عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾وَقَالَﷺ«عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ،تَعْدِلُ حَجَّةً» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فَمِنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ في شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَك،لابُدَّ له أن يُحرم مِنْ الميقات، أو محاذاته بالطائرة أو السفينة،ولا يجوز تجاوز الْمِيقَاتِ مِنْ غير إِحرام لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةِ،فَمِنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ في شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَك،لابُدَّ له أن يُحرم مِنْ الْمِيقَاتِ، أَوْ محاذاته بِالطَّائِرَةِ أَوْ السَّفِينَةِ ، وَلَا يَجُوزُ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةِ،فَمِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةِ فِإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلُ جُدَّةَ أَحرمَ مِنْ بَيْتِهِ وليس ذلك لِمَنْ أَقَامَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَهَا،فَجُدَّةَ لَيْسَتْ بميقات وَ اعْلَمُوا أَنْ كُلِّ مِنْ كَانَ فِي جُدَّةَ وَأَنْشَأَ نية الْعُمْرَةِ فيها فإنه يُحْرِمَ مِنْ بَيْتِهِ،فَمِنْ كَانَ دُونَ المواقيت أَحرمَ مِنْ بَيْتِهِ،مثل بحرة وأم السلم، وَمِنْ مر بأي ميقات أو حاذاه يُحْرِمَ منه لِقَوْلِهِﷺ«فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرٍ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُريدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فإذا وَصَلَ إلى المِيقَاتِ،يُسَنُّ لَهُ الاغْتِسَالُ والتَطَيُّبُ، ثُمَّ يَلْبَسُ الرَّجُلُ إِزَاراً ورِدَاءً، والمَرْأَةُ تَلْبَسُ ما شَاءَتْ مِنَ الثِّيَابِ غَيْرَ مُتَبَرِّجَةٍ بِزِينَةٍ،وعَلَيْهَا أَنْ تَجْتَنِبَ النِّقَابَ والقُفَّازَيْنِ والبُرْقُعَ،قَالَﷺ«وَلاَ تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ،وَلاَ تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ»رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.ولَكِنْ تُغَطِّي قَدَمَيْهَا بِالشُّرَّابِ ويَدَيْهَا بِالعَبَاءَةِ،ثُمَّ يُصَلِّي إِنْ كَانَ وَقْتُ فَرِيضَةٍ أَوْ صَلَاةِ ضُحَى ثُمَّ ينوي بِقَلْبِهِ العمرة ويقول لَبَّيْكَ عُمْرَةً «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ،لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ،إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ،لَا شَرِيكَ لَكَ» ثَمَّ إذا وصل إِلَى الكَعْبِةِ المُشَرَّفَةِ طاف بالبيت سبعة أشواط،تبتدئ مِنْ الحَجَرَ الأَسْوَدَ وتنتهي إليه، وَيُسَنُّ لَهُ في بِدَايَةِ الطَّوَافِ أَنْ يَسْتَلِمَ الحَجَرَ الأَسْوَدَ وَيُقَبِّلَهُ،فِإِنْ كَانَ هُنَاكَ زِحَامٌ فَلَا يَشُقَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَيشَيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ بِدَايَةِ كُلِّ شَوْطٍ وَيقَولُ:اللهُ أَكْبَرُ،ثَمَّ يَطُوفُ جَاعِلاً الكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ،وَ يُسَنُّ لِلرَّجُلِ الرَّمَلُ وَالاضْطِبَاعُ،فَأَمَّا الرَّمَلُ:فَهُوَ إِسْرَاعُ المَشْيِ مَعَ مُقَارَبَةِ الخُطَا ويَكُونُ فِي الأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الأُولَى فَقَطْ،وأَمَّا الاضْطِبَاعُ:فَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ إِبْطِهِ الأَيْمَنِ وطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ،وَيَبْقَى عَاتِقُهُ الأَيْمَنُ مَكْشُوفاً،وَيُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-وَدُعَائِهِ واسْتِغْفَارِهِ،وَكُلَّمَا حَاذَى الرُّكْنَ اليَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُ:أَيْ مَسَحَهُ بِيَدِهِ،فِإنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ الاسْتِلَامُ فَإِنَّه لا يُشِيرُ إِلَيْهِ ويُوَاصِلُ طَوَافَهُ،وَيَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ:﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾وَيُكَرِّرُهَا حتَّى يَصِلَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ، فَيَفْعَلُ عِنْدَهُ مَا فَعَلَهُ في المَرِّةِ الأُولَى، حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ،ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَقَامِ إبرَاهِيمَ ويُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خلف مقام إبرَاهِيمَ قريباً منه إن تيسر أو بعيداً وَيَقْرَأُ:﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً﴾يَقْرَأَ في الأُولَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾وفي الرَكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الفَاتِحَةِ:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ثم يرجع إلى الحجر الأسود لاستلامه إن تيسر له، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى السَّعْيَ،فِإِذَا دَنَا مِنَ اَلصَّفَا قَرَأَ:﴿إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾«أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ»وَقَالَﷺ«اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فَبَدَأَ بِالصَّفَا،فَرَقِيَ عَلَيْهِ،حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ،فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ،وَقَالَ«لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ،أَنْجَزَ وَعْدَهُ،وَنَصَرَ عَبْدَهُ،وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ،قَالَ:مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،ثُمَّ يَنَزَلَ مِنْ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ ماشِياً،فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع ولا يؤذي أحدا،فإذا بلغ نهاية العلم الأَخْضَرِ مشى كعادته حتى يصل إِلَى الْمَرْوَةِ فيرقى عليها، ويقول ما قاله على الصَّفَا،حتى يكمل سبعة أشواط،ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:فإذا أنتهى من السَّعْيَ على الْمَرْوَةِ حلق رأسه أو قصره إن كان رجلاً ،ويجب أن يكون الحلق شاملاً لجميع الرأس،والحلق أفضل؛قَالَ تَعَالَى:﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾.وَقَالَﷺ:«اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقينَ قَالُوا:وَالْمُقَصِّرِينَ،يَارَسُولَ اللهِ قَالَ:اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا:وَالْمُقَصِّرِينَ،يَارَسُولَ اللهِ قَالَ:وَالْمُقَصِّرِينَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وأما النساء فالواجب في حقهن التقصير ،فتأخذ قدر أنملة من كل خصلة أو ضفيرة،وهي رأس الإصبع من المفصل الأعلى قَالَﷺ«لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ،إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الأَلبَانيُّ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ. عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد،وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَاحْفَظْ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا،اللّهمّ وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ
الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَالَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،واصرِفْ عَنه بِطانةَ السُّوءِ يَا رَبَّ العَالمينَ،وَاللّهمّ وَفِّقْ جَميعَ ولاةِ أَمرِ الْمُسْلِمِينَ لما تُحبهُ وَتَرضَاهُ لمَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ
يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1741273784_عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق