ظُلُمَاتُ الْخُرَافَاتِ!
يوسف العوض
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ لِيَنْتَشِلَ الْبَشَرَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْخُرَافَاتِ وَالْكِهَانَةِ وَالدَّجَلِ، إِلَى نُورِ التَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ ، وَقَدْ حَذَّرَنَا النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَهْلِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ الَّذِينَ يُزَيِّنُونَ لِلنَّاسِ زَعْمَ مَعْرِفَةِ الْغَيْبِ، أَوِ التَّصَرُّفِ فِي الْأَقْدَارِ، أَوِ الشِّفَاءِ بِطُرُقٍ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِهَا سُلْطَانًا ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»، وَفِي لَفْظٍ: «لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» فَيَا لَهَا مِنْ رَهْبَةٍ وَعِظَةٍ يَجِبُ أَنْ تَسْتَوْقِفَ كُلَّ مُؤْمِنٍ غَيُورٍ عَلَى دِينِهِ.
وَإِنَّ الْكُهَّانَ الْمُعَاصِرِينَ – يَا عِبَادَ اللَّهِ – لَيْسُوا كَمَا يَتَصَوَّرُهُمُ النَّاسُ فِي الزَّمَانِ الْغَابِرِ، بَلْ قَدْ يَخْتَبِئُونَ خَلْفَ أَسْمَاءِ بَرَّاقَةٍ:
«مُعَالِجٌ رُوحِيٌّ»، «خَبِيرُ طَاقَةٍ»، «قَارِئُ بُرُوجٍ»، «مُتَخَصِّصُ تَنْمِيَةٍ ذَاتِيَّةٍ»، «مُعَالِجٌ بِالْحُرُوفِ وَالطَّاقَاتِ»، أَوْ يَظْهَرُونَ فِي قَنَوَاتٍ وَمَوَاقِعَ تُشِيعُ الْوَهْمَ وَالْخُرَافَةَ.
وَحَقِيقَتُهُمْ وَاحِدَةٌ: ادِّعَاءُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ، أَوِ التَّقَرُّبُ إِلَى الشَّيَاطِينِ، أَوِ التَّلَاعُبُ بِعَقُولِ الضُّعَفَاءِ، وَاسْتِغْلَالُ خَوْفٍ أَوْ ضِيقٍ أَوْ حَاجَةٍ ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ! ﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فَمَنْ أَلْقَى قَلْبَهُ فِي غَيْرِ بَابِ رَبِّهِ ضَلَّ وَخَابَ، وَمَنْ طَلَبَ نَجَاتَهُ مِنْ كَاهِنٍ أَوْ دَجَّالٍ، أَضَاعَ وَقَارَهُ وَدِينَهُ وَعَقْلَهُ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الصَّافِي، وَابْعِدْ عَنَّا سُبُلَ الْخُرَافَاتِ وَأَهْلِهَا.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مَوْقِفَ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُهَّانِ وَالدَّجَّالِينَ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ لَا تَفَرُّطَ فِيهِ.
أَوَّلًا: تَعْظِيمُ التَّوْحِيدِ وَتَنْزِيهُ الْقَلْبِ فَمَنْ عَلِمَ قُدْرَةَ رَبِّهِ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، لَمْ يَلْتَفِتْ فِي ضَرَّاءَ وَلَا سَرَّاءَ إِلَّا إِلَى مَوْلَاهُ. التَّوْحِيدُ حِصْنٌ، وَمَنْ دَخَلَهُ اطمَأَنَّ وَسَلِمَ.
ثَانِيًا: نَشْرُ الْوَعْيِ وَتَصْحِيحُ الْمَفَاهِيمِ إِذْ لَوْلَا الْجَهْلُ مَا رَوَّجَتِ الْخُرَافَةُ، وَلَوْلَا ضَعْفُ التَّوْعِيَةِ مَا ارْتَفَعَ نَجْمُ هَؤُلَاءِ. فَعَلَى الْخُطَبَاءِ، وَالْمُعَلِّمِينَ، وَالدُّعَاةِ، وَالْوَالِدَيْنِ، دَوْرٌ عَظِيمٌ فِي بَيَانِ الْحَقِّ وَإِظْهَارِ بُطْلَانِ هَؤُلَاءِ.
ثَالِثًا: الأخذُ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالطِّبِّيَّةِ فَالْعِلَاجُ الْمَشْرُوعُ مَعْرُوفٌ، وَالرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَاضِحَةٌ، وَالطِّبُّ الصَّحِيحُ ثَابِتٌ نَافِعٌ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ دَجَلٍ وَلَا شِرْكٍ. أَمَّا التَّعْلِيقُ عَلَى الأَوْهَامِ فَهُوَ المَهْلَكَةُ وَالخُسْرَانُ.
رَابِعًا: حِمَايَةُ الضُّعَفَاءِ مِنَ الاسْتِغْلَالِ فَهَؤُلَاءِ الْمُدَّعُونَ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي شِبَاكِهِمُ الضُّعَفَاءُ وَالْبُسَطَاءُ وَالْمَكْرُوبُونَ، فَلْيَكُنْ لِلْأُسَرِ وَالْمُجْتَمَعِ يَقَظَةٌ فِي حِمَايَةِ أَبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: لَا تَسْتَبْدِلُوا نُورَ الْوَحْيِ بِوَهْمِ الدَّجَلِ، وَلَا تَرْكَنُوا لِمَنْ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، فَالْقَدَرُ بِيَدِ اللَّهِ، وَالْغَيْبُ عِنْدَ اللَّهِ، وَالشِّفَاءُ مِنَ اللَّهِ.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وَنَوِّرْهَا بِنُورِ الْإِيمَانِ.
المرفقات
1763977924_خرافة.docx