علاجُ سوء الظنّ 13-2-1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/02/13 - 2025/08/07 12:57PM

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ الظنّ هو من أعظم أسباب التقاطُعِ والتدابُر, والقتلِ وإراقةِ الدماء.

فما من شرٍّ إلا والظنُّ السيِّئُ أحدُ أسبابه, وما من جريمةٍ إلا وهو أحدُ دوافعها.

بل إنَّ الظنَّ السَّيِّئ يجعلُ الحسن قبيحاً, والحقَّ باطلاً, فإذا أساء أحدٌ الظنَّ بأحد, فابْتسامتُه له يعتبرها شتيمةً واسْتهزاءً, ومدحُه له يراهُ خوفًا أو رياءً, فكلُّ حقٍّ جاء من قِبَلِه يراه باطلاً وضلالاً.

وصدق القائل:

وعَيْنُ السُّخط تُبْصِرُ كلَّ عيبٍ ... وعَيْنُ أخي الرضى عن ذاك تعمى

وصدق الآخر:

وعينُ الرّضَى عن كل عيبٍ كليلةٌ ... ولكنّ عينَ السُخط تُبدِي المساويا

واعلم أنَّ أسرارَ القلوب لا يعلمها إلا علَّامُ الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا, إلا إذا انكشف لك بعيانٍ لا يحتمل تأويلا، فعند ذلك لا تعتقدْ إلا ما علمتَه وشاهدتَه، فما لم تشاهده ولم تسمعه ثم وقع في قلبك, فإنما الشيطان يلقيه إليك, فيجبُ عليك تكذيبه فإنه أفسق الفساق.

والظنُّ إنَّما مَنشؤه التَّوهُّمُ والتخمين, فكيف يبني عاقلٌ حكمًا على وهمٍ واحتمال؟.

وما أكثرَ ما يطرق مسامعنا في مجالسنا وبيوتنا: فلانٌ قصد بكلامه كذا ، وفلانٌ يعني بتصرُّفه كذا، وفلانٌ ما فعل كذا إلا رياءً ونفاقاً.

وإذا حلَّ سوءُ الظن في النفوس, أدى بها إلى الاتهام المتعجل ، وتتبع العثرات ، وتلقُّطِ الهفوات والزَّلات.

والكاسب الوحيدُ هنا هو إبليسُ نعوذ بالله منه.

وإنَّ سوء الظن إذا شاع وانتشر بيننا, فإنه سَيُؤدي إلى أن نتقاذف التهم ، وتنعدمَ الثقةُ فيما بيننا ؛ فنتباغض ونتقاطع, حينها تذهبُ معاني المحبة والأخوة, وتزول عنا القوةُ واللحمة, ويدُبُّ فينا الضعفُ والأنانية والكراهية.

 

وإنَّ علمَ ما تُكِنُّه النفوسُ وتُخفيه, والمحاسبةَ عليها هي, من خصائص الله - سبحانه وتعالى -, الذي يعلم السرّ وأخفى, أما نحن, فليس لنا من إخواننا إلا ما ظهر من عمَلهم، وما بانَ من أقوالهم وأحوالهم, وهذا ما تربَّى وربَّانا عليه سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى, فقد روى البخاريُّ في صحيحه[1] عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ, وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ, فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ, وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ, اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ, وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ, وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ..

 

معاشر المسلمين: وقد عُلم من قول الله تعالى {اجْتنبوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} أنَّ بعضًا من الظن ليس إثما.

فكيف نُفرق بين الظنِّ الجائز والمحرم؟ قال العلماء: الظنُّ المحرم : الظنُّ السيِّئُ بالمسلم المستور الحال، الظاهرِ العدالة, فمَن عُرف عنه الخيرُ والصلاح فمن باب أولى, وأهلُ العلم والدَّعوةِ أعظم حُرمةً من غيرهم.

وأما مَنْ يُجاهر بارتكاب الخبائث والمعاصي, فلا يحرم سوء الظن به؛ لأنَّ مَنْ عرَّضَ نفسَه للتُّهَمِ كان أهلا لسوء الظن به.

 

فلْنتق الله عباد الله, ولْندعِ الظنونَ التي تُساورُنا وتهجم علينا, ولْنُعامل الناس بحسب ظاهرهم وحالهم, ولْنتجنَّبِ الحكم على نيّاتهم ومقاصدهم, فعلمُ ذاك عند علاَّمِ الغيوب.

 

نسأل الله تعالى, أنْ يُوفقنا لِحُسْنِ الظن بالمسلمين, وأنْ يُجنبنا سوء الظن بهم, إنه على كل شيءٍ قدير.

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..

أما بعد: معاشر المسلمين:

أخي المسلم, وبعد أنْ تعرَّفت على خطر الظنِّ السيئِ وقُبحه وإثمِه, بقي عليك أنْ نعرف أسباب تجنُّبه والخلاصِ منه, وهي كما يلي:

أولاً: أنْ تدعو اللهَ دائماً بألا يجعل في قلبك غلاًّ للذين آمنوا, فسوء الظنِّ من أعظمِ أسباب الغلّ والحقد على الناس.

ثانياً: أنْ تُصارح مَن وجدت في نفسك عليه, أو اعتقدت فيه أمرًا يُضايقك, فالْمُصارحةُ تُزيل آثار الحقد والغل, والظَّنِّ والوهم, فكم مِنْ إنسانٍ ظنَّ بأحدٍ ظنًّا سيِّئاً, فلمَّا صارحه بذلك تبيَّن لهُ أنه واهمٌ في ظنِّه, فارْتاح فؤاده, ونجا من الإثم جرَّاءَ ظنِّه, ما لم يغلب على ظنّه أنّ المصارحة تزيد المشكلة سوءًا.

ثالثاً: أنْ تُحسن الظنَّ بالناس, ولا تُشغلَ نفسك بمقاصدهم ونيَّاتهم, وفكِّر طويلاً قبل أن تَحْكم أو تَتَّهم ، ولئن تُخطئ بحسن الظن أهونُ من أن تُخطئ بالتسرع بسوء الظن.

رابعًا: أنْ تلْتمس المعاذير للناس, وتتركَ تتبعَ العورات, واقْتناصَ الزلات.

خامسًا: أنْ تدعو لمن أسأت ظنّك به, وأنْ تُحسن تعاملك معه, قال بعض العلماء: وإذا خطر لك خاطر بسوءٍ على مسلم, فينبغي أن تزيد في مراعاتِه وتدعو له بالخير, فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك, فلا يلقي إليك الخاطرَ السوءَ خوفًا مِن اشتغالك بالدعاء.

 

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

[1] - (2641).

المشاهدات 657 | التعليقات 0