عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ 1446

مبارك العشوان 1
1446/11/23 - 2025/05/21 14:38PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ ذِي الحِجَّةِ أَحَدُ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ، والعَشْرُ الأَوَلُ مِنْهُ؛ عَظِيمَةُ الشَّأْنِ؛ جَلِيلَةُ القَدْرِ؛ لَيْسَ فِي أَيَّامِ العَامِ مِثْلُهَا؛ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا فَقَالَ: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ}

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَادُ بِهَا: عَشْرُ ذِي الْحِجّةِ.

وَجَاءَ فِي فَضْلِهَا، قَـوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ، قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

وَهَا نَحْنُ - رَحِمَكُمُ اللهُ - مُقْبِلُونَ عَلَى هَذِهِ العَشْرِ؛ وَهِيَ خَيرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ فَلْيَكُنْ لَنَا فِيهَا أَوْفَرَ الحَظِّ وَالنَّصِيبِ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

كُلُّ عِبَادَةٍ أَمْكَنَنَا فِعْلُهَا فَلْنُسَارِعْ إِلَيْهَا وَلْنُسَابِقْ.

وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ؛ فَلْنَجْتَنِبْهَا وَلْنَحْذَرْ قُرْبَهَا.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...} [الحديد 21]  

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون 60- 61]

لِنُحَافِظْ ـ حَفِظَكُمُ اللهُ ـ عَلَى الفَرَائِضِ؛ فَمَا تَقَرَّبَ عَبْدٌ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيهِ مِنَ الفَرَائِضِ.

صَلَاتُنَا عِمَادُ دِينِنَا، وَرُكْنُهُ الثَّانِي، وَالفَارِقُ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالكُفْرِ، وَلَيْسَ فِي الإِسْلَامِ حَظٌ لِمَنْ تَرَكَهَا.

صَلَاتُنَا؛ سَبِيلُ نَجَاتِنَا، وَطَرِيقُ فَلَاحِنَا؛ فَلْنَحْفَظْ لِصَلَاتِنَا وَقْتَهَا، وَطَهَارَتَهَا، وَخُشُوعَهَا، وَجَمَاعَتَهَا فِي المَسَاجِدِ.

إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ يَا عَبْدَ اللهِ فَبَادِرْ إِلَى المَسْجِدِ؛ وَأَبْشِرْ حَيْنَئِذٍ؛ فَإِنَّ مَنْ: (تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ  اللهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ) هَكَذَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]

لْيَكُنْ لَنَا حَظٌ مِنَ النَّوَافِلِ؛ فَهِيَ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا  وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) الخ [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

نُكْثِرُ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ؛ كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ وَصَلَاةِ اللَّيلِ  وَصَلَاةِ الضُّحَى؛ فَقَدْ جَاءَتِ الأَدِلَّةُ بِفَضَائِلِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ.

وَهَكَذَا نُكْثِرُ مِنْ صِيَامِ النَّفْلِ؛ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ؛ وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).

وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ...) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَهَكَذَا؛ لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى؛ فَهُوَ العِبَادَةُ العَظِيمَةُ المُيَسَّرَةُ.

لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فَمَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.

لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالاِستِغْفَارِ؛ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} الأحزاب 41، 42

لِنُحْيِي فِي عَشْرِنا سُنَّةَ التَّكْبِيرِ، وَلْنَجْهَرْ بِهِ؛ تَأَسِّيًا بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَصَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ؛ فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.

يَبْدَأُ التَّكْبِيرُ مِنْ ثُبُوتِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَنَا العَشْرَ المُبَارَكَةَ، وَأَنْ يُبَارِكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَيَنْفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ.

وَأَنْ يَغْفِرَ لِي وَلَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ:

فَلْيَكُنْ لَنَا حَظٌ مِنْ نَفْعِ الآخَرِينَ، مِنَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، مِنَ الإِحْسَانِ لِلْمُحْتَاجِينَ وَسَدِّ حَاجَتِهِمْ  يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ  كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا؛ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]

لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ مِنْ بِرِّ الوَالِدَينِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى الأَقَارِبِ وَالجِيْرَانِ، وَإِكْرَامِ الضَّيفِ، وَعِيَادَةِ المَرْضَى، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَحُسْنِ الخُلُقِ،... وَغَيْرِهَا.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: الْأُضْحِيَةُ.

وَمَنْ أرَادَ أنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَبَشَرَتِهِ  مِنْ دُخُولِ العَشْرِ حَتَّى يُضَحِّي، وَمَنْ نَوَى أثْنَاءَ العَشْرِ أمْسَكَ مِنْ حِينِ نِيَّتِهِ.

عِبَادَ اللهِ: عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ - بَلِ الحَيَاةُ كُلُّهَا -  أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ سُرْعَانَ مَا تَنْقَضِي؛ وَلَا يَدْرِي أَحَدُنَا مَا يَعْرِضُ لَه فِيهَا  فَلْنُقَدِّمْ فِي دُنْيَانَا مَا يَسُرُّنَا أَنْ نَرَاهُ فِي أُخْرَانا: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ 40]

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}  اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ  كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( وتجدون الخطبة على قناة ( احرص على ما ينفعك في التليجرام
https://t.me/benefits11111

 

المرفقات

1747826775_عشر ذي الحجة 1446.pdf

1747826787_عشر ذي الحجة 1446.docx

المشاهدات 485 | التعليقات 0