قِصَّةُ آدَمَ عَلْيهِ السَّلَامُ 14 صَفَرَ 1447هـ
محمد بن مبارك الشرافي
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَصَّ عَلَينَا فِي كتَابِهِ أَحَسَنَ القَصَصِ وَأَصْدَقِهَا وَأَنْفَعِهَا, وَطَرِيقَةُ الاسْتِفَادَةِ مِنْهَا تَكُونُ بِذِكْرِهَا وَالتَّأَمُّلِ فِيهَا, وَمَعَنَا هَذَا اليَوْمَ أَوَّلُ قِصَّةٍ وَقَعَتْ, وَهِيَ قِصَّةُ أَبِينَا آدَمَ وَأُمِّنَا حَوَّاءَ عَلَيهمَا السَّلَامُ, مَعَ إِبْلِيسَ اللَّعِينُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَدْ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قِصَّةَ أَبِينَا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَضْمُونُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ خَاطَبَ الْمَلائِكَةَ قَائِلًا {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }، فَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ سَائِلِينَ عَلَى وَجْهِ الاسْتِكْشَافِ وَالاسْتِعْلامِ عَنْ وَجْهِ الْحِكْمَةِ، {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} أَيْ نَعْبُدُكَ دَائِمًا لا يَعْصِيكَ مِنَّا أَحَدٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِخَلْقِ هَؤُلاءِ أَنْ يَعْبُدُوكَ فَهَا نَحْنُ لا نَفْتُرُ لَيْلًا وَلا نَهَارًا ، قَالَ تَعَالَى لَهُمْ {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}، أَيْ: أَعْلَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي خَلْقِ هَؤُلاءِ مَا لا تَعْلَمُونَ، أَيْ سَيُوجَدُ مِنْهُمُ الْأَنْبَيِاءُ وَالْمُرْسَلُونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ شَرَفَ آدَمَ عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، ذَوَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا، ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الأَشْيَاءَ عَلَى الْمَلائِكَةِ, فَقَالَ: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، أَيْ: سُبْحَانَكَ أَنْ يُحِيطَ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِكَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمِكَ، فقَالَ اللهُ تَعَالَى لآدَمَ: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ, قَالَ اللهُ تَعَالَى لِلْمَلائِكَة: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَرَادَ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ يُكْرَمَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِكْرَامًا آخَرَ، فقَالَ لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ، وَهَذَا إِكْرَامٌ عَظِيمٌ مِنَ اللهِ لآدَمَ حِينَ خَلَقَهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، فَسَجَدُوا كلهم إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ: مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ قَالَ الْخَبِيثُ مُعْتَذِرًا: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: فَنَظَرَ الْخَبِيثُ إِلَى نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ، فَرَأَى نَفْسَهُ أَشْرَفَ مِنْ آدَمَ فَامْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ لَهُ.
فَحِينَهَا لَعَنَهُ اللهُ وَأَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ مَذْمُومًا مَدْحُورًا، وَأَمَرَ اللهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَسْكُنَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنْ يَأْكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءَا، لَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَهَاهُمَا عَنْ قُرْبَانِ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ، اللهُ أَعْلَمُ مَا هِيَ؟ فَقَالَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثُمَّ إِنَّ إِبْلِيسَ أَتَى إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا, وَقَالَ: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ، وَكَانَ آدَمُ وَحَوَّاءُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يُحِبَّانِ جِوَارَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْبَقَاءَ فِي جَنَّتِهِ، فَأَتَاهُمَا الْخَبِيثُ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ، ثُمَّ إِنَّهُ حَلَفَ أَنَّه لَهُمَا مِنْ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ أيْ: خِدَاعٍ، فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجنَّةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا لِبَاسٌ فِي قَوْلِهِ {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَادَاهُمَا وَقَالَ لَهُمَا مُعَاتِبًا: أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشّيْطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ، فَنَدِمَا مُبَاشَرَةً، وقَالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ، وَهَذَا اعْتِرَافٌ وَإِنَابَةٌ وَتَذَلُّلٌ، وَقَدْ قَبِلَ اللهُ تَعَالَى تَوْبَتَهُمَا، لَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى أَنْ يَخْرُجَا مِنَ الْجَنَّةِ لِحِكْمَةٍ أَرَادَهَا تَعَالَى، فقَالَ: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ حِينَ أَهْبَطَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ عَلَّمَهُ صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، وَزَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: ثِمَارُكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ تَتَغَيَّرُ وَتِلْكَ لا تَتَغَيَّرُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسِ يَوْمُ الْجُمْعَةَِ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا)
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: مَكَثَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُصَوَّرًا طِينًا قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ فِي الجَنَّةِ قَبْلَ أَنْ يَهْبِطَ ثَلاثًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ t: أَنّ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلَهُ آدَمُ فِي الْأَرْضِ، أَنْ جَاءَهَ جِبْرِيلُ بِسَبْعِ حَبَّاتٍ مِنْ حِنْطَةٍ، فَقَالَ: ابْذُرُهْ فِي الْأَرْضِ، فَبَذَرَهُ، وَكَانَ كُلُّ حَبَّةٍ مِنْهَا زِنَتُهَا أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ مَثِيلاتِهَا، فَنَبَتَتَ فَحَصَدَهُ، ثُمَّ دَرَسَهُ ثُمَّ ذَرَاهُ، ثُمَّ طَحَنَهُ ثُمَّ عَجَنَهُ ثُمَّ خَبَزَهُ، فَأَكَلَهُ بَعْدَ جُهْدٍ عَظِيمٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمْعَةَ، جَاءَتْهُ الْمَلائِكَةُ بِحَنُوطٍ وَكَفَنٍ مِنَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَبَضُوهُ وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَحَنَّطُوهُ، وَحَفُرُوا لَهُ وَلَحَدُوهُ وَصَلَّوا عَلَيْهِ ثُمَّ أَدخَلُوهُ قَبْرَهُ فَوَضَعُوهُ فِيهِ، ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ , أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى t عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ مِنْهُمُ الْأَبْيَضُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلبَانِيُّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَلَقَ اللهُ آدَمَ, وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ... فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ) مُتَّفِقٌّ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَرَرْتُ بِيُوسُفَ وَإِذَا هُوَ قَدْ أَعْطَي شَطْرَ الْحُسْنِ) قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ وَصَوَّرَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، فَمَا كَانَ لِيَخْلُقَ إِلَّا أَحْسَنَ الْأَشْيَاءَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا بَعْضُ مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فَي كِتَابِهِ مِنْ خَلْقِ أَبِينَا آدَمَ وَأُمِّنَا حَوَّاءَ عَلَيهِمَا السَّلَامُ, وَنَسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ عَدَّةَ فَوَائِدَ, فَمِنْهَا: الرَّدُّ عَلَى أَولَئٍكَ الذَينَ قَلَّ عِلْمُهُمْ وَرُبَّمَا عُدِمَ إِيمَانُهُمْ, حَيْثُ يَقُولُونَ: إِنَّ أَصْلَنَا قُرُودٌ ثُمَّ تَطَوَّرَ الخَلقُ شيئًا فشيئًا, وَهَذَا تَكذيبٌ للقرآنِ والسنةِ والإجماعِ, بَلْ أَصْلُنَا مِن طينٍ ثم مِنْ مَاءٍ مَهينِ, عِلَى هَذهِ الصُّورَةِ التِي نحن عليها, لكنَّ الخَلقَ تَناقَصَ في الطولِ والقوةِ, ثم سوف نَكُونُ فِي الجَنَّةِ إن شاء الله على خَلقِ أِبينَا آدمَ فِي الطُّولِ وَالعَرْضِ والجِمَالِ.
ومنْها: التحذيرُ العظيمُ مِن إبليس وذُريتِهِ الشَّياطينِ, فَهُمْ يعملونَ ليلَ نَهَارَ لِإغوائِنَا, وِصَدِّنَا عَن سبيلِ اللهِ الذِي بِه نَجَاتُنا.
وَمنْها: تشريفُ اللهِ لنا بِالعلمِ وِالإيمانِ, وخَلْقِ أَبينَا آدمَ بِيدَهِ, وَإِسْجَادِ مَلائكتِه له, فَلْنَشْكُرِ اللهَ عَلى هذهِ النِّعْمَةِ, بِالعَمَلِ بِطَاعَتِهِ سُبْحَانَهَ, مُخْلِصينَ لَهُ, لَا نُرِيدُ مِنْ أَحَدٍ جَزاءً وَلَا شُكورًا, ثُمَّ لَوْ وَقَعْنَا فِي مُخَالفةٍ فَلْنَتَدَارَكْ أَنْفُسَنَا, وَنَرْجِعْ إِلَى رَبِّنَا, وَنَحْذَرِ الِإصْرَارَ عَلَى المعَاصِي.
فاللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا, وَنَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَا وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَبِيدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ, اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين, اللَّهُمَّ أَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.
المرفقات
1754491758_قِصَّةُ آدَمَ عَلْيهِ السَّلَامُ 14 صَفَرَ 1447هـ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق