فضل يوم الجمعة وبعض أحكامها
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الهويمل
فضل يوم الجمعة وبعض أحكامها
الخطبة الأولى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، أما بعد :-
فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ ، فَإنَّ تَقوَاهُ عِصْمَةٌ مِن الضَّلالَةِ ، وَسَلامَةٌ مِن الغِوَايَةِ ، وَسَبِيلٌ لِلسَّعَادَةِ ، وَنَجَاةٌ يَومَ القِيَامَةِ .
عبادَ الله : اعلموا أن اللهَ سبحانه وتعالى قد اصطفى هذه الأمةَ الإسلاميةَ على سائرِ الأممِ ، وخصَّها بخصائِصَ كثيرةٍ ، وفضائلَ عديدةٍ ، فبعثَ فيها خاتمَ رسلِهِ وأنزلَ إليها أعظمَ كتبِه ، ودلها على أحسنِ شرائعه ، حتى غدت خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس ، ومما خصَّ الله تعالى به هذه الأمة وميزها به ، هذا اليومَ العظيمَ يومَ الجمعة ، الذي هو خير أيام الأسبوع ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ ، فيه خُلِقَ آدَمُ ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها ، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ } رواه مسلم . وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أضَلَّ اللَّهُ عَنِ الجُمُعَةِ مَن كانَ قَبْلَنا ، فَكانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وكانَ لِلنَّصارَى يَوْمُ الأحَدِ ، فَجاءَ اللَّهُ بنا فَهَدانا اللَّهُ لِيَومِ الجُمُعَةِ ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ والسَّبْتَ والأحَدَ ، وكَذلكَ هُمْ تَبَعٌ لنا يَومَ القِيامَةِ ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِن أهْلِ الدُّنْيا ، والأوَّلُونَ يَومَ القِيامَةِ ، المَقْضِيُّ لهمْ قَبْلَ الخَلائِقِ . وفي رِوايَةٍ : المَقْضِيُّ بيْنَهُمْ . [ وفي رواية ] : هُدِينا إلى الجُمُعَةِ ، وأَضَلَّ اللَّهُ عَنْها مَن كانَ قَبْلَنا } رواه مسلم . وهو يوم تكفير السيئات فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ ، وتَطَهَّرَ بما اسْتَطَاعَ مِن طُهْرٍ ، ثُمَّ ادَّهَنَ أوْ مَسَّ مِن طِيبٍ ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بيْنَ اثْنَيْنِ ، فَصَلَّى ما كُتِبَ له ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ الإمَامُ أنْصَتَ ، غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى ) رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ ) رواه مسلم . ومن أحكام يوم الجمعة : الاغتسال والسواك والطيب فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الغُسْلُ يَومَ الجُمُعَةِ واجِبٌ علَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ، وأَنْ يَسْتَنَّ ، وأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إنْ وجَدَ ) أخرجه البخاري ومسلم ومن أحكام يوم الجمعة : التبكير إلى المسجد : فعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من غسَّلَ يومَ الجمعةِ واغتسلَ ثمَّ بَكَّرَ وابتَكرَ ومشى ولم يرْكب ودنا منَ الإمامِ فاستمعَ ولم يلغُ كانَ لَهُ بِكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها ) صحيح أبي داود وصححه الألباني . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان يومُ الجمعةِ كان على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ ملائكةٌ يكتبون الناسَ على قدرِ منازلِهم ؛ الأولُ فالأولُ ، فإذا جلس الإمامُ طووا الصحفَ ، وجاؤوا يستمعون الذكرَ ، ومَثَلُ المهجِّرُ - أي المُبَكّر - كمَثَلِ الذي يُهدي بدنةً ، ثم كالذي يُهدي بقرةً ، ثم كالذي يُهدي الكبشَ ، ثم كالذي يُهدي الدجاجةَ ، ثم كالذي يُهدي البيضةَ ) أخرجه البخاري ومسلم . وينبغي لمن أتى مبكرًا أن يشتغل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن . ومن الأحكام : وجوب الإنصات للخطبة والاهتمام بما يقال فيها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال لصاحبِه يومَ الجمعةِ و الإمامُ يخطبُ : أَنْصِتْ ، فقد لغا ) . فالكلامُ أثناءَ الخطبةِ حرامٌ لا يجوزُ حتى ولو كان أمراً بالمعروفِ أو نهياً عن المنكر ، إلا أن يكلِّمَ الإمامَ نفسَه فالواجبُ الإنصاتُ وتركُ التشاغلِ عن الخطبةِ . ومن الأحكام : كثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم : فعن أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنَّ مِن أَفْضلِ أيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعةِ ، فَأَكْثِرُوا عليَّ مِنَ الصلاةِ فِيهِ ، فإنَّ صَلاتَكُمْ معْرُوضَةٌ علَيَّ ... الحديث ) رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ صحيحِ . ومما يُجتنب يوم الجمعة تخطي رقاب الجالسين والتفرقة بينهم ، فعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال : جاءَ رجلٌ يتخطَّى رقابَ النَّاسِ يومَ الجمعةِ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ فقالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( اجلس فقد آذيتَ ) رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ صحيحِ . وفي رواية بإسناد صحيح : ( فقد آذيت وآنيت ) ومعنى آنيت أي تأخرت . ويستحب لمن دخل المسجد والمؤذن يؤذن أو الإمام يخطب أن يصلي ركعتين خفيفتين قبل أن يجلس ، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : ( إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ) أخرجه الشيخان . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد :-
فمِمَّا يستحب أيضا في هذا اليوم قراءة سورة الكهف : فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ ) أخرجه البيهقي وصححه الألباني .
ومن أدرك ركعة من صلاة الجمعة مع الإمام فليضف إليها ركعة أخرى ، ومن أدرك أقل من ركعة فليصل بدلها الظهر أربع ركعات.
عباد الله : إن التساهل في ترك الجمعة مِمَّن تجب عليه من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب ، وقد ورَدَ التحذيرُ الشديدُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حقِّ من تهاونَ بها أو تركَها ، فعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول : ( لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ عن ودْعِهِمُ الجُمُعاتِ ، أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ علَى قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ لَيَكونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ ) صحيح مسلم . فصلاة الجمعة من آكد الفروض ، وقد أمر الله بالسعي إليها وترك الانشغال عنها بشيء من أمور الدنيا ، قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . والجمعة ليس لها راتبة قبلها ، بل يصلي ما يَسَّر الله ، يصلي ركعتين ، أو أربع ركعات ، أو ست ركعات ، أو أكثر ، يصلي ما قُدِّر له إذا وصل المسجد ويسلم بعد كل ركعتين ، أما بعد صلاة الجمعة فيشرع للمؤمن أن يصلي بعدها أربع ركعات نافلة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الجُمُعَةِ فَصَلُّوا أرْبَعًا ) أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كانَ مُصلِّيًا بعدَ الجمعةِ فليصلِّ أربعًا ) أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال ابن باز رحمه الله : فالسنة أن يصلي بعدها أربعا - بتسليمتين - سواء في المسجد ، أو في البيت ، هذا هو الأفضل .
ومن المؤسفِ والمحزنِ أنك تدخلُ المسجدَ قبل مجيئِ الإمامِ بوقتٍ قليلٍ ، ولا ترى إلا عدداً يسيراً من المصلِّين ، حتى إذا قاربَ الإمام أنْ يفرُغَ من خطبتِه ، أو فرغَ منها اكتظَّت المساجدُ ، وغصَّت بالمصلين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومن خصائص يوم الجمعة ، أنَّ فيه ساعةً لا يوافقُها عبدٌ مسلمٌ يدعو الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة ، إلا أجابَ اللهُ دعاءَه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ في الجُمُعَةِ لَساعَةً ، لا يُوافِقُها مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فيها خَيْرًا ، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ ) صحيح مسلم . وأرجحُ الأقوال في تحديدِ وقتِ هذه الساعِة أنها ما بين صلاةِ العصرِ إلى غروبِ الشمسِ ، فينبغي للمسلم ألاَّ يُفرّط في هذا الوقت ، وأن يرفع حاجاته لله ، فارفع يديك واسأل ربك ولو كثرت الذنوب فالله حيي كريم . فَاللهُمَّ أعنَّا جَمِيعَاً على ذِكركَ وشَكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ .
هذا وصلوا وسلموا عباد الله على محمد بن عبد الله امتثالاً لأمر الله : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) اللّهم صَل وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نبينا مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ ، وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين . اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين ، وأذلّ الشرك والمشركين ، ودمّر أعداء الدين ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفِّقْ إمامَنا ووليَّ عَهدِه لما تحبُّ وترضى وخُذ بنواصيهم للبِرِّ والتقوى ، اللهم ارزقْهمُ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُّهم على الخيرِ وتُعينهم عليه ، اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين واجعلهم رحمة لرعاياهم ، اللهم احفظ جنودنا عامة والمرابطين منهم خاصة يارب العالمين ، اللهم اغْفرْ لنا ولوالدينا ولجميع المسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ برحمتك يا أرحم الراحمين ( ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ ) وأقم الصلاة .
( خطبة الجمعة 8/8/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل للتواصل جوال و واتساب / 0504750883 ) .
المرفقات
1738692539_فضل يوم الجمعة وبعض أحكامها.docx