شرف الخصومة

د. سلطان بن حباب الجعيد
1446/11/03 - 2025/05/01 14:13PM

 

الحمدُ للهِ الذي أمرَ بالعدلِ والإنصافِ، في حالِ الرضا والوفاقِ، أو في حالِ الشقاقِ والخلافِ،
أحمدُه سبحانَه وأشكرُه، ومن مساوئِ عملي أستغفرُه.
وأشهد أنَّ نبينا محمداً، أعدلُ الناسِ وأبرُّهم، وأرعاهم للحقوقِ في حالِ سِلمِه وحربِه، وفي حالِ رضاهُ وغضبِه،
صلّى الله عليه وآله وصحبِه، صلاةً تترا وسلاماً يبقى، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ.

أمّا بعد:

فأوصيكم أيها الناسُ ونفسي بتقوى الله، وصيّةِ اللهِ للأولين والآخرين، والتي بها يكونُ جماعُ الخيرِ في الدنيا والآخرة:
( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ).

عبادَ اللهِ …
الحقوقُ وما أدراكم ما الحقوقُ؟!
أمرُها عظيمٌ، وخطرُها كبيرٌ، من أجلِها ومن أجلِ رعايتِها، نزلتِ الآياتُ، وقامتِ الحكوماتُ، ووزّعتِ المهمّاتُ، وأُنشئتِ المحكماتُ.
بها، وبأدائِها، وصياغتِها، والاعترافِ والإقرارِ بها، تتغنّى الأممُ والشعوبُ، حتى ولو على سبيلِ الادّعاءِ الكاذبِ، وتعتبرُ ذلك أعظمَ مظاهرِ وتجلياتِ الحضارةِ الإنسانيةِ.

فها هو الغربُ اليومَ، صاحبُ الصناعاتِ الباهرةِ، والتقدّمِ المادّيِّ الرهيبِ، إذا أراد أن يفخرَ، فإنّه لا يفخرُ بتلك الصناعاتِ، وإنّما يفخرُ بأنّه صاحبُ ما يُسمّى “بوثيقةِ حقوقِ الإنسانِ”.

فالحقوقُ جديرةٌ بالاهتمامِ والحديثِ، مرّةً بعد أخرى، حتى يعرفَ الناسُ ما لهم، فيُشرعَ لهم المطالبةُ به، ويعرفوا ما عليهم فيؤدّوه.

تطرّقْنا في جمعةِ ماضيةِ إلى آفةٍ عظيمةٍ من الآفاتِ التي تعصفُ بالحقوقِ وأدائها وتداولها؛ وهي أن يطالبَ الإنسانُ بما له، ويمتنعَ عن أداءِ الذي عليه.
ولنا اليومَ حديثٌ عن آفةٍ أخرى، تعصفُ بالحقوقِ وأدائها وتداولها؛ وهي آفةُ إهدارِ الحقوقِ في حالِ العداواتِ والخصوماتِ والخلافاتِ.

إنّ الحقَّ في الإسلامِ حقٌّ أصيلٌ متجذِّرٌ، لا يجوزُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ العبثُ به، أو المساومةُ عليه، أو أن يكونَ أداةً للابتزازِ أو الضغطِ، أو تصفيةِ الحساباتِ، في حالِ نشوبِ الخلافاتِ والمنازعاتِ بين المسلمين بعضِهم مع بعضٍ.
فالحقُّ في الإسلامِ ليس عرضاً أو ثمناً أو سلعةً يملكُها صاحبُها، فيُعطيَ من يشاءُ ويمنعَ من يشاءَ، أو يعطيَ من يُعطيه، ويمنعَ من يمنعُه، بل هو أجلُّ من ذلك وأرفعُ، هو مصونٌ ومقدّسٌ، حتى في أحلكِ الظروفِ وأقساها.

وإهدارُ الناسِ لحقوقِنا، لا يُبرِّرُ لنا أن نُهدرَ حقوقَهم.

جاء رجلٌ إلى النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام، فقال: يا رسولَ الله، إنَّ لي قرابةً أَصِلُهم ويقطعونني، وأُحسنُ إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلمُ عنهم ويجهلون عليَّ، فقال:
( لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنّما تُسفّهم المَلَّ، ولا يزالُ معكَ من اللهِ ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك ) رواه مسلم.
وعن عبدِ اللهِ بن عمرو بن العاصِ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
( ليس الواصلُ بالمكافئ، ولكنّ الواصلَ الذي إذا قُطعتْ رحمُهُ وصَلَها ) رواه البخاري.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
( أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنكَ، ولا تَخُنْ من خانكَ ).
ويقول الله عزّ وجلّ:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).
يقول العلّامةُ الأمينُ الشنقيطيُّ رحمه الله:
“وفي هذه الآيةِ دليلٌ صريحٌ على أنَّ الإنسانَ عليه أن يُعامِلَ من عصى الله فيه، بأن يُطيعَ الله فيه”.

وتأمَّل قولَه تعالى:
( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
كيف أنَّ الخلافَ الذي وصلَ إلى حدِّ المُفَارَقَةِ في الدينِ، والمُجَاهَدَةِ على الكفرِ، لم يكن مبرّراً لإسقاطِ الحقِّ، فما بالكَ بما هو دونَ ذلك من خلافات؟!

إنَّ الخصوماتِ والعداواتِ والخلافاتِ التي تقعُ بين المسلمين، أو بين المسلمين وغيرِهم، من أعظمِ المحكّاتِ التي تكشفُ معادنَ الرجالِ، ومدى ما يتمتعونَ به من خُلُقٍ أصيلٍ ومعدنٍ كريمٍ، فالسيدُ من الرجالِ هو الذي لا تُثنيه الخلافاتُ عن أن يُؤدّيَ حقوقَ الناسِ لهم، وأن يبقى متمسكاً رغمَ الخلافاتِ بأخلاقِه الجميلةِ وصفاتِه النبيلةِ،
فهو بهذا ذو حظٍّ عظيمٍ كما وصفَه ربُّه:
( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )

يعبّرُ أحدُهم عن أخلاقِهم، وهو المقنّعُ الكنديُّ، بقوله:

وَإِنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي أَبِي
وَبَيْنَ بَنِي عَمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِدّا
أَرَاهُمْ إِلَى نَصْرِي بِطَاءً وَإِنْ هُمُ
دَعَوْنِي إِلَى نَصْرٍ أَتَيْتُهُمُ شَدّا
فَإِنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لُحُومَهُمْ
وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدَا
وَلَا أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيمَ عَلَيْهِمُ
وَلَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْحِقْدَا

َأَمَّا الرَّجُلُ الْمُسَارِعُ فِي الْخُصُومَاتِ، النَّافِخُ فِي كِيرِ الْعَدَاوَاتِ، الْمُضَيِّقُ لِأَسْبَابِ الْوِفَاقِ، وَالْمُوَسِّعُ لِأَسْبَابِ الشِّقَاقِ، الْمُهْدِرُ لِلْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ، ضَيِّقُ الصَّدْرِ، سَرِيعُ الْغَضَبِ وَالِانْفِعَالِ، حَقُودٌ لَدُودٌ، فَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ أَخْلَاقِ السِّيَادَةِ وَأَخْلَاقِ الْكِبَارِ، يَكْشِفُ خُلُقُهُ هَذَا عَنْ مَعْدِنٍ رَدِيءٍ، وَإِنْ ظَنَّ بِنَفْسِهِ الظُّنُونَ.

يَقِفُ أَبُو سُفْيَانَ، سَيِّدٌ مِنْ أَسْيَادِ الْعَرَبِ، أَمَامَ الْقَيْصَرِ، لِيَسْأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَلَدِّ أَعْدَائِهِ آنَذَاكَ، عَنْ نَسَبِهِ وَصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَلَا يَسْتَجِيزُ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكْذِبَ فِي حَقِّهِ، وَتَأْتِي كُلُّ أَجْوِبَتِهِ، لِتَرْفَعَ مِنْ مَكَانَةِ النَّبِيِّ عِنْدَ الْقَيْصَرِ، حَتَّى قَالَ الْقَيْصَرُ فِي حَقِّهِ، بَعْدَ أَنْ سَمِعَ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ: كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ كُنْتَ مَا قُلْتَ حَقًّا، فَسَيَمْلِكُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ الْخُلُوصَ إِلَيْهِ لَفَعَلْتُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ.

وَهَذَا أَبُو جَهْلٍ، وَهُمْ فِي حِصَارِهِمْ لِبَيْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ أَنْ يَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِ الْبَيْتَ، أَوْ يَقْتَحِمُوهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ هِشَامٍ رَوَّعَ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ.

وَتَبْعَثُ قُرَيْشٌ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعِمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، فِي إِثْرِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ، لِيُقَابِلَا الْمَلِكَ، وَيُقَدِّمَا لَهُ الْهَدَايَا، وَيَطْلُبَا مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ مَعَهُمَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهمْ وَقَوْمَهُمْ، فَاسْتَدْعَاهُمُ الْمَلِكُ، وَسَمِعَ مِنْهُمْ، فَتَأَثَّرَ وَبَكَى، وَعَلِمَ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَرَفَضَ طَلَبَ قُرَيْشٍ وَهَدَايَاهَا، فَقَالَ عَمْرُو لِصَاحِبِهِ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا يَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، وَأَقُولُ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَكَ عِيسَى عَبْدٌ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: وَيْحَكَ لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَإِنْ خَالَفُونَا.

انْظُرْ إِلَى هَذِهِ النَّمَاذِجِ، رَغْمَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ، وَرَغْمَ وُجُودِ عَدَاءٍ حَقِيقِيٍّ بَيْنَهُمْ، يَتَمَثَّلُ فِي الْمُخَالَفَةِ وَالْمُفَاصَلَةِ فِي الدِّينِ وَالْعَقِيدَةِ، وَنُشُوبِ حُرُوبٍ بَيْنَهُمْ، أَسْفَرَتْ عَنْ قَتْلَى وَأَسْرَى، إِلَّا أَنَّهُمْ أَهْلُ ذِمَامٍ وَرِعَايَةٍ لِلْحُقُوقِ.

قَارِنْ ذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ بَيْنَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، مِنْ إِهْدَارٍ لِلْحُقُوقِ، وَضَيَاعٍ لِلْأَخْلَاقِ، وَانْتِهَاكٍ لِفَضْلِ الْمُخَالِفِ وَحَقِّهِ، عِنْدَ أَيِّ خِلَافٍ يَحْدُثُ، مَهْمَا صَغُرَ؛ اجْتِمَاعِيًّا كَانَ أَوْ مَذْهَبِيًّا أَوْ فِكْرِيًّا، وَمَا عَلَيْكَ حَتَّى تَعْلَمَ مِصْدَاقَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ تُجِيلَ نَظَرَكَ فِي الْوَاقِعِ الْمُحِيطِ بِكَ، أَوْ عَلَى صَفَحَاتِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، فَسَتَرَى الْكَمَّ الْهَائِلَ، مِنَ الْكَذِبِ وَالسِّبَابِ وَالشَّتَائِمِ وَالتُّهَمِ الْمُتَبَادَلَةِ، وَإِلْحَاقِ الْمُخَالِفِ بِكُلِّ نَقِيصَةٍ، وَرَمْيِهِ بِكُلِّ جَرِيرَةٍ، وَتَجْرِيدِهِ مِنْ كُلِّ فَضِيلَةٍ.

فَسَتُسْفِرُ لَكَ هَذِهِ الْمُقَارَنَةُ، عَنْ مَدَى صِدْقِ وَمِصْدَاقِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَمَا قَالَ: (النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا).

وَلَا تَمْلِكُ حِينَهَا إِلَّا أَنْ تَتَمْتَمَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَخْلَاقًا كَأَخْلَاقِ عَرَبِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْأَقَلِّ.

قَدْ قُلْتُ مَا قُلْتُ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنْ نَفْسِي وَالشَّيْطَانِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:
مَعْشَرَ الإِخْوَةِ الْكِرَامِ، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَنَا بِحَالٍ، أَنْ نُهْدِرَ الْحُقُوقَ لِكُلِّ خِلَافٍ عَابِرٍ، وَلَا نَجْعَلَ مِنْ مَنْعِ الْحُقُوقِ أَصْحَابَهَا وَسِيلَةً لِلتَّرَاشُقِ وَتَصْفِيَةِ الْحِسَابَاتِ، وَهَذَا لِلْأَسَفِ مُلَاحَظٌ وَمَشَاهَدٌ.
فَذَاكَ زَوْجٌ يَمْنَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ رُؤْيَةِ أَطْفَالِهَا، حَتَّى يُمْعِنَ فِي أَذِيَّتِهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا.
وَذَاكَ قَرِيبٌ يَقْطَعُ رَحِمَهُ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِوَصْلِهَا لِخِلَافٍ عَابِرٍ.
وَزَمِيلٌ لَا يُلْقِي التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَ لِزَمِيلِهِ، حَتَّى يُعَبِّرَ لَهُ بِذَلِكَ عَنْ غَضَبِهِ.
وَإِخْوَةٌ يَتَقَاطَعُونَ وَيَتَهَاجَرُونَ، مِنْ أَجْلِ خِلَافٍ مَالِيٍّ أَوْ حَوْلَ مِيرَاثٍ أَوْ مَا شَابَهَ.
صُوَرٌ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، تَضِيقُ دَائِرَتُهَا حِينًا، فَتَشْمَلُ أَفْرَادًا، وَتَتَّسِعُ حِينًا لِتَشْمَلَ عَوَائِلَ وَقَبَائِلَ وَشُعُوبًا بِأَسْرِهَا.
لِمَاذَا بَيْنَنَا مَنْ لَا يَسْتَوْعِبُ عَقْلُهُ بَقَاءَ الْوُدِّ أَوْ بَعْضِهِ عَلَى الْأَقَلِّ، مَعَ وُجُودِ الْخِلَافِ؟!

لِمَاذَا الْبَعْضُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ وَبِمُجَرَّدِ وُقُوعِ خِلَافٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا الْخِلَافُ عَلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ وَيُهْدِرَ كُلَّ حَقٍّ؟!

إِنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُلْغِيَ الْخِلَافَ، فَهُوَ وَلَا بُدَّ وَاقِعٌ، وَلَكِنَّنَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَخْتَلِفَ بِأَدَبٍ وَبِعَدْلٍ وَإِنْصَافٍ، وَيُرَاعِيَ كُلُّ طَرَفٍ حَقَّ الْآخَرِ، فَهَذِهِ هِيَ الضَّمَانَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي يَتَحَجَّمُ بِهَا الْخِلَافُ، وَيُحَاصَرُ وَلَا يَتَفَاقَمُ، وَهِيَ مُهِمَّةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا أَرْبَابُ الْأَخْلَاقِ الْعَالِيَةِ وَالنُّفُوسُ الْعَظِيمَةُ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.

دَعُونَا نَسْأَلُ أَنْفُسَنَا، مَا الَّذِي فَعَلَهُ النَّاسُ بِنَا؟!

فَلِمَاذَا كُلُّ هَذَا الشِّقَاقِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ وَالتَّبَاغُضِ؟!

لِمَاذَا هَذِهِ النُّفُوسُ الْمُحْتَقِنَةُ، وَالْوُجُوهُ الْعَابِسَةُ، وَالْحُقُوقُ الْمُهْدَرَةُ؟!

إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ كُلَّ ذَلِكَ لَقُلْتَ إِنَّ الْأَمْرَ جَلَلٌ؛ إِمَّا نُفُوسٌ قَدْ أُزْهِقَتْ، أَوْ أَمْوَالٌ قَدِ اغْتُصِبَتْ، أَوْ أَعْرَاضٌ انْتُهِكَتْ، وَلَوْ ذَهَبْتَ تَفْتِشُ عَنِ السَّبَبِ، لَمْ تَجِدْ أَمْرًا ذَا بَالٍ، فَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ نُفُوسًا عَظِيمَةً، وَأُخْرَى حَقِيرَةً!

وَبِالفِعْلِ فَإِنَّهَا تَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ
وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ الصَّغَائِرُ!

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا نُفُوسَ الْعُظَمَاءِ، وَزَيِّنَّا بِأَخْلَاقِ السَّادَةِ مِنَ الرِّجَالِ، وَجَنِّبْنَا خُلُقَ الضُّعَفَاءِ، وَطَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْغِلِّ وَالشَّحْنَاءِ..

المرفقات

1746098073_شرفُ الخصومة.pdf

المشاهدات 402 | التعليقات 0