ظاهرة الإسراف
عبدالرحمن محمد صالح الحمد
ظاهرة اجتماعية مقلقة،وعادة سلبية مزعجة يشترك كثير من الناس في وجودها،ولا بد من التعاون على علاجها إنها ظاهرة تستفز المشاعر، وتضيّق الصدور، وتحرق الأعصاب،ظاهرة تعم بلواها، ويخاف من عواقبها، وقودها الأموال المهدرة، والأوقات الضائعة ظاهرة قليل من يسلم منها وليست هذه الظاهرة مقصورة على الأغنياء بل قد يشترك فيها الفقراء كما أنها ليست مقصورة على الرجل بل تشترك ليست فيها النساء ظاهرة نهانا الله تبارك وتعالى عنها، وما من عمل لا يناسب الفطرة ولا تتقبله العقول السليمة إلا وهو ممنوع في الشرع،والله تبارك وتعالى لم يحرم أمراً فيه صلاح الناس، ولم يحذرهم من فعل فيه فلاحهم بل إن الله تبارك وتعالى نهى عباده عن كل مفسد لحياتهم مهلك لأموالهم مضــر بجمعتهم فهل عرفتـم هذه الظاهــرة الممقوتـــة؟ إنها ظاهرة الإسراف، يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ﴾ [الأعراف: 31]
، وروى البخاري ‘ أن رسول الله ﷺ : (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة)، الغذاء سواء كان طعاماً أو شراباً أساس لحياة الإنسان ونموه فلا بد منه والذي ينهى عنه الإسراف في ذلك ويكون أحياناً بالأكل فوق الشبع، روى الحاكم أن رسول الله ﷺ قال: (إن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة)، وقال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (والله لو شئت لكنت من ألينكم لباساً، وأطيبكم طعاماً، وأرقكم عيشاً، ولكني سمعت الله عزوجل عيَّر قوماً بأمر فعلوه فقال: ﴿أَذهَبتُم طَيِّباتِكُم في حَياتِكُمُ الدُّنيا وَاستَمتَعتُم بِها﴾ [الأحقاف: 20].
ظاهرة الإسراف موجودة في أمور حياتنا إلا من رحم الله تبارك وتعالى اعتياد الناس على شيء وإن كان منهياً عنه يصبح أمراً عادياً سهلاً جاء في الأمثال: كثرة المساس تقلل الإحساس، في المجتمع إسراف له أشكال عديدة إسراف في إنفاق المال، وإسراف في المباحات، وإسراف في الولائم،وإسراف في المياه، وإسراف في الكهرباء، وإسراف في الحفلات، وإسراف في إضاعة الأوقات ، الإسراف عواقبه وخيمة، ونتائجة أليمة، وإذا كان المسلم منهياً عن الإسراف حتى في الأمور المباحة بل حتى في الطاعات الواجبة فكيف به في غير ذلك جاء رجل من البادية يسأل رسول الله ﷺ عن الوضوء فأراه الوضوء ثلاثاً ثم قال: (هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) رواه النسائي، فالزيادة في الحد حتى في الطاعة تعتبر إساءة وتعدياً وظلماً، الإسراف له مظاهر عديدة كثيرة ومن ذلك: الإسراف في إنفاق المال وإضاعته ورسول الله ﷺ نهى عن إضاعة المال، والواجب أن يكون الإنفاق بدرجة متوسطة قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذينَ إِذا أَنفَقوا لَم يُسرِفوا وَلَم يَقتُروا وَكانَ بَينَ ذلِكَ قَوامًا﴾ [الفرقان: 67]
قال ابن كثير ‘ : (أي ليسوا مبذرين في إنفاقهم فيسرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم بل عدولاً خياراً، وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا) 1.هـ، ومن صور الإسراف: الإسراف على الأنفس بالمعاصي والآثام قال الله تعالى: ﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53] أي الذين جنوا على أنفسهم بالإسراف في المعاصي والكفر يقول الله لهم: لاتيأسوا من مغفرة الله بفعل سبب يمحو أثر الإسراف وذلك بالتوبة إلى الله، ومن صور الإسراف: الإكثار من الأكل،وفي الهدي النبوي دواء وشفاء وتوجيه وإرشاد وهو القائل: (ما ملاء ابن آدم وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه،وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) رواه الترمذي وابن ماجه، جاء في تفسير القرطبي: قال العلماء: لو سمع بقراط هذه القسمة لعجب من هذه الحكمة، وبقراط طبيب يوناني مشهور والله أعلم، وقال طبيب العرب الحارث بن كلدة الثقفي: المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء وأعطِ كل بدن ما عودته، ومن الأقوال المأثورة: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع، وسأل شخص أحد الأطباء المعاصرين المختصين بالباطنة عن أفضل نصيحة مختصرة تقدمها لمن يسألك النصح فقال: (اقصر يدك ومدَّ رجلك) فهو يوجه إلى أن الصحة تكمن في تقليل الأكل وفي المشي والحركة، ومع تقدم الطب ووجود التطعيمات الوقائية بتوفيق الله من الأمراض مع ذلك يكثر المراجعون للمستشفيات، وأعداد المرضى في تزايد، وأنواع الأمراض في تصاعد، ولاشك أن الإسراف في المأكولات والإخلاد إلى الراحة والكسل والتسمر أمام الأجهزة الثابتة أو المحمولة واستخدام المعلبات بكثرة حتى في البيوت لاشك أن ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى سبب من أسباب انتشار هذه الأمراض نسأل الله العفو والعافية والمعافاة.
ومما يلاحظ في المجتمع كثرة المطاعم والمطابخ ومحلات الواجبات السريعة وكثرة الصيدليات فكأن بعض الناس يأكلون ثم يبحثون عن العلاج، وربما أنهم لو سلموا من بعض المأكولات ولا سيما التي يصنعها غيرهم لسلموا من الأمراض والعلاجات والأدوية التي تشترى بأغلا الأثمان ولكانوا للصحة أقرب منهم للمرض، والله أسأل أن يوقظنا من سنة الغافلين،وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وبمناسبة الحديث عن الإسراف وتكثير ما يصنع من الطعام فالواجب الذي ينبغي أن لا يطبخ إلا ما يحتاج إليه فإن زاد في يوم من الأيام عن الحاجة فإنه يوجد في المحافظة جمعية رسمية تعرف بجمعية قوت وعند الجمعية الاستعداد لاستلام الفائض من الطعام وإعداده وتسليمه للمستفيدين على أن الأصل أن لا يزيد الطعام عن الحاجة ولكن على تقدير وفرض أن زاد وبقي منه شيء فليسلم إلى الجمعية ولا يرمى، أو يعطى البهائم والدواجن، والدال على الخير كفاعله والتعاون بين المسلمين مطلوب: ﴿وَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ﴾ [المائدة: 2]
وبعد: فهناك صور سلبية في المجتمع ومن هذه الصور: أن ترى شاباً يجمع صداق زواجه من المحسنين والجمعيات الخيرية ثم تراه يجعل وليمة زواجه في قصر أو في استراحة كبيرة يدعو لها خلقاً لا يحصيهم إلا الله عزوجل.
ومن الصور المؤلمة: أن ترى بيتاً أهله بحاجة إلى الإعانة والصدقة وترى الأطعمة الجاهزة تحضر إليهم بما يعرف بالتوصيل بأسعار باهظة، وقد يكون ذلك متكرراً، ومن الصور أيضاً: أن ترى بيتاً محتاجاً ولكن أهله يسافرون للتنزه حتى في الخارج ويصرفون من الأموال ما الله به عليم وقد يستلفون قبل السفر أو يجمعون الزكاة، ومن الصور المؤلمة: أن ترى بقاية الأطعمة توضع مع القمامة فأين احترام النعمة؟ وجزى الله العاملين في البلدية خير الجزاء حيث وضعوا سلالاً خاصة بالأطعمة.
***