فضل العلم والتعلم
عبدالرحمن سليمان المصري
فضل العلم والتعلم
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى: ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾
عباد الله : إن للعلم مكانة عالية ، ومنزلة سامية ، فهو أعز مطلوب وأشرف مرغوب ، رفع الله أهله وأعلى شأنهم ، قال تعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ المجادلة:11 ، وأقسم الله بالقلم وقال:﴿ ن والقلم وما
يسطرون ﴾ ، إعلاء لشأنه فهو طريق العلم والتعلم ، ولم يأمر الله تعالى نبيه ﷺ بالاستزادة من شيء إلا من العلم ، قال تعالى: ﴿ وقل رب زدني علما ﴾ طه:114 .
عباد الله : والعلم الشرعي هو أعظم العلوم ، إذ شرف العلم بشرف المعلوم ، وهو العلم بكتاب الله عز وجل , وسنة نبيه ﷺ , قال عليه الصلاة والسلام: " من سلك طريقا يطلب فيه علما ؛ سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع
أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا
العلم، فمن أخذ به ، أخذ بحظ وافر " رواه أحمد بسند حسن.
عباد الله: والتفقه في الدين دليل على محبة الله للعبد ، قال ﷺ :" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " رواه البخاري. وقد أثنى الله على العلماء ، بقوله: ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ فاطر:28 ، وأشاد بقدرهم ، بقوله:﴿ قل هل
يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ﴾ الزمر:9 .
وقرن الله شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة ، على أشرف مشهود وهو التوحيد ، قال تعالى: ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾ آل عمران:18 .
عباد الله: وطلب العلم قربة لله تعالى ، وهو من أفضل الطاعات ، فطلبه عبادة وتسبيح وجهاد ، وبذله قربة وصدقة ، ومدارسته تعدل الصيام والقيام ، و ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم:
قال أبو ذر و أبوهريرة رضي الله عنهم ا : باب من العلم نتعلمه ، أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا .ا.هـ.
وقال ابن عمر رضي الله رضي الله عنهم ا : مجلس فقه ؛ خير من عبادة ستين سنة .ا.هـ.
وقال النعمان بن بشير رضي الله عنهم ا : يوزن مداد العلماء بدم الشهداء ، فيرجح مداد العلماء .ا.هـ.
وما ذاك إلا لأن نفع العلم متعد للآخرين ، والعلم هو الكاشف عن العبادات الصحيحة والفاسدة ، وهو مما يبقى أثره بعد موت صاحبه ، وفيه إحياء للشريعة وحفظ للملة .
عباد الله: والعلوم الدنيوية التي يكون للمسلمين فيها نفع في حياتهم ومعاشهم ، مما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة ، هو من القرب والأجور الباقية لصاحبها بعد موته ، قال ﷺ: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو
علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم.
والحديث عام ، فيشمل كل علم ينتفع به سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة ، متى وجدت النية الصالحة ؛ بأن ينوي رفع الجهل عن نفسه ونفع أمته .
عباد الله : وعلى طالب العلم أن يتحلى بالصبر ، وأن يلزم الجد ويصحح القصد ، ويحرص على الانضباط وحسن استثمار الوقت "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز"، وعلى طالب العلم اللجوء إلى الله تعالى ، وسؤاله التوفيق
والسداد ، ﴿وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما﴾ النساء: 113.
عباد الله : إن احترام المعلم وتقديره أدب شرعي، وخلق نبوي ، وقد قص الله علينا حوار بين متعلم وعالم ، قال موسى للخضر عليهما السلام، ﴿هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا﴾ ، فرد عليه المعلم﴿ إنك لن تستطيع معي صبرا *
وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا﴾، فبين له موسى صلى الله عليه وسلم بأن حقوق المعلم مصونة ، وتقديره مكفول ومحفوظ ،﴿قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ﴾ وفي هذا عبرة وعظة لأولي الألباب .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله : بالعلم ارتقت أمم ، وسادت قيم ، وبنيت أمجاد وصناعات ، وشيدت ممالك وحضارات ، وإن دور التعليم في كافة مستوياتها؛ هي محاضن الجيل، تحتضن في جنباتها: ثروة المجتمع وعدته؛ رجال الغد وجيل المستقبل .
وينبغي أن تستشعر الأسرة الأمانة الملقاة على عاتقها ، فالبيت هو اللبنة الأولى ، وعليها يقع التوجيه إلى الجد والاجتهاد ، والتشجيع على التفوق والنجاح ، وفروا لهم الظروف المناسبة ، والأدوات اللازمة ، وساعدوا المدرسة فيما فيه
صلاح أبنائكم ، " «كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته" رواه البخاري.
أيها المعلمون والمربون: أنتم مؤتمنون على تربية الجيل، وإعداد القادة، وحماية الأخلاق، وصيانة المروءات ، لكم أجورهم وأجور الصالحات من أعمالهم ، قال ﷺ: " من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص
ذلك من أجورهم شيئا " رواه مسلم .
أنتم القدوة لطلابكم ، فكونوا قدوة صالحة لهم ، وتحلوا معهم بالأخلاق الجميلة ، وعاملوهم بالرفق واللين ، وازرعوا فيهم حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام ، وحب ولاة أمركم وعلمائكم ، وعموم المسلمين ، وأغرسوا
فيهم القيم الرفيعة، والمبادئ والأخلاق الحميدة ، والتقاليد النبيلة ، واحتسبوا الأجر عند الله تعالى في تعليمهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " «الدين النصيحة» قلنا: لمن ، قال: «لله ولكتابه ، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم .
اللهم إنا نسألك علما نافعا ، ورزقا طيبا ، وعملا متقبلا ، اللهم وفق أبنائنا وبناتنا لما فيه الخير والفلاح في الدنيا والآخرة .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1755631136_فضل العلم والتعلم خطبة 2.docx
1755631136_فضل العلم والتعلم خطبة 2.pdf
عبدالرحمن سليمان المصري
عضو نشط.
تعديل التعليق