عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! (خُطُورَةُ العَيْنِ.)

رمضان صالح العجرمي
1446/11/03 - 2025/05/01 11:52AM
مُقتَرَحُ خُطبَة بعنوان: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! (خُطُورَةُ العَيْنِ، وَسُبُلُ الوِقَايَةِ مِنْهَا)
 
1- حَقِيقَةُ العَيْنِ، وَبَيَانُ خُطُورَتِهَا وَتَأثِيرهَا.
2- الأَسبَابُ الشَّرعِيَّةُ لِلوِقَايَةِ مِنَ العَيْنِ، وَالعِلَاجُ.
3- عَلَامَاتُ الإِصَابَة بِالعَيْنِ.
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ) 
بيان حقيقة العين، وأسباب الوقاية والعلاج منها؛ لعموم البلوىٰ بها، وكثرة تعرُّض الناس لها؛ لاسيما أن هذا الموضوع له علاقة وارتباط وثيق بالعقيدة والتوحيد.
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، حديثنا اليوم بإذن الله تعالى عن [العَيْنِ] خُطُورَتُهَا وَتَأثِيرُهَا، وكيف تكون الوقايةُ منها؟! فدائمًا نسمع: أنَّ فلانًا معيونٌ، وأنَّ فلانًا  عائنٌ! مواقف كثيرة يتعرض لها الناس في حياتهم وتعاملاتهم، فهل هذا الكلام صحيح في الشرع؟ وهل العين حقيقة؟ وهل له علاقة وارتباط بالعقيدة والتوحيد؟ هذا ما نتعرف عليه بإذن الله تعالى من خلال هذه الوقفات:
1- حَقِيقَةُ العَيْنِ، وَبَيَانُ خُطُورَتِهَا وَتَأثِيرهَا.
2- الأَسبَابُ الشَّرعِيَّةُ لِلوِقَايَةِ مِنَ العَيْنِ، وَالعِلَاجُ.
3- عَلَامَاتُ الإِصَابَة بِالعَيْنِ.
الوقفةُ الأولى:- هَلِ العَيْنُ حَقٌّ؟ وَمَا مَدَى خُطُورَتهَا وَتَأثِيرهَا.؟
•نعم، العَيْنُ حَقٌّ، وهي تصيبُ الإنسانَ فتؤذيه في نفسه وأهله وماله؛ كما في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا.)) والمعنى: لا شيء يسبق القدر؛ لكن لو قُدِّرَ ذلك لكانت العين؛ فهذا الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات تأثير العين.!
•وسُمِّيَت بالعين: وذلك من باب التغليب؛ وإلَّا فالعين قد تكون حتى من الأعمى، أو بمجرد وصف الشيء للعائن دون أن يراها.
•وتأمل: لخطورة العين؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ.))؛ [رواه أبو نعيم، وحسّنه الألباني]؛ ومعنى: ((الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ)) أي: تقتله فيدفن في القبر، ومعنى: ((وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ)) أي: إذا أصابته مات، أو أشرف على الموت فذبحه مالكه وطبخه في القدر.
فكم من مقبور قبرته العين، وكم من مال أهلكته العين، وكم من صحيح أقعدته العين، وكم من ناشط أضعفته العين.؟!
•بل أن أكثر من يموت من هذه الأُمَّة بعد قضاء الله تعالى وقَدَرَهِ بالعينِ؛ فعن جابر رضي الله عنه، أن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: ((أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِالأَنْفُسِ؛ يَعْنِي الْعَيْنَ.))؛ [رواه البزار، وحسنه الألباني.] 
•وبيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أن العينَ تُسقِطُ المرءَ من الجبال الشاهقة؛ لشدة تأثيرها؛ فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العين لتُولِعُ الرجلَ بإذن الله، حتى يصعدَ حالقًا فيتردَّى منه.))؛ [رواه أحمد، وأبو يعلى، وصححه الألباني]؛ والمعنى: أن العين تصيب الرجل، فتؤثِّر فيه، حتى إنه ليصعد مكانًا مرتفعًا، ثم يسقط من أعلاه من أثر العين؛ وهذا كله لا يخرج عن كونه قَدَرًا من الله تعالى.
•ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منها؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ من العين؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ.))؛ [رواه الحاكم، وصححه الألباني] وكانت رضي الله عنها تقول: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ.)) [متفق عليه]
•وتأمل: هذه القصة في بيان خطورة العين وشِدَّةِ تأثيرها؛ ففي مسند الإمام أحمد عَنْ‏ ‏أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ،‏ ‏أَنَّ‏ ‏أَبَاهُ‏ ‏حَدَّثَهُ‏: ‏"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ‏ ‏مَكَّةَ‏ ‏حَتَّى إِذَا كَانُوا‏ ‏بِشِعْبِ ‏الْخَزَّارِ‏ ‏مِن ‏الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ ‏سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ‏، ‏وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ‏ ‏عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ (أي ما رأيت جسدًا كهذا الجسد!)، وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ (يَعْنِي أَنَّ جِلْدَ سَهْلٍ كَجِلْدِ الْمُخَبَّأَةِ إِعْجَابًا بِحُسْنِهِ)، ‏فَلُبِطَ‏ ‏سَهْلٌ (أي صُرِعَ وسقط على الأرض)، ‏فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي‏ ‏سَهْلٍ‏، ‏وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ، قَالَ: ((هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟))، قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ‏ ‏عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، ‏فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏عَامِرًا‏ ‏فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: ((عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ)) ثُمَّ قَالَ لَهُ:‏ ((‏اغْتَسِلْ لَهُ))، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ ‏وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي ‏قَدَحٍ،‏ ‏ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ ‏الْقَدَحَ‏ ‏وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ‏ ‏سَهْلٌ ‏مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ."
•ما الذي جرىٰ؟ وما الذي حصل؟ إنها العين.! مس العين، تلكم الحقيقة التي نص عليها القرآن الكريم، والسُّنَّة النبوية الشريفة.
•وقد قصَّ اللهُ تعالى علينا في القرآن الكريم ما يدل على خطورة العين وتأثيرها؛ فقال تعالى متحدثًا عن وصية يعقوب عليه السلام لبنيه عندما أرادوا السفر إلى مصر: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}؛ قال أهل التفسير: "كان أولاد يعقوب عليه السلام رجالًا لهم هيئة وصورة وجمال؛ فخاف عليهم من إصابتهم بالعين إذا دخلوا جماعةً من طريق واحد، وهم أولاد رجل واحد، فأمرهم أن يتفرقوا في الدخول". وذكر القرطبي رحمه الله: عن ابن عباس رضي الله عنهما: "وكانت مصرَ لها أربعةُ أبوابٍ، فأمرهم أن يتفرقوا على هذه الأبواب؛ وإنما خاف عليهم العين؛ لكونهم أحد عشر رجلًا لرجل واحد، وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة."
•وفي آية أخرى ذكر الله تعالى أحوال كفار قريش الذين أظهروا العداوة والبغضاء للنبي صلى الله عليه وسلم وحاولوا إصابته بالعين؛ فقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}؛ يقول ابن كثير رحمه الله: "وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله، عز وجل".
•والعين: قد تكون أيضًا من الجن؛ فهي ليست فقط إنسية، بل أحيانًا تكون جنِّيَّة؛ بمعنى: أنه قد يصيبنا الجنُّ بالعين أحيانًا؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم: "يتعوذ من أعين الإنس والجَانِّ، حتى نزلت المعوذتان، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا."
•والعين: قد تكون بسبب الحسد وهذا أخطرها؛ ولذلك حسدَ إخوةُ يوسفَ عليه السلام أخَاهم؛ كما قصَّ الله تعالى علينا من خبرهم في سورة يوسف، وحسد قابيلُ هابيلَ؛ كما قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
•والفرق بين العين والحسد:- 
1- أن الحسد: نتيجة الحقد والبغض، وأما العين: فبسبب الإعجاب بالشيء والاستحسان.
2- العين والحسد يشتركان في نفس التأثير؛ لكن يختلفان في المصدر؛ فمصدر الحسد: تحرَّق القلب وتمني زوال النعم، ومصدر العائن: الإعجاب بالشيء.
3- الحاسد: لا يحسد نفسه؛ لكن العائن: يمكن أن يعين نفسه وماله وولده؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وقد يَعِينُ الرجلُ نفسَهُ".
4- الحسد: لا يكون إلَّا من نفس خبيثة، أما العين: فقد تقع من الرجل الصالح؛ بسبب الإعجاب بالشيء؛ كما مرَّ معنا في قصة سهل بن حنيف.
 
نسأل الله العظيم أن يحفظنا بحفظه، وأن ينجِّينا من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة.
 
الخطبةُ الثانيةُ:- الأَسبَابُ الشَّرعِيَّةُ لِلوِقَايَةِ مِنَ العَيْنِ، وَالعِلَاجُ.
أولًا: هناك أمور ينبغي التنبيه عليها:
•منها: ينبغي للمسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن النفع والضر بيد الله وحده؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
•وليعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لا ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لا يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
•وأن الحذر من العين يكون بفعل الأسباب المشروعة من الأذكار والأدعية، والتوكل على الله تعالى، وليس بالقلق والخوف؛ فإن الله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.
•وينبغي للمسلم أن يتجنب كثرة الوساوس، وعليه أن يأخذ بالأسباب؛ لأن بعض الناس جعل كل شيء يصيبه بسبب العين، فتراه إذا خَسِرَ في تجارته قال هذا بسبب العين، وإذا تعرَّضَ لأي نوع من الابتلاء؛ قال: هذا بسبب العين.!
ثانيًا: فليتق الله مَنْ يعلم مِن حاله هذه الآفة، وليحذر أن يضرَّ غيره؛ فيأثم بذلك؛ وعلاج ذلك: أن يعوِّد لسانه على ذكر اسم الله؛ فإذا رأى ما يعجبه؛ فلْيَقُلْ: (بسم الله ما شاء الله تبارك الله) أو (اللهم بارك) أو (تبارك الله)؛ كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ.)) حتى لا تكون سببًا في أذية غيرك، وذهاب صحته وعافيته وماله.
ثالثًا: ليحذر كذلك المسلم أن يغترَّ بما لديه من النِّعَم؛ ولْيَقُلْ: (مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) عندما يرى ما يعجبه مِنْ حَالِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ، فمن قالها فإنه لا يصيبه شيء بإذن الله؛ ولعلكم تذكرون قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا}، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةٍ رَحِمَهُ اللهُ: "وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِهَذَا مَنْ يَخَافُ الْعَيْنَ عَلَى شَيْءٍ."؛ وقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: "يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ."
وقال ابن القيم رحمه الله: "ومما يدفع به إصابة العين قول: (مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)؛ روى هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه، أو دخل حائطا من حيطانه، قال: (مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)
رابعًا: طرق الوقاية من مسِّ العين: (المرحلة الوقائية) أو (الدفع)
1- الاستعاذة بالله تعالى من شَرِّهَا، والاعتصام به، والالتجاء إليه؛
•فقد كان النبي صلى الله عليه وسلَّم يستعيذ بالله من شَرِّ العين للحسن والحسين رضي الله عنهما؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: ((أُعيذكما بكلماتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ.))؛ [رواه البخاري.] وفي رواية: ((وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ.))
•ومن التعوذات الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.)) [رواه مسلم]
2- التمسُّك بالأوراد المأثورة من القرآن؛ مثل هذه السور والآيات:
•قراءة المعوذتين والإخلاص صباحًا ومساءًا ثلاث مرات؛ فإنها تكفيك من كل شيء بإذن الله تعالى.
•وسورة الفاتحة؛ فهي أعظم رقية.
•وآية الكرسي صباحًا ومساءًا، وعند النوم؛ لا يزال عليك حافظًا من الله.
•وخواتيم البقرة؛ فمن قرأ بهما في ليلةٕ كفتاه من كل سوء.
3- ومنها: المحافظة على أذكار الصباح والمساء؛ فإنها تشمل أدعيةً وأذكارًا متنوعةً تَحفظُ من العين والشرور والآفات بإذن الله تعالى؛ فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ -ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ.))؛ [رواه الترمذي، وابن ماجه.]
4- المحافظة على الصلوات الخمس، خاصَّة صلاة الفجر؛ ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ صَلَّى الصُّبْحِ؛ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.))
5- التحرُّزُ من العين؛ وذلك بأمرين اثنين: باجتناب العائن وعدم مخالطته، وستر المحاسن عنه؛ ودليل ذلك ما مرَّ معنا في وصية يعقوب عليه السلام لبنيه عندما أرادوا السفر إلى مصر: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}، وذكر البغوي في شرح السنة: "أن عثمان بن عفان رضي الله عنه رأى صبيًّا مَلِيحًا حَسَنَ الوجهِ، وفيه هذه النونة تزيدُهُ جمالًا على ملاحته؛ فخاف عليه من أعين الناس؛ وقال: "دَسِّموا نونته؛ لِئلا تصيبُهُ العينُ"؛ والمعنى: "غطوها بلون بشرته؛ ويريد بذلك أن ينزع شيئًا من نظر الناس عن هذا الصبي."؛ والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير؛ فهذا من باب ستر المحاسن، لئلا يعجب به الناظر.
•وهنا رسائل تحذير مهمة:
•رسالة لمن يتفاخر ويبالغ في مدح أبنائه؛ وذلك بذكر محاسنهم، ونشر صورهم على مواقع التواصل، وربما وضعها كصورة شخصية أو على حالاته اليومية ليراها الناس بلا حاجة! (تذكر أن العين حق!) فكم من طفل تغيرت حالته النفسية، ورفض الطعام والشراب، أو أصيب بالبكاء المستمر دون سبب واضح، وغيرها من العلامات التي تدل على إصابته بالعين.! قال القرطبي رحمه الله: "ويُقالُ: إن العَينَ أسرَعُ إلى الصِّغارِ منها إلى الكبارِ واللهُ أعلمُ."
•ورسالة لمن ينشرون طعامهم في بيوتهم ورحلاتهم، وينشرون ممتلكاتهم ومتاعهم على مواقع التواصل، ويتفاخرون بما منَّ اللهُ به عليهم من النِّعَم أمام الناس! (تذكروا فإن العين حق!)
•ورسالة لمن تتزين وتتجمل من النساء وتخرج إلى حفلات الزواج، والمناسبات، دون قراءة الأذكار! (فلنتذكر أن العين حق)؛ فكم من امرأةٕ بسبب العين لازمت الفراش؟ وكم من فتاة بسبب العين تمرضت وأصبحت تحت التراب؟ وكم من حالات طلاق بسبب العين.؟
•كذلك من الأمور المهمة التي يجب التحذير منها: المخالفات الشرعية في الوقاية من العين، الأسباب الغير الشرعية في الوقاية؛ ومن ذلك:
1- تعليق التمائم لدفع العين؛ وهذا من الشرك الأكبر إذا اعتقد أنها تنفع أو تضر؛ ومن صورها: تعليق الحذاء، وحذوة الفرس، ورسم العين على السيارة، أو البيت، وكذلك الخمسة وخميسة!
2- ومنها: ربما يقع في الكذب لإخفاء النعمة عن العائن؛ فهناك فرق بين إخفاء النعمة وستر المحاسن عن العائن، وبين الكذب!
3- ومنها: تسمية المولود باسم قبيح؛ حتى لا يحسده الناس؛ وهذا من العقوق للأبناء في عدم اختيار الاسم الحسن لهم.
4- ومنها: نثر الملح في البيت خاصة في الأفراح وعند قدوم العروسة، واعتقاد أنه يطرد الشياطين.! 
•كل هذه الصور لا تنفع ولا تضر؛ فكيف يتركون القرآن والأذكار ويتعلقون بهذه الأوهام؛ يقول ابنُ عقيل رحمه الله: "لو عظَّمَ الناسُ النصوصَ الشرعيةَ كما عظَّمُوا الخرافات الجاهلية؛ لحسنت أحوالهم."'
خامسًا: العلاج لمن أُصِيبَ بالعين: (المرحلة العلاجية) أو (الرفع)
1- فإذا عَلِمَ وتيَقَّن من العائن، فإنه يطلب منه أن يستغسِلَ له، ثم يؤخذ الماء الذي اغتسل فيه، ويُصَبُّ على المحسود من خلفه، فيبرأ بإذن الله تعالى؛ كما مر معنا في قصة سهل بن حنيف، وأمرُ النبي صلى الله عليه وسلم للعائن بالاغتسال حيث قَالَ لَهُ:‏ ((‏اغْتَسِلْ لَهُ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا.))؛ [رواه مسلم]، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِين." [رواه أبو داود، وصححه الألباني]
2- فإذا لم يعَلَم العائنَ؛ فإنه يُعالِجُ نفسَهُ بالرقية الشرعية؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا رُقيةَ إلَّا من عَينٍ، أو حُمةٍ.)) [رواه الترمذي، وأبو داود]، وقد كان جبريل عليه السلام يرقي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: "بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ." [رواه مسلم]، وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفنسترقي لهم؟، قال: ((نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين.)) [رواه أحمد، وصححه الألباني]
ونختم: بذكر بعض علامات الإصابة بالعين؛ (وهي علامات يُستأنسُ بها، ولا يُجزم بها)
1- أوَّلُها: تغير لون البشرة؛ كما جاء في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سَفعة: ((بها نظرة، استرقوا لها))؛ قال بعضهم: أي بقعة سوداء، وقيل: هي لفظ جامع يدل على تغير لون الجلد.
2- كثرة التعرُّق بطريقة غير معتادة.
3- كثرة التبوُّل.
4- كثرة التجشُّؤُ والتثاؤب؛ خاصة عند الرقية.
5- قلة النوم، أو كثرة النوم؛ بمعنى: اضطراب النوم.
6- ضعف الشهية وعدم الإقبال على الطعام بسبب غير معروف.
7- رطوبة اليدين والرجلين مع تنمل فيهما.
8- خفقان القلب، أو سرعة دقات القلب.
9- ومنها: الانفعال الشديد المبالغ فيه.
10- الحزن والضيق في الصدر.
11- ألمٌ أسفل الظهر بين الكتفين.
والقاعدة: [قد توجد بعض هذه العلامات، أو كلها بحسب قوة العائن وضعف المعيون.]
•فالعين حق، أيها الناس؛ فاستعيذوا بالله منها، وعوُّذوا أبنائكم وأهليكم وأرحامكم.
 
نسأل الله العظيم أن يحفظنا بحفظه، وأن ينجِّينا من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة.
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام
https://t.me/khotp
 
المشاهدات 463 | التعليقات 0