شروط تحقيق النجاح
أحمد بن علي الغامدي
أما بعد: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ رَكَزَ فِي طَبِيعَةِ الْبَشَرِ مَجْمُوعَةً مِنَ الْغَرَائِزِ وَالدَّوَافِعِ، بِهَا تَسْتَمِرُّ الْحَيَاةُ وَتَزْدَهِرُ، وَمِنْ خِلَالِهَا تَتَحَقَّقُ وَظِيفَةُ الْإِنْسَانِ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ، وَمِنْ تِلْكَ الدَّوَافِعِ وَالرَّغَبَاتِ، الرَّغْبَةُ فِي التَّمَيُّزِ وَالنَّجَاحِ، فَالنَّجَاحُ فِي الْحَيَاةِ غَايَةٌ يَصْبُو إِلَيْهَا الْبَشَرُ، وَهِيَ حَاجَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَلَكِنْ؛ مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْـمَرْءُ يُدْرِكُهُ، لأَنَّ النَّجَاحَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَمَلِ بِشُرُوطِهِ وَأَسْبَابِهِ.
وَسَأَذْكُرُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ أَهَمَّ شُرُوطِ نَّجَاحِ الْإِنْسَانِ فِي أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
فَمِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِ النَّجَاحِ: الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى: وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْتَغِيَ الْمُسْلِمُ بِأَعْمَالِهِ: وَجْهَ اللَّهِ وَحْدَهُ. لَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا ابْتِغَاءَ حَمْدٍ أَوْ مَدْحٍ أَوْ دُنْيَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ يَبْتَغِي مَرْضَاةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ".
وَمِنْ شُرُوطِ النَّجَاحِ أَيْضًا: الْاِسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ وَصِدْقُ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، مَعَ فِعْلِ الْأَسْبَابِ الْـمُشْرُوعَةِ.
وَمِنْ شُرُوطِ النَّجَاحِ: التَّرْكِيزُ وَوُضُوحُ الْأَهْدَافِ، فَإِنَّ طَبِيعَةَ الْحَيَاةِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي نَعِيشُهَا الْيَوْمَ، تَبْعَثُ عَلَى التَّشَتُّتِ وَهَدْرِ الْأَوْقَاتِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يتأمّل في جَدْوَلَةِ حَيَاتِهِ وَتَرْتِيبَ أَهْدَافِهِ وَأُولَوِيَّاتِهِ، يَضَعَ أَهْدَافًا لِصَلَاحِ آخِرَتِهِ وَأَهْدَافًا لِأُمُورِ دِينِهِ وَأَهْدَافًا لِدُنْيَاهُ وَأَهْدَافًا لِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِ وَأَهْدَافًا لِصِحَّتِهِ، بِخُطَطٍ مُزَمَّنَةٍ يَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِهَا وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَقُومُ بِتَقْوِيمِهَا، لأَنَّ مِمَّا يُعِينُ الْإنسانَ ِعَلَى التَّمَيُّزِ: تَرْكِيزُهُ عَلَى أَهْدَافِهِ، وَالْبُعْدُ عَنِ التَّشَتُّتِ وَكَثْرَةِ التَّنَقُّلِ بَيْنَ الْأَهْدَافِ. ولئن يحققَ الإنسانُ بعضاً من أهدافه أفضلُ من أن يعيشَ حياتَه من غيرِ أهداف.
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِمَّا يُعِينُ الْمُسْلِمَ عَلَى إِنْجَازِ أَهْدَافِهِ: امْتِثَالُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْـمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"، فَالْمُسْلِمُ الَّذِي حَسُنَ إِسْلَامُهُ: يَتْرُكُ وَيَدَعُ: مَا لَا يُهِمُّهُ وَلَا يُفِيدُهُ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ نَظَرًا بِعَيْنِهِ أَوْ فِكْرًا بِقَلْبِهِ وَعَقْلِهِ، وَيستمرُ في مجاهدةِ نَفْسِهُ فِي التَّخَفُّفِ مِنْ مُتَابَعَةِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَتَاتِ وَضَيَاعِ أُمُورِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.
وَمِنْ شُرُوطِ النَّجَاحِ: الْـمُثَابَرَةُ وَالصَّبْرُ: وَالـمُتَأَمِّلُ فِي سِيَرِ النَّاجِحِينَ، يُلَاحِظُ أَنَّ بَعْضَهُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَتَمَتَّعُ بِذَكَاءٍ عَالٍ، بَلْ هُمْ مِنْ مُتَوَسِّطِي الذَّكَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ بِالـمُثَابَرَةِ وَالْإِصْرَارِ مَعَ الصَّبْرِ: وَصَلُوا إِلَى مَا يُرِيدُونَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ". وَمَا تَخَلَّفَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنِ النَّجَاحِ إِلَّا بِسَبَبِ الْكَسَلِ وَالتَّرَدُّدِ وَطَلَبِ الرَّاحَةِ، أَوِ الْمَلَلِ وَالِاسْتِعْجَالِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ.
فَلَا بُدَّ أَيُّهَا الْكِرَامُ مِنَ الاستمرار في الِاجْتِهَادِ وَلا بدَّ مِنَ التَّعَبِ، وَمَنْ ابْتَعَدَ عَنِ الْوِسَادَةِ.. اقْتَرَبَتْ لَهُ السِّيَادَةُ، وَمَنْ لَزِمَ الرُّقَادَ.. حُرِمَ الْـمُرَادَ، وَمَنْ أَكْثَرَ النَّوْمَ.. سَبَقَهُ الْقَوْمُ، وَمَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ.. تَرَكَهُ الْأَمَلُ. فَأَسَاسُ الْفَوْزِ وَالنَّجَاحِ: الْـمُجَاهَدَةُ وَالْـمُثَابَرَةُ: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْـمُحْسِنِينَ﴾.
وَمِنْ شُرُوطِ النَّجَاحِ أَيْضًا: الطُّمُوحُ وَالْهِمَّةُ الْعَالِيَةُ:فَالنَّاجِحُونَ قَدْ وَضَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ رُؤْيَةً يَسْعَوْنَ لِتَحْقِيقِهَا، وَغَايَةً شَرِيفَةً يَحْلُمُونَ بِهَا، هِيَ حَدِيثُ مَجَالِسِهِمْ، وَأُنْسُ نُفُوسِهِمْ، فَدَائِمًا مَا تَكُونُ اهْتِمَامَاتُهُمْ سَامِيَةً، وَهِمَّتُهُمْ عَالِيَةً، يَمْتَثِلُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا».
وَمِنْ شُرُوطِ النَّجَاحِ: التَّفَاؤُلُ: وَهُوَ تَوَقُّعُ الْخَيْرِ وَالنَّجَاحِ، وقد كَانَ النبيُ ﷺ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى، الْـمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ».
وَمِنْ شُرُوطِ النَّجَاحِ: كَثْرَةُ وَدَوَامُ الْإِلْحَاحِ بِالدُّعَاءِ مَعَ الْإِنْكِسَارِ وَشِدَّةِ الِافْتِقَارِ وَالْيَقِينِ التَّامِّ بِالْإِجَابَةِ، خَاصَّةً فِي مَوَاطِنِ الْإِجَابَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُحَقِّقُ بِهِ الْعَبْدُ مَطَالِبَهُ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ.
عِبَادَ اللَّهِ: مِنَ الْخَطَإِ الْكَبِيرِ أَنْ يَغْرِسَ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لَنْ يَقْدِرَ عَلَى النَّجَاحِ، وَأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مُهِمًّا فِي الْحَيَاةِ، فَلَا أَحَدَ مُحَصَّنٌ ضِدَّ الْفَشَلِ، فَكُلُّنَا تَعَرَّضَ وَسَيَتَعَرَّضُ لِلْخَطَإِ وَالْفَشَلِ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، لَكِنْ هُنَاكَ مَنْ يَنْهَضُ وَيَتَجَاوَزُ الْفَشَلَ، وَهُنَاكَ مَنْ يَبْقَى فِي وَحْلِ تَجْرِبَتِهِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَنْكُصُ عَنِ الطَّرِيقِ بَحْثًا عَنْ مَسَارٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْحَيَاةَ قَدْ لَا تَسِيرُ وِفْقَ مَا يُرِيدُ، غَيْرَ أَنَّ الْإِصْرَارَ، يُحَوِّلُ صِعَابَهَا إِلَى فُرَصٍ، وَيُحَوِّلُ الْـمِحَنَ إِلَى مِنَحٍ، وَكَمْ رَأَيْنَا مِنْ إِخْوَانِنَا الْأَجِلَّاءِ الْفُضَلَاءِ ذَوِي الِاحْتِيَاجَاتِ الْخَاصَّةِ: مَنْ نَجَحَ نَجَاحًا فَرِيدًا مُمَيَّزًا عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ، رَغْمَ الْعَوَائِقِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالتَّغَلُّبِ عَلَيْهَا.
وَأَخِيرًا أَيُّهَا الْكِرَامُ: اجْتَهِدُوا لِأَنْفُسِكُمْ، وَاجْتَهِدُوا فِي إِعَانَةِ أَوْلَادِكُمْ فِي مَعْرِفَةِ مَوَاهِبِهِمْ وَمَيُولِهِمْ، وَدِلَالَتِهِمْ عَلَى التَّخَصُّصَاتِ وَالْمَجَالَاتِ وَالْأَهْدَافِ الَّتِي تُنَاسِبُ شَخْصِيَّاتِهِمْ؛ وَفِي بِنَاءِ خُطَطِهِمْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَاسْتَعِينُوا بِدُعَاءِ الْهَادِي جَلَّ وَعَلَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بِالْمُتَخَصِّصِينَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ»، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا وَأَهْلِينَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ لِلْهِمَّةِ الْعَالِيَةِ فِي مَعَالِي الْأُمُورِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا وَيَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ وَالْجِدِّيَّةِ فِي تَحْقِيقِهَا وَإِنْجَازِهَا.
أَمَّا بَعْدُ: فإنّ من َأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْـمُحَرَّمِ ، وَلَا سِيَّمَا صَيامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: (مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ وَلَا شَهْرًا إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ) رواه مسلم. فَاحرصوا على صيام .عاشوراء، وَصُومُوا التَّاسِعَ مَعَهُ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ.
قال علماءُ اللجنةِ الدائمة: يجوز صيامُ يومِ عاشوراءَ يوما واحدا فقط لكنّ الأفضلَ صيامُ يومٍ قبلَه أو يومٍ بعده".
المرفقات
1750946569_النجاح صيام عاشوراء.docm