قصةُ الإفكِ الموجعةُ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/07/05 - 2025/12/25 06:15AM

1
قصةُ الإفكِ الموجعةُ ( راشد البداح – الزلفي ) 6 رجب 1447
الحمدُ للهِ الذي مَنَّ (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعدُ:

فقدْ تعرَّضَ نبيُّنَا-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لأنواعٍ شتَّى من الشدائدِالحسيةِ والمعنويةِ. بَدءاً من اليُتمِ، ثم فجيعتهِ بعمِّهِ وبزوجتهِ خَدِيجةَ، ثم ثُكْلِهِ بأولادِهِ، ثم سَجنِهِ وتجويعِهِ ثلاثَ سنينَ بالشِّعبِ، ثم إخراجِهِ من بلدِهِ، ثم مصابِهِ في أصحابِهِ. وكلُّ هذهِ الشدائدِ تلقَّاها بالصبرِالجميلِ، وبالرضا عنِ اللهِ، وكانَ يقولُ: إِنَّ ‌أَشَدَّ ‌النَّاسِ ‌بَلَاءً ‌الأَنْبِيَاءُ().

وخذْ الآنَ هذا الموقِفَ المُفجِعَ المُوجِعَ:

رَجَعَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزَاةٍ ومعهُ زوجُهُ عائشةُ -رضِيَ اللهُ عنهَا-، فوقف الجيش ليستريحَ، وذهبتْ عائشةُ لقضاءِ حاجتِها، ففقدَتْ عِقْداً لها. قالتْ: فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا.. فَوَجَدْتُ عِقْدِي، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَغَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ [ونومُها لُطفٌ من اللهِ؛لِتَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الِانْفِرَادِ فِي الْبَرِّيَّةِ بِاللَّيْلِ. فمرَّ عليها صفوانُ بنُالمعطَّلِ -رضِيَ اللهُ عنهُ- متأخراً آخرَ الجيشِ، ومِنْ عَادَتِهِ غَلَبَةُ النَّوْمِ عَلَيْهِ ]().

قَالَتْ: فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِيَ بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَعَلَيَّ حُمَّىً بِنَافِضٍ، فَأَلْقَتْ عَلَيَّ أُمِّي كُلَّ ثَوْبٍ فِي الْبَيْتِ،فَاشْتَكَيْتُ شَهْرًا.. وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ. (وَلَمَّا بَلَغَنِي مَا تَكَلَّمُوا بِهِ هَمَمْتُ أَنْ آتِيَ قَلِيبًا فَأَطْرَحَ نَفْسِيَ فِيهِ)(). فَبِتُّ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي.

[فَزَارَهمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتِ أبي بكرٍ ] وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ. فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ. فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً [لِفَرْطِ حَرَارَةِ الْمُصِيبَةِ ](). وَقُلْتُ لأَبِي وأمي: أَجِيبَا عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ! (فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ!) إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (نَسِيتُ اسْمَ يَعْقُوبَ؛ لِمَا بِي مِنَ الْبُكَاءِ وَاحْتِرَاقِ الْجَوْفِ)(). ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجْلِسَهُ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَسُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فقَالَ: يَا عَائِشَةُ! أَبْشِريْ واحْمَدِيْ اللَّهَ؛ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ.فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ. فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ.

اللهُ أكبرُ! ما أعظمَ ثباتَ أمِّنا الصِّدِّيقةِ بنتِ الصِّدِّيقِ في هذهِالمصيبةِ العصيبةِ. وإن العاقبةَ للمتقينَ. (وَلِثِقَتُهَا بِمَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا قَالَتْ مَا قَالَتْ، إدْلَالًا لِلْحَبِيبِ عَلَى حَبِيبِهِ)().

الْحَمْدُ لِلهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ للهُدَى دَعَانا، أما بعدُ:

فما أعظمَ فرجَ اللهِ للصادقينَ في الشدائدِ، والشِّدَّةُ إِذَا اشْتَدَّتْ أَعْقَبَهَا الْفَرَجُ، وكلُّ بلاءٍ: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

فيا أيُّها المبتلَى: انتظِرْ قُرْبَ فَرَجِ اللهِ في مصيبتِكَ وأَزْمَتِكَ!

• فَلَيْلةُ المرضِ يَعقُبُها صباحُ الشفاءِ.
• ولياليْ هَمِّ الدَّينِ يَتلُوها نهارُ السِّدادِ.
• وأسبوعُ الاختبارِ يَليهِ يومُ النجاحِ وسَنَةُ التخرجِ.
• وسنينُ التغرُّبِ خِتامُها يومُ العودةِ للوطنِ.
• وأيامُ البحثِ عن زوجةٍ، حُلْوُها مساءُ الزواجِ.
• وليلةُ كَرْبِ الولادةِ، فَرَجُها أيامُ النِّفاسِ والطُّهْرِ.
وإنَّ حادثةَ الإفكِ لَتُجَدِّدُ للأمةِ عِلاقاتِها مع أصحابِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليزدادُوا لهم حُباً وتعزيراً وتوقيراً. وإنَّ حُزنَ المؤمنِ، ولو بعدَ قرونٍ على ما نزلَ بعائشةَ، وتألُّمَهُ لألَمِها عملٌ صالحٌ يُؤجَرُ عليهِ.

أيُّها المؤُمِنُونَ: وفِي القِصَّةِ دَرْسٌ لِلزَّوجَينِ فِي كَيفِيَّةِ عِلاجِ الخِلافَاتِ الأُسَرِيَّةِ، فَرَسُولُ اللهِ يَتَأَمَّلُ وَيَسْتَشِيرُ شَهراً كَامِلاً! فَلَمْ يَتَعَجَّل بِطلاقٍ،وبَعضُنا عِندَ أدنَى خِلافٍ يَتَلَفَّظُ بالطَّلاقِ!

• فاللهم صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى مَنْ آمنَّا بهِ واحببناهُ، واتَّبعناهُ وما رأيناهُ، اللهم فلا تَحرِمنا يومَ القيامةِ رؤيتَه، واجعلْنا من إخوانهِ الذينَ تمنَّى رؤيتَهم يومَ قالَ: وَدِدْتُ أنِّيْ رَأَيتُ إخْوَانيَ الذِيْنَ لَمْ يَأتُوا بَعْدُ.
• اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ ‌قَضَاءٍ ‌قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
• اللهم اقبلْ تَوباتِنا، واغسلْ حَوباتِنا، وأجِبْ دَعَواتِنا.
• اللهم وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
• اللهم بارِكْ في عُمُرِ وعمَلِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِهِ، وزِدْهُم عِزًا لنصرةِ الإسلامِ، ونَجدةِ المسلمينَ، وراحةِ رعيتِهم.
• اللهم احمِ حِمانا، واخذُل عِدانا.
• اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
• اللهم تابِعْ علينا الخيراتِ، وأنزِلْ معها البركاتِ.
• اللهم عُمَّ بالغيثِ بلادَ المسلمينَ، واجعلنا من الشاكرينَ.
• اللهم صَلِّ وسلِّمْ على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1766632540_‎⁨قصة الإفك الموجعة⁩.docx

1766632541_‎⁨قصة الإفك الموجعة⁩.pdf

المشاهدات 212 | التعليقات 0