فضل صيام يوم عاشوراء 1447هـ

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/01/08 - 2025/07/03 14:44PM

فضل صيام يوم عاشوراء 1447هـ

الخطبة الأولى

الحمد لله العلي الكبير ، المتفرد بالخلق والتدبير ، أعز أولياءه وأذل أعداءه ، فنعم المولى ونعم النصير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى: ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾

عباد الله : إن من القصص العجيب ، الذي أعاده الله وكرره في القرآن ؛ قصة موسى عليه السلام مع فرعون ، لـمـا اشتملت عليه من المواعظ البليغة ، والآيات العظيمة ،  ليعتبر بها أهل الإيمان ، وينزجر بها أهل الطغيان .

وكان فرعون قد طغى وبغى وتجبر في الأرض ، حتى ادعى الربوبية والألوهية ، وكان يستضعف بني إسرائيل ، وكانوا خيار أهل زمانهم ، وجعلهم أقساما وأصنافا ، يستعمل كل صنف فيما يريد من أمور خدمته ، ويكدهم ليلا ونهارا ، ويذبّح مع هذا أبناءهم ، ويبقي النساء للخدمة في قصور الفراعنة ، إهانة لهم واحتقارا ، وخوفا من أن يوجد منهم الغلام ، الذي يكون هلاك فرعون وذهاب ملكه على يديه ، والحذر لا ينفع من القدر، ﴿إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين﴾ القصص: 4.

عباد الله : إن الذي خاف منه فرعون، وقتل أبناء بني إسرائيل لأجله، قدر الله جل وعلا أن ينشأ في بيته، ويترعرع تحت يده وكفالته ، ولما أراد الله جل وعلا كشف الكربة عن بني إسرائيل ، أجرى الله سبحانه من الأسباب العظيمة ، ما لم يشعر به فرعون ولا قومه ، ليعلم هو وسائر الخلق ؛ أن الله هو الفعال لما يريد ، ﴿ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين*  ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾القصص:5-6.

فيولد موسى عليه السلام ، والخطر محدق به ، وتحتار أمه ، ويوحي إليها ربها عز وجل: ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم ﴾ طه:36 .

ويستقر التابوت أمام قصر فرعون ،  ويلقي الله محبة موسى عليه السلام  في قلب امرأة فرعون ، وأحاط الله موسى بعنايته ، ويتحقق وعد الله لأم موسى برجوعه إليها ، وتأخذ على إرضاعه أجرا من فرعون .

 

عباد الله : ولما أوحى الله إلى نبيه موسى عليه السلام  ، وأرسله إلى فرعون بالآيات البينات ، دعاه إلى التوحيد والإيمان بالله العظيم ، فكذبه فرعون وملئه ، ثم جاءتهم الآيات والإنذارات تترى ، فأصروا على طغيانهم وباطلهم ،﴿فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ﴾الأعراف:133 . 

وأوحى الله إلى موسى عليه السلام ، أن يخرج ببني إسرائيل ليلا ، فخرج فرعون في إثرهم يريد إبادتهم عن آخرهم ، فانتهى بهم الطريق بأن صار البحر أمامهم ، وأغلقت الجبال الشاهقة عليهم يمينا وشمالا كالجدران  ، وفرعون من خلفهم قد عاينوه في حدهم وحديدهم ، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، ﴿ فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون (61) قال كلا إن معي ربي سيهدين ﴾ الشعراء .

فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر، ﴿ فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾الشعراء:63 ، وصار البحر اثني عشر طريقا ، لكل سبط طريق ، وصار الماء السيال بين هذه الطرق ، كأطواد الجبال ، ﴿ فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ﴾طه:77 .

عباد الله : وقد أُمر موسى عليه السلام أن يجاوزه ببني إسرائيل ، فلما تكامل موسى عليه السلام  وقومه خارجين ، وتكامل فرعون وجنوده داخلين ، أمر الله البحر أن يعود إلى حالته ، فانطبق عليهم ، وجعلت الأمواج ترفع فرعون تارة وتخفضه أخرى، وبنو إسرائيل ينظرون إليه وإلى جنوده ، ماذا أحل الله بهم من البأس العظيم ، ليكون أقر لأعينهم وأشفى لنفوسهم ، فلما عاين فرعون الهلكة وباشر سكرات الموت ؛ ﴿ قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (90)  آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين (91) فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون (92) ﴾يونس .

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.         

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،       أما بعد :

عباد الله : ولقد حصل هذا الحدث العظيم والنصر المبين ،  في اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، وهو يوم عاشوراء، فهو يوم له فضيلة عظيمة ، وحرمة قديمة ، ونبينا ﷺ كان يصوم هذا اليوم قبل الهجرة ،  ولما قدم المدينة مهاجرا ؛ وجد اليهود يصومونه فلما سئلوا عنه ، قالوا هذا يوم عظيم ؛ نجى الله فيه موسى وقومه ، وأهلك الله فيه فرعون وقومه ، فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه ، فقال النبي ﷺ :" نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه " رواه مسلم .

ثم عزم على مخالفتهم في آخر حياته ، فقال : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " رواه مسلم .

عباد الله : إن يوم عاشوراء يدرك فيه المؤمن فضلا عظيما ، وأجرا كبيرا بعمل يسير سهل , فحط ذنوب عام كامل مكسب كبير , وفوز عظيم , قال ﷺ : " ‌صيام ‌يوم ‌عاشوراء ، ‌أحتسب ‌على الله ‌أن ‌يكفر ‌السنة التي ‌قبله " رواه مسلم . 

واعلموا أن صيام يوم عاشوراء لا يكفر إلا صغائر الذنوب ، أما الكبائر ، فلا بد فيها من التوبة ، قال ﷺ : "الصلوات ‌الخمس، ‌والجمعة ‌إلى ‌الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر "رواه مسلم .

عباد الله : وشهر محرم مرغب في صيامه ، قال ﷺ : " أفضل الصيام بعد شهر رمضان ، شهر الله المحرم  " رواه مسلم .

فاجتهدوا رحمكم الله في طاعة ربكم ، وتقربوا إليه بما شرعه لكم ، واستغلوا مواسم القربات ، تحوزوا الأجر والثواب والبركات ، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .      

المرفقات

1751543046_فضل صيام يوم عاشوراء خطبة2.docx

1751543047_فضل صيام يوم عاشوراء خطبة2.pdf

المشاهدات 1121 | التعليقات 0