلمون: إذا عرف العبد ربه أحبه ورجاه ، وخافه واتقاه ، وخشع له ودعاه ، وأطاعه فيما أمره به ونهاه، ولجأ إليه مفتقرا لفضله وهداه ، فمن لنا غير الله إذا اضطربت الأمور، وضاقت بالأحوال الصدور
ومن للمبتلى إذا اشتدت بليته، وادلهمت كربته، وانعقدت غمته، من له غير الله يشكو إليه
من للمريض على فراشه إذا بارت الحيل، وانقطعت السبل، وضعف الأمل
من للفقير إذا أُوصدت أمامَه الأبواب، وأسدل دون حاجته الحجاب
"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ".
صمد تصمد البرايا إليه *** وأنيس الضمائر الموحشات
خالق رازق سميع مجيب *** ويداه تفيض بالأعطيات
ألا فاتقوا الله عباد الله وعظموا ربكم حق عظمته، وأخلصوا له التوحيد والعبادة تعظيما لله ، أخمصوا البطون عن المطاعم الحرام تعظيماً لله، وأغمضوا الجفون عن مناظر الآثام تعظيماً لله، وأمسكوا ألسنتكم عن الغيبة تعظيما لله، واجتنبوا قبائح الأقوال والأفعال تعظيماً لله. أحلوا ما أحل الله ، وحرموا ما حرم الله .. واحذروا من أن تخاصموا الله في شرعه أو تجادلوه في حكمه أو تعترضوا عليه في أمره ونهيه .. أو تتسخطوا من بلائه، أو تجزعوا من أقداره، واعرفوا لأنفسكم قدرها مع الله، فإنه الخالق وأنت المخلوق، وهو الرازق وأنت المرزوق، وهو القوي وأنتم الضعفاء {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}
فاللهم املأ قلوبنا بعظمتك واجعلنا نخشاك كأنا نراك..