طريق الجنة في طلب العلم ( خطبة مختصرة عن العلم وفضله )
فهد فالح الشاكر
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الَّذي رَفَعَ الَّذينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجاتٍ، وجَعَلَ العِلمَ حياةً لِلقُلوبِ، ونورًا لِلبَصائِرِ، وسَبَبًا لِلرِّفعةِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ:
عبادَ اللهِ، أُوصيكُم ونفسيَ بِتَقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، فهِيَ وصيَّةُ اللهِ لِلأوَّلينَ والآخِرينَ.
أيُّها الأحبَّة:
لقدِ انقَضَتِ الإجازةُ بِما فيها مِن راحةٍ ومُتعةٍ ولقاءٍ واجتِماعٍ، وها نحنُ نستقبِلُ عامًا دِراسِيًّا جَديدًا، عامٌ يَفتَحُ أبوابَ الجِدِّ والاجتِهادِ، وأبوابَ طَلَبِ العِلمِ، وما أعظَمَها مِن أبوابٍ. فإنَّ طَلَبَ العِلمِ ليسَ شأنًا دُنيَوِيًّا فَحَسْبُ، بل هُوَ عِبادةٌ يَتقرَّبُ بِها العَبدُ إلى اللهِ جلَّ وعَلا.
قالَ اللهُ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ فالعِلمُ رِفعةٌ، والجَهلُ هَلَكَةٌ.
وقالَ تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
أبناءَنا الكِرام:
اعلَموا أنَّ مَجالِسَ العِلمِ هِيَ رِياضُ الجَنَّةِ، فمَن جَلَسَ فيها ازدادَ رِفعةً عندَ اللهِ، ومَن صَرَفَ عنها قلبَهُ ضَلَّ وهَلَكَ. قالَ النبيُّ ﷺ: «مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّينِ» [مُتَّفَقٌ عليه].
وطَلَبُ العِلمِ يَحتاجُ إلى إخلاصٍ وصَبرٍ ومُثابَرةٍ، فقد قالَ بَعضُ السَّلَفِ: مَن لَم يَذُق ذُلَّ التعلُّمِ ساعَةً، بَقِيَ في ذُلِّ الجَهلِ أبدًا.
وقد كانَ سَلفُنا الصَّالِحُ يَضرِبونَ أروَعَ الأمثِلةِ في الصَّبرِ على طَلَبِ العِلمِ. فهذا الإمامُ الشافِعيُّ رحمهُ اللهُ، كانَ يكتُبُ العِلمَ على العِظامِ والجُلودِ إذا لَم يَجِدِ الورَقَ، لِحرصِهِ على الحفظِ والفَهمِ.
وهذا الإمامُ أحمدُ بنُ حَنبَلٍ رحمهُ اللهُ، سافَرَ مِن بَغدادَ إلى صَنعاءَ ـ مَسافةً تُقارِبُ ألفَي كيلومتر ـ مِن أجلِ أن يَطلُبَ حديثًا واحِدًا!
وهذا ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُما، حَبرُ الأمَّةِ وتَرجُمانُ القرآنِ، كانَ يأتي بابَ الصَّحابيِّ لِيَسأَلَهُ عن حديثِ رسولِ اللهِ ﷺ، فينامُ على بابِهِ في الحَرِّ والغُبارِ حتَّى يخرُجَ. فلمَّا قيلَ لهُ: أنتَ ابنُ عَمِّ رسولِ اللهِ، ألا تَستَحي أن تَسألَ؟ قالَ: هكذا أُمِرنا أن نَطلُبَ العِلمَ.
والإمامُ البُخارِيُّ رحمهُ اللهُ، رَحَلَ في طَلَبِ الحديثِ أكثرَ مِن ستِّ عَشرَةَ سنةً، وجمَعَ صَحيحَهُ الَّذي هُوَ أصَحُّ كِتابٍ بَعدَ كِتابِ اللهِ.
وأمَّا النَّوويُّ رحمهُ اللهُ، فَلَقَد عاشَ عُمرًا قَصيرًا (خَمسًا وأربعينَ سَنةً)، لكِنَّهُ مَلأ الدُّنيا عِلمًا نافِعًا، وما ذاكَ إلَّا بِالجِدِّ والاجتِهادِ.
فيا أبناءَنا الطُّلَّاب: اعلَموا أنَّ ما تُبذِلونَهُ مِن جُهدٍ وسَهرٍ وصَبرٍ في الدِّراسةِ، فَهُوَ في مِيزانِ حَسَناتِكم، إذا ابتَغَيتُم بِهِ وَجهَ اللهِ. ولا يُضيِّعُ اللهُ تَعبَكم إذا نَوَيتُم طَلَبَ العِلمِ للهِ. فاصبِروا على المَشقَّةِ، وابتَعِدوا عن صُحبَةِ اللهوِ والكَسَلِ، وكُونوا مَفاتِيحَ لِلخَيرِ مَغاليقَ لِلشَّرِّ في أُمَّتِكم.
هذا ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا كما يُحِبُّ رَبُّنا ويرضى، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ.
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ ـ عبادَ اللهِ ـ، واعلَموا أنَّ العِلمَ مِيراثُ الأنبياءِ، وأنَّ العُلَماءَ ورَثةُ الأنبياءِ، وما تَرَكوا دينارًا ولا دِرهَمًا، ولكن ورَّثوا العِلمَ، فمَن أخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍّ وافِرٍ.
فأحسِنوا الاستعدادَ لِهذا العامِ الدِّراسِيِّ الجَديدِ، وليَكُن شِعارُكم الجِدَّ والمُثابَرةَ، والابتِعادَ عن اللهوِ والكَسَلِ، واحذَروا رِفقَةَ السُّوءِ الَّتي تُضيِّعُ الأوقاتِ وتُفسِدُ الأخلاقَ.
وتَذَكَّروا أنَّ التَّفوُّقَ والنَّجاحَ لا يُنالانِ إلَّا بِالصَّبرِ والمُثابَرةِ، قالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
ثمَّ صلُّوا وسلِّموا على خَيرِ الوَرى، فقد أمَرَكم اللهُ جلَّ وعَلا بِذلكَ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِهِ الرَّاشِدينَ، وأزواجِهِ أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ، وسائِرِ الصَّحابَةِ أجمعينَ، ومَن تبِعَهم بِإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ علِّمنا ما يَنفَعُنا، وانفَعنا بِما علَّمتَنا، وزِدنا عِلمًا وهُدًى وتَوفيقًا.
اللَّهُمَّ اجعَلنا مِن الَّذينَ يَستَمِعونَ القولَ فَيَتَّبِعونَ أحسَنَهُ.
اللَّهُمَّ أصلِح شَبابَ المُسلِمينَ، وفِّق طُلَّابَنا وطالِباتِنا لِكُلِّ خَيرٍ، ويسِّر لهم طَريقَ العِلمِ والهُدى والنَّجاحِ.
اللَّهُمَّ وفِّق وُلاةَ أُمورِنا لِما تُحِبُّ وتَرضى، وخُذ بِنَواصيهِم لِلبِرِّ والتَّقوى.
عبادَ اللهِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
فاذكُروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، ولذِكرُ اللهِ أكبَرُ، واللهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ
المرفقات
1755773025_طريق الجنة طلب العلم .pdf