قصةُ هلاك فرعون، والدّروس المستفادة من ذلك. (9/1/1447هـ)
أحمد بن ناصر الطيار
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ يوم عاشوراء: يومٌ عظيم من أيام الله، وحينما قَدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وجَدَ اليهودَ يصومون يومَ عاشوراءَ، فقالَ لهم: "ما هذا اليومُ الذي تصومونَه؟" قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجَى اللهُ فيه موسَى وقومَه, وأغرَقَ فرعونَ وقومَه, فصامَه موسَى شُكراً فنحن نصومُه.
فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:"فنحنُ أحقُّ وأولىَ بموسى مِنْكم" فصامَه وأمرَ بصيامِه".
فقد كان في هذا اليوم العظيم هلاكُ فرعون، وذلك حينما لَمَّا رَكِبَ فِي جُنُودِهِ، طَالِبًا بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقْفُو أَثَرَهُمْ، وكَانَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ عَرَمْرَمٍ.
فلَحِقَهُمْ فِرْعَوْنُ بِالْجُنُودِ، فَأَدْرَكَهُمْ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَتَرَاءَى الْجَمْعَانِ، وَعَايَنَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ، وَتَحَقَّقَهُ وَرَآهُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُقَاتَلَةُ وَالْمُجَاوَلَةُ، فَعِنْدَهَا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى وَهُمْ خَائِفُونَ: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، فَقَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ-بثقة ويقين: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
فأَوْحَى الله إِليه: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)، فكَانَ مَاءُ الْبَحْرِ قَائِمًا مِثْلَ الْجِبَالِ.
وَأَمَرَ اللَّهُ رِيحَ الدَّبُورِ فَلَفَحَتْ حَالَ الْبَحْرِ، فَأَذْهَبَتْهُ حَتَّى صَارَ يَابِسًا لَا يَعْلَقُ فِي أقدام الْخُيُولِ وَالدَّوَابِّ. (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى).
فَانْحَدَرُوا فِيهِ مُسْرِعِينَ مُسْتَبْشِرِينَ، وَقَدْ شَاهَدُوا مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ مَا يُحَيِّرُ النَّاظِرِينَ، وَيَهْدِي قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا جَاوَزُوهُ وَخَرَجَ آخِرُهُمْ مِنْهُ، كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِ أَوَّلِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ إِلَيْهِ، فَأَرَادَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ لِيَرْجِعَ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ; لِئَلَّا يَكُونَ لِفِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ وَصُولٌ إِلَيْهِ، وَلَا سَبِيلٌ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ الْقَدِيرُ ذُو الْجَلَالِ، أَنَّ يَتْرُكَ الْبَحْرَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، كَمَا قَالَ وَهُوَ الصَّادِقُ فِي الْمَقَالِ: ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) أي : اتْرُكِ الْبَحْرَ سَاكِنًا عَلَى هَيْئَتِهِ، لَا تُغَيِّرْهُ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ.
فَلَمَّا تَرَكَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ وَحَالَتِهِ، وَانْتَهَى فِرْعَوْنُ، فَرَأَى مَا رَأَى، وَعَايَنَ مَا عَايَنَ، هَالَهُ هَذَا الْمَنْظَرُ الْعَظِيمُ, وَتَحَقَّقَ مَا كَانَ يَتَحَقَّقُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ رَبِّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَكِنَّهُ أَظْهَرَ لِجُنُودِهِ تَجَلُّدًا، وَحَمَلَتْهُ النَّفْسُ الْكَافِرَةُ وَالسَّجِيَّةُ الْفَاجِرَةُ، عَلَى أَنْ جرى خلفهم, فَلَمَّا رَأَتْهُ الْجُنُودُ قَدْ سَلَكَ الْبَحْرَ، اقْتَحَمُوا وَرَاءَهُ مُسْرِعِينَ، فَحَصَلُوا فِي الْبَحْرِ أَجْمَعِينَ ، حَتَّى هَمَّ أَوَّلُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى كَلِيمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، فَضَرَبَهُ، فَارْتَطَمَ عَلَيْهِمُ الْبَحْرُ كَمَا كَانَ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ.
هكذا كانت نهايةُ هذا الظالم, وهلاكُه كان في العاشر من مُحرم, فصامه موسى عليه السلام شكرًا لله على نجاته, وهلاك أعدى أعدائه.
ولقد كرر لنا قصة موسى عليه السلامُ مع فرعون؛ لما فيها من العبر الكثيرة، ومنها:
أولا: فضيلةُ الصبر، فقد صبر على دعوته لفرعون وقومه.
وكان عليه السلام يوصي قومه بالصبر، {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا}.
وكان نبيُّنا يتأسى بموسى في صبره على أذى قومه، ولَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا قال رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وجه الله، فقال: "يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
à فينبغي لمن أوذي في الله أن يتأسى بالصالحين والأنبياء.
ثانيًا: أن من عواقب المعصية تزيينَها للعاصي، {وكذلك زين لفرعون سوء عمله} فزُيِّن له العمل السيئ، فلم يزل الشيطان يزيّنه، وهو يدعو إليه ويحسّنه، حتى رآه حسنا.
ومن آثار الطاعة تزيينُها للمؤمن، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
فيؤخذ من هذا فائدة: أنه ليس كلُّ ما اقتنعت به ورأيته صوابًا وحقًّا يكون كذلك، فلا بد من البحث عن الحق وطلبه، وسؤالِ الصادقين المخلصين بصدق وإخلاص وتجرّد، وحينها يهديك الله للحق والصواب.
ثالثًا: أن حفظَ الله للمؤمن ومحبتَه له لا يعني أنه لا يُبتلى، لكنّ الله يحفظ له دينه وإيمانه.
فقد قال الله عن موسى: (ولتصنع على عيني) (وألقيت عليك محبة) ومع ذلك ابتلاه.
رابعًا: أنّ الظالم مهما طغى وتجبّر فمصيرُه الهلاكُ، وتجبُّرُ اليهود الصهاينةِ ومن عاونهم في هذا الزمان لن يدوم، وقد قال نبيُّ الله موسى عليه السلام لِقَوْمِهِ {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
فعاقبةُ الأمْر لمن اتَّقَى، لا لِمَن تجبّر وطغى.
اللهم فرج عن المسلمين، وأقرّ أعيُننا بهزيمةِ الصهاينة المغتصبين، إنك على كل شيء قدير.
*****************
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عباد الله: ليس في يوم عاشوراءَ مزيّةٌ على غيره من الأيام, سوى فضيلةِ الصيام, فقد أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ السَّنَةِ الـمَاضِيَةِ.
وأمَّا مَا سوى ذلك فلا ينبغي تخصيصُه بعبادةٍ ونحوها, وأما ما يفعله الرافضة في هذا اليوم, فهو من البدع التي أحدثوها, ما أنزل الله بها من سلطان.
نسأل الله تعالى أن يُعزّ دينه، وينصر جنده، ويهزم أعداءه، إنه قويٌّ عزيز قدير.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1751529494_قصةُ هلاك فرعون، والدّروس المستفادة من ذلك.pdf