شرفُ العلم وفضلُ العلماء. 28/2/1447
أحمد بن ناصر الطيار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, {ومن يتق الله يجعله مخرجًا}.
أمة الإسلام: إنّ من أجلّ الطاعات, وأفضل القربات, وأعظمِ ما تنافس فيه المتنافسون, وشمّر إليه المشمّرون: طلبَ العلم النافع, الذي يقرّب العبدَ إلى ربّه, ويجنّبُه مداخلَ الشيطان وكيدَه ومكرَه, ويعبُدُ به ربّه على بصيرة, وينالُ به كلّ فضيلة.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله طبقات الناس يوم القيامة, وقسَّمهم على حسب تفاضلهم فقال:
"الطبقة الأولى: الرسل والأنبياء.
الثانية: ورثتهم وخلفاؤهم في أممهم، وهم القائمون بما بُعثوا به علمًا, وعملا, ودعوةً للخلق إلى الله، على طُرُقهم ومِنْهاجهم، وهذه أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة, وهي مرتبة الصدّيقيّة.
الثالثة: أئمة العدل وولاته الذين تُؤمَن بهم السبل, ويستقيم بهم العالَم.
الرابعة: المجاهدون في سبيل الله".. ا.ه
فانظروا – رحمكم الله - إلى علوّ مكانةِ طالب العلم, حيث كان في المرتبة الثانية بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام, وفوق مرتبة أئمة العدل والمجاهدين في سبيله.
فاعرفوا قدر وشرف ما هم فيه.
قال ابن القيم: "فيالها من مرتبة ما أعلاها، ومنقبة ما أجلَّها وأسْنَاها، أن يكون المرء في حياته مشغولا ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاءً متمزقًّا وأوصالا متفرقة، وصُحُف حسناته متزايدةٌ تُمْلى فيها الحسنات كلَّ وقت، وأعمالُ الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب.
تلك والله المكارم والغنائم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يَحْسِد الحاسدون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وحقيقٌ بمرتبة هذا شأنها أن تُنْفَق نفائس الأنفاس عليها، ويَسْبِق السابقون إليها، وتُوَفّر عليها الأوقات وتُتَوجَّه نحوها الطلبات". ا.ه [طريق الهجرتين (ص: 749)]
وطالب العلم المخلص الصادق: جمع مراتب الفضل كلّها, وجمع جميع فضائل الأعمال المتفرقة.
فطلب العلم ابتغاء وجه الله: من أعظم العبادات, وأفضلُ أنواع الجهاد في سبيل الله, وأفضلُ أنواع ذكر الله تعالى, وأفضلُ من جميع النوافل, فلا غَرْو أن كان العِلْم لله يجمع جميع فضائل الأعمال المتفرقة.
قال ابن رجب رحمه الله: مما يدل على تفضيل العِلْم على جميع النوافل: أن العِلْم يجمع جميع فضائل الأعمال المتفرقة.
فإن العِلْم أفضلُ أنواع الذكر، وهو أيضًا أفضل أنواع الجهاد.
وخواصُّ الرسل إنما فُضِّلوا على غيرهم من الأنبياء - عليهم السلام - بمزيد العِلْم المقتضي لزيادة المعرفة بالله والخشية له. ا.ه [مجموع الرسائل (1/ 37- 41)]
وقال ابن عطية رحمه الله: قيام الليل لقراءة العلم المبتغَى به وجه الله داخل في هذه الآية {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل}، وهو أفضل من التنفل لمن يُرْجى انتفاع المسلمين بعلمه. ا.ه [المحرر الوجيز (1/ 493)]
ويجب على طالب العلم أن يحقّق الشرط الهامّ في الطلب: وهو الإخلاص لله والصدق في الطلب, بحيث يقصد مِن طلبه للعلم رضا الله أولا, ثم العملَ به, ثم نشرَه بقدْر ما يستطيع: في المجالس, وفي مواقع التواصل, وغيرها.
ولْيحذر أن يكون حظّ العلم منه: التَّفكّهَ باقتناص الفوائد, والاستمتاعَ بقراءة ما يحب, مع قلّة العبادة وعدمِ العناية بحسن الأخلاق، كالحلم والتواضع والعفو والرفق.
يا طالب العلم: إنّ دِين الله تعالى أمانةٌ في عنقك, ومسؤوليةٌ عظيمة كبيرة على عاتقك.
فإياك أن تكتم نعمةَ العلم وتمنعها غيرك, فنعمةُ العلم ليست من محض كسبك, وخالص ذكائك, فيجب عليك أن تتصرف فيها بحسب ما يراه من أسدى إليك هذه النعمة, وهو الله تعالى, وذلك بالعمل به ونشره.
ووالله لو ذقت طعم ولذة وبركة نشر علمه بكلِّ وسيلةٍ يقدر عليها, ولذّةَ تفريج كربات الجاهلين وهداية الضالين وإرشاد السائلين: لما تردَّدت في بذله بكلِّ وسعك.
واعلم أنّ قوافل الداعين إلى الله، المبلّغين رسالاته: تمضي وتسير {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.
فاركب معهم يا طالب العلم، بنشر علمك غايةَ جهدك, ولا تتخلّف عنهم؛ لتحطّ رِحَالك في المنازل العالية في الجنة بإذن الله.
وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله: مَن خَزَن علمه وَلم ينشره وَلم يُعلِّمهُ: ابتلاه الله بنسيانه وذهابه مِنْهُ؛ جَزَاءً من جنس عمله, وَهَذَا أَمر يشْهد بِهِ الْحس والوجود. ا.ه [مفتاح دار السعادة 1/519]
نسأل الله الذي بيده مفاتيحُ كلّ خير, أن يفتح علينا خزائن رحمته، ويجعلَنا من أهل العلم والإيمان, بمنّه وكرمه، وفضله وجوده.
************
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر الآباء والأمهات: احرصوا على متابعة أولادكم في تحصيلهم العلمي، ومساعدتِهم بتهيئة الظروف المناسبة لهم لطلب العلم، وتربيتِهم على احترام المعلمين وتوقيرِهم، والمحافظةِ عليهم من صحبة السوء, التي لها الأثر السيّئ عليهم في دينهم وأخلاقهم, ومستواهم الدراسي.
معاشر المعلمين: اعرفوا عِظم الأمانة التي على عاتقهم، وتذكروا أنّ الله عز وجل ائتمنكم على أولاد المسلمين.
نسأل الله أنْ يصلح أولادنا, وأنْ يجعلهم قرةَ أعيُنِنا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1755765166_شرفُ العلم وفضلُ العلماء.pdf