شَـــرٌّ وَ دَاءٌ

يوسف العوض
1446/11/08 - 2025/05/06 09:40AM

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللَّهِ: وَنَحَنُ نَعِيشُ فِي شهْرٍ حَرَامٍ مِنْ الأشهُرِ الحُرُمِ ينبَغي عَلينا تَعظيمُهُ فَاللهُ تَعالى مَا خَلَقَنَا فِي هَذِهِ الدُّنيَا إِلَّا لِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: "وَمَا خَلَقْتُ الجِنّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ" فَمَتَى استَقَمْنَا عَلَى هَذِهِ العِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ فُزْنَا بِخَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ خَرَجْنَا عَن هَذِهِ العِبَادَةِ بِالمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ فَتَحْنَا عَلَى أَنفُسِنَا أَبوَابَ الشَّقَاءِ وَالعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى: "وَلَوْ أَنّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ".

عِبَادَ اللَّهِ: إنَّ خَطَرَ الذُّنُوبِ عَلَى العَبدِ كَبِيرٌ، وَعَوَاقِبَهَا وَخِيمَةٌ، وَآثَارَهَا أَلِيمَةٌ، وَضَرَرَهَا فِي القُلُوبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الأَبدَانِ، وَهَل فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ شَرٌّ وَدَاءٌ إِلَّا وَسَبَبُهُ الذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي؟

ومِن آثَارِ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي في الدّنيا:

أَوَّلًا: قَسوَةُ القَلبِ: فَإِنَّ الذُّنُوبَ إِذَا تَرَاكَمَت عَلَى القَلبِ طُبِعَ عَلَيهِ، وَتَغَطّى بِالرَّانِ، قَالَ تَعَالَى: "كَلَّا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسبونَ".

ثَانِيًا: فُقدَانُ لَذَّةِ العُبُودِيَّةِ وَحَلَاوَةِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا تَاللَّهِ المُصِيبَةُ الكُبرَى، وَالبَاقِعَةُ العُظمَى، فَأَيُّ طَعْمٍ لِلحَيَاةِ بِدُونِ ذَوقِ لَذَّةِ العُبُودِيَّةِ لِلَّهِ؟ وَأَيُّ جَمَالٍ لِلعَيشِ بِدُونِ استِشعَارِ حَلَاوَةِ طَاعَةِ اللَّهِ؟

فَكَم مِن عَبدٍ نَظَرَ ببَصَرِهِ إلى الحرامِ فَحُرِمَ البَصِيرَة، أو تكلّمَ بِما لا يُرضي اللهَ فضلَّ سَعيُهُ، أو أكَلَ ما لا يَحِلّ لَهُ فَأَظلَمَ قَلبُهُ وحُرِمَ حَلاوَةَ مُناجَاةِ ربِّه، عِياذًا باللهِ من غَضَبِه وسَخَطِهِ.

ثَالِثًا: إِلْفُ المَعَاصِي وَمَحَبّتُهَا، وَتَعَلُّقُ القَلبِ بِهَا: فَإِنَّ المَعصِيَةَ تَدعُو أُختَهَا، وَتُزَيّنُ صَاحِبَتَهَا، وَقَد تَقُودُهُ مَعَاصِيهِ شَيئًا فَشَيئًا إِلَى تَركِ دِينِهِ - وَالعِيَاذُ بِاللهِ -.

رَابِعًا: نُفُورُ أَهلِ الخَيرِ وَالصَّلَاحِ عَنهُ، وَنُفُورُهُ عَنْهُم: فَلَا يَألَفُونَهُ وَلَا يَألَفُهُم، وَلَا يُجَالِسُونَهُ وَلَا يُجَالِسُهُم، فَيَفقِدُ حَلَاوَةَ مُصَاحَبَتِهِم فِي الدُّنيَا، وَيَفقِدُ دُعَاءَهُم لَهُ وَشَفَاعَتَهُم فِيهِ بَعدَ مَوتِهِ، وَقَد يَفقِدُ مَعِيّتَهُم فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ، فَإِنَّ المَرءَ مَعَ مَنْ أَحَبّ.

خَامِسًا: حِرمَانُ العِلمِ الشَّرعِيِّ، فَإِنَّ العِلمَ نُورٌ يَقذِفُهُ اللَّهُ فِي القَلبِ، وَصَاحِبُ المَعَاصِي قَد أَظلَمَ قَلبُهُ، فَلَم يَعُدْ مَحَلًّا لِنُورِ العِلمِ.

سَادِسًا: زَوَالُ النِّعَمِ وَحُلُولُ المَصَائِبِ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ: مِن فَقرٍ، وَمَرَضٍ، وَخَوفٍ، وَتَسَلُّطِ أَعدَاءٍ، وَزَلَازِلَ، وَبَرَاكِينَ، وَأَعَاصِيرَ، وَفَيَضَانَاتٍ، وَخَسفٍ، وَمَسخٍ، وَقَذفٍ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: "ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ".  

وَأَخرَجَ الإِمَامُ أَحمَدُ فِي المُسنَدِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ العَبدَ لَيُحْرَمُ الرِّزقَ بِالذَّنبِ يُصِيبُهُ).

وَعَن جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبرُصُ فُرّقَ بَينَ أَهلِهَا، فَبَكَى بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ، وَرَأَيتُ أَبَا الدَّردَاءِ جَالِسًا وَحدَهُ يَبكِي، فَقُلتُ: يَا أَبَا الدَّردَاءِ! مَا يُبكِيكَ فِي يَومِ أَعَزّ اللَّهُ فِيهِ الإِسلَامَ وَأَهلَهُ؟ فَقَالَ: (وَيحَكَ يَا جُبَيرُ، مَا أَهوَنَ الخَلقَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَضَاعُوا أَمرَهُ! بَينَمَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ المُلكُ، تَرَكُوا أَمرَ اللَّهِ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى!).

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللَّهِ: إِنّ تَركَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي أَسَاسُ كُلِّ خَيرٍ وَفَلَاحٍ، وَمَنبَعُ كُلِّ هُدًى وَرَشَادٍ.

واِعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا وَقَعتَ فِي الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي فَإِنَّ عُقُوبَةَ الذُّنُوبِ تَزُولُ عَنكَ بِأَسبَابٍ، مِن أَهَمّهَا:

"أَوَّلًا: التَّوبَةُ وَالِاستِغفَارُ، قَالَ تَعَالَى: "قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

ثَانِيًا: الأَعمَالُ الصَّالِحَةُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبْنَ السَّيّئَاتِ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (وَأَتْبِعِ السَّيّئَةَ الحَسَنَةَ تَـمْحُهَا). أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ.

ثَالِثًا: الصَّبرُ عَلَى المَصَائِبِ وَالبَلَايَا، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (مَا يُصِيبُ المُؤمِنَ مِن وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزنٍ، وَلَا غَمٍّ، وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوكَةَ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ). أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

المرفقات

1746513890_شر وداء.docx

المشاهدات 1086 | التعليقات 1

تقبل الله