قِصَّةُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَامُ 6 رَجَب 1447هـ
محمد بن مبارك الشرافي
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِاسْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مَرَّةً, وَجَاءَتْ أَخْبَارُهُ مِرَارًا فِي الْقُرْآنِ وَتِكْرَارًا، وَجَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَأَمَرَ اللهُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ وَالاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ سِيرَتِهِ وَحُسْنِ هَدْيِهِ، وَلِذَلِكَ اصْطَفَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَيَّرَهُ خَلِيلًا يُحِبُّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْمَحَبَّةِ وَهِيَ الْخُلُّةُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ فِي مُجْتَمَعٍ مُشْرِكٍ كَافِرٍ، كَانَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعَبْدُونُ الْأَصْنَامَ وَالْكَوَاكِبَ وَالنُّجُومَ وَالْقَمَرَ وَالشَّمْسَ، وَكَانَ وَالِدُه آزَرُ يَصْنَعُ التَّمَاثِيلَ وَيَعْبُدُهَا، وَقَدْ دَعَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ مُنْذُ صِغَرِهِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهَ وَتَرْكِ هَذِهِ الْمَعْبُودَاتِ التِي لا تَنْفَعُ وَلا تَضُرُّ، وَحَاجَجَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَنَوَّعَ لَهُمُ الْمَوَاقِفَ، فَأَصَرُّوا عَلَى ضَلالِهِمْ وَبَقُوا عَلَى كُفْرِهِمْ، بَلْ عَاقَبَوه بِمَا أَنْجَاهُ اللهُ مِنْهُ.
أَيُّهَا الْمُوَحِّدُونَ: لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَجْرَامَ السَّمَاوِيَّةَ أَرَادَ إِثْبَاتَ بُطْلَانِ عِبَادَتِهَا لِأَنَّهَا تَغِيبُ وَلا تَبْقَى، فَأَرَاهُمُ الْكَوْكَبَ ثُمَّ الْقَمَرَ ثُمَّ الشَّمْسَ ثُمَّ تَبَرَّأَ مِنْهَا جَمِيعًا لعَلَّ ذَلِكَ يُغْرِيهِمْ وَيُجْدِي فِيهِمْ، وَلَكْنَ هَيْهَاتَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}، فَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي اللهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَبْحَثْ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مُنَاظَرَتَهُمْ وَإِبْطَالَ عِبَادَةِ الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْنَامِهِمْ وَكَسَّرَهَا لِيُبِيِّنَ بُطْلَانَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الْأَرْضِيَّةِ، فَآلِهَةٌ تَغِيبُ كَيْفَ تَقُومُ عَلَى عَابِدِيهَا، وَرَبٌّ لا يَحْمِي نَفْسَهَ مِنَ التَّكْسِيرِ كَيْفَ يَحْمِي غَيْرَهُ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالْحَقُّ أَنَّ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُنَاظِرًا لِقَوْمِهِ، مُبَيِّنًا لَهُمْ بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ وَالْأَصْنَامِ، فَبَيَّنَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ خَطَأَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الْأَرْضِيَّةِ، ثم بَيَّنَ خَطَأَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ، وَهِيَ الْكَوَاكِبُ السَّيَّارَةُ، وَأَشُدُّهُنَّ إِضَاءَةً وَأَشْرَقُهُنَّ عِنْدَهُمُ الشَّمْسُ ثُمَّ الْقَمَرُ ثُمَّ الزُّهَرَةُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَعَالوا نَسْمَعْ مُنَاظَرَةَ هَذَا الْفَتَى لِقَوْمِهِ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَكَيْفَ أَثْبَتَ خَطَأَهُمْ، لَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ، قَالَ الله تَعَالَى فِي ذِكْرِ قِصَّةِ مُحَاجَّتِهِ لَهُمْ {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالَوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}،أَيْ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ لَفْتَ نَظَرِ قَوْمِهِ لِخَطَأٍ مَا يَعْمَلُونَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ التَّمَاثِيلِ، وَهِيَ صُوَرُ مَخْلُوقَاتٍ يَعْبُدُونَهَا وَكَانُوا يُقِيمُونَ حَوْلَهَا؟ فَمَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ وَجَدُوا الآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ، وَلَم يَنْطِقُوا بِحُجَّةٍ أَوْ بُرْهَانٍ يَجْعَلُ لَهُمُ الْحَقَّ فِي عِبَادَتِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ التَّقْلِيدُ الْأَعْمَى، فَحِينَهَا {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، أَيْ: أَنَّكُمْ أَنْتُمْ وَمَنْ سَبَقَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مُخْطِئُونَ خَطَأً وَاضِحًا فِي ذَلِكَ، فَاسْتَغْرَبُوا وَتَفَاجَأُوا أَنَّ وَاحِدًا مِنْ صِغَارِهِمْ يَقُولُ ذَلِكَ، فَقَالَوا: هَلْ أَنْتَ جَادٌّ فِيمَا تَقُولُ أَمْ تَمْزَحُ مَعْنَا، فَقَالَ: بَلْ أَنَا صَادِقٌ، لِأَنَّ الذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ هُوَ الذِي خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ، وَهُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ، فَلَمْ تَخْلُقْ شَيْئًا أَبَدًا، ثُمَّ لَمَا رَآهُمْ لَمْ يَقْتَنِعُوا حَلَفَ لَهُمْ لِيُثْبِتَ عَجْزَ تِلْكَ الآلِهَةِ الْمَزْعُومَةِ، فَقَالَ {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَظَرَ يَوْمَ عِيدٍ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهِ عَنْ الْمَدِينَةِ وَقَبْلَ خُرُوجِهِمْ يَضَعُونَ الطَّعَامَ عِنْدَ الْأَصْنَامِ لِتُضْفِيَ الْبَرَكَةَ – بِزَعْمِهِمْ- عَلَى الطَّعَامِ، فَتَحَيَّنَ بَقَاءَ التَّمَاثِيلِ لا أَحَدَ عِنْدَهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَمَعَهُ فَأَسٌ ثُمَّ قَالَ مُبَكِّتًا لِهَذِهِ الْأَحْجَارِ وَالْأَخْشَابِ {فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِين} {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}، أَيْ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَّرَهَا جَمِيعًا إِلَّا الصَّنَمَ الْأَكْبَرَ تَرَكَهُ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ الْفَأْسَ، فَلَمَّا رَجَعُوا وَبَادَرُوا بِالْمُرُورِ عَلَى الْأَوْثَانِ تَفَاجَأُوا بِأَنَّهَا مُحَطَّمَةً مُكَسَّرَةً، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ، وَ{قَالَوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالَوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم * قَالَوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ}أَيْ: أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ يَكْرَهُهَا وَيَذْكُرُهَا بِسُوءٍ فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ هُوَ الذِي فَعَلَ ذَلِكَ، فَأَحْضِرُوهُ أَمَامَ النَّاسِ لِنُحَقِّقَ مَعَهُ وَلِيَشْهَدُوا جُرْمَهُ، فَلَمَّا جَاءَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ وَحِيدًا، لا أَحَدَ يَنْصُرُهُ، {قَالَوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيم * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}،أَيْ: لَمْ أَفْعَلْهْ، بَلِ انْظُرُوا الْفَأْسَ عِنْدَ الْفَاعِلِ، الصَّنَمِ الْكَبِيرِ، وَلِتَتَأَكَدُوا اسْأَلُوهُمْ مِنْ فَعَلَ ذَلِكِ، مَا دُمْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهَا آلِهَةٌ، فَالْإِلَهُ سَوْفَ يَنْطِقُ وُيُخْبِرُكُمْ.
فَحِينَهَا رَجَعُوا لِعُقُولِهِمْ وَتَعَجَّبُوا مِنْ فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ غَلَبَهُمُ الشَّيْطَانُ، وَصَدُّوا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالَوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ}، فَحِينَهَا اسْتَغَلَّ إِبْرَاهِيمُ الْمَوْقِفَ وَ{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}أَيْ: كَيْفَ تَعْبُدُونَ أَحْجَارًا وَأَخْشَابًا لا تَنْطِقُ وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهَا الضَّرَرَ، وَلَنْ تَنْفَعَكُمْ إِنْ عَبْدْتُمُوهَا، وَلَنْ تَضُرَّكُمْ إِنْ تَرْكْتُمْ عِبَادَتَهَا، أَفَلَيْسَ لَكُمْ عُقُولُ رُشْدٍ تَدُلُّكُمْ عَلَى الصَّوَابِ؟
فَهَكَذَا أَفْحَمَهُمْ وَأَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَنُكْمِلُ بَقِيَّةَ الْقِصَّةَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عِبَرٌ وَحِكَمٌ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَأَمَّلَهَا وَنَنْتَفِعَ بِهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثُمَّ إِنَّ قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ غَضِبُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا عُقُوبَتَهُ فَ{قَالَوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}، فَجَمَعُوا لَهُ حَطَبًا كَثِيرًا فِي حُفْرَةٍ كَبِيرَةٍ، حَتَّى قِيلَ: ظَلُّوا يَجْمَعُونَ الْحَطَبَ أَرْبِعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ أَوْقَدُوا نَارًا عَظِيمَةً، فَقَذَفُوهُ فِيهَا، فَقَالَ حِينَهَا: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، أَيْ: اللهُ رَبِّي هُوَ مَنْ يَكْفِينِي، فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}أَيْ: جَاءَ الْأَمْرُ الرَّبَّانِيُّ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ, لِتَتَحَوَّلَ النَّارُ إِلَى مَكَانٍ بَارِدٍ وَسَلَامٍ لَمْ يُصِبْ إِبْرَاهِيمَ فِيهِ سُوءٌ، فَبَقِيَ فِي النَّارِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ لا يَتَأَثَّرُ بِشَيْءٍ، حَتَّى خَمَدَتْ وَخَرَجَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}، أَنْجَاهُ اللهُ هُوَ وَلُوطًا، وَهُوَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ وَهَبَ اللهُ لَهُ عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَوَهَبَ لِإِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، حَفِيدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَجَاءَ مِنْ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ، إِلَّا مُحَمَّدًا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنْ ذُرِّيَةِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي خُطْبَةٍَ قَادِمَةٍ نُكْمِلُ بِإِذْنِ اللهِ سِيرَةَ هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ وَمُكْرِمِ الضِّيفَانِ وَكَاسِرِ الْأَصْنَامِ، إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِنِا وِدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَينِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.
المرفقات
1766560569_قِصَّةُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَامُ 6 رجب 1447هـ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق