قولوها بفرح ها نحن عدنا

عبد الله بن علي الطريف
1447/02/24 - 2025/08/18 18:30PM

قولوها بفرح ها نحن عدنا 1447/2/28هـ 

الحمدُ لله الذي علَّمَ بالقلَم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلَم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. أما بعد: أيها الإخوة: وتدور الأيامُ دورتَها ويعودُ المنظرُ الجميلُ الموحى بالجدِ والاجتهادِ والنشاط.. وينطلق أبناءُ الأمةِ وبناتُها إلى دُوْرِ التربيةِ والتعليم بجميع مراحلِها الدراسية؛ لينهلوا من معينها، ويستقوا من معارفِها.. إنَّه منظرٌ يسرُ الناظرَ لِمَجدِ أمته.. المتطلعَ لعزِ دينه ووطنه.. وهل أمةٌ سادت بغير التعلمِ.. وأعلى من ذلك وأجلُ قولُ المعلمِ والمربي الأولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ». رواه مسلم. وفي رواية عند غيره: «وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ..» ولي مع العودة للدراسة بعض الوقفات..

أيها الأولياء: في هذه الأيام يقوم الأولياء بتوفير لوازم أولادهم المدرسية أسأل الله تعالى أن يخلفَ عليهم ويكتب أجرهم.. ويغفل بعضهم عن إعدادهم المعنوي والنفسي للتَعَلُمِ.. وهو من الواجبات قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ».. ومن حسن الرعاية بيان الأهداف السامية للتعلم.. فالطالب أو الطالبة يقضي كل يوم في المدرسة ست ساعات.. وبعضهم لا يعلم الهدف من الدراسة.. نقول إن أعظم هدف يجب أن يسعى له المتعلم: رفع الجهل عن نفسه فالعلم نور والجهل ظلام.. ثم يجب أن يتقرر في نفسه المساهمةُ في النهوض بوطنه وأمته.. وأن يكون طلبهم للعلم لذلك وأن يبذلوا في ذلك جهدهم ووقتهم.. أما أن يكون هدف أولادنا من التعلم نفع أنفسهم فقط فهذا خطأ يجب على الوالدين تصحيحه.. فالمجتمع المنتج الحي هو الذي يربي أبناؤه على التطلع لمعالي الأمور، وينأى بهم عن سفسافها..

ومما يجب على الوالدين لأولادهم وهم مقبلون على التعامل مع زملاء ومعلمين أن يغرسُوا في نفوسِهم معنى الإيثار بدل الأنانية والأثرة.. وحفظ اللسان عن الغيبة والاستهزاء والسخرية بالآخرين من الزملاء والمعلمين وغيرهم.. ويذكوا بهم حب التسامح بدل حب الذات.. والتعاون مع الزملاء بدل السلبية وعدم تحمل المسئولية.. والتأكيد عليهم بأنهم إخوة يسعون إلى هدف واحد هو نفع أنفسهم وأمتهم.. خصوصًا عند وجود مواقف تستدعى التوجيه يقصها الأولاد عند عودتهم من المدارس.. ومما يجب توجيههم للاعتماد على أنفسهم في تنظيم وإعداد ما يحتاجون ليومهم الدراسي بوقت مبكر.. ونسهل لهم النوم والاستيقاظ المبكر ولا نسمح لهم بمتابعة وسائل التواصل بعد العشاء.. ولا نكدر عليهم صباحَهم بضرب أو رفع صوت أو أذى لفظي.. بل نشجعهم وندعو لهم بالتوفيق والعون؛ ففي ذلك شرح لصدورهم وبداية مشرقة ليومهم..

أيها المعلمون والمعلمات: إنكم تجلسون من كرسي التعليمِ على عُرُوْشِ مَمَالكٍ رعاياها أطفالُ الأمةِ وفتيانُها فسوسوهم بالرفقِ والإحسان، وتدرجوا بهم من مرحلةٍ كاملةٍ في التربيةِ إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانةُ اللهِ عندَكم، وودائعُ الأمةِ بين أيديكم، سلمتهم إليكم أطفالًا لتردوهم إليها رجالًا ونساء.. وقدمتهم إليكم هياكلَ لتَنْفُخوا فيها الروحَ.. وألفاظًا لتعمروها بالمعاني.. وأوعيةً لتملؤها بالفضيلة والمعرفة..

وعلموا أن التعليم بابٌ واسعٌ من أبوابِ نيلِ الحسنات، ورفعةِ الدرجات، فهنيئاً لكم ما تؤدونه من واجب، وما تحوزونه من أجرٍ بتعليمِ الناس الخير، فقد ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ». رواه الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني، والعلم إذا أطلق يراد به علم الشريعة، وإذا لم يطلق فقد يدخل فيه كل علم نافع.. قال الغزالي -رَحِمَهُ اللهُ-: "لا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحِجامة والخياطة، فإنه لو خلا البلدُ من الحُجام تسارع الهلاك إليهم وحَرِجُوا بتعرِيضِهم أنفسَهم للهلاك..". ا هـ.

 أيها المعلمون: أخلصوا في أداء عملكم فإنه لا يقوم عمل إلا بإخلاص، يَقُولُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه. ولقد غفل طائفة ممَنْ شرفهم الله بحمل رسالة التعليم عن هذا المعنى فأضاعوا أجرهم بسبب تركهم للإخلاص، فترى أحدَهم لا يؤدي عمله إلا لأجل المال، ولا يهتمُ بوقت درسه ولا بفائدةِ طلابه، ولا يبالي بما يراه من سلوكٍ منحرف أو أخلاق سيئة عند طلابه. والمهمُ عنده أن ينتهي وقتُ الدوام ليفك نفسه من همِ ذلك اليوم وغمِهِ.. وغفل عن أنه يؤدي رسالة في مجتمعه، لِيَخْرُجَ من تحت يده من يُعلم الناس، ويقضي بينهم، ويُعالج مرضاهم، ويذود عن البلاد ويحفظ أمنها وغيرهم.. فكتب للمعلم المحتسب مثل ما يُكتبُ لمن علم من الأجر إذا أخلص في عمله ونوى نفع الأمة والمساهمة بتربية أولادها..

أيها المعلمون والمعلمات: أحسنوا استقبال الطلاب والطالبات فقد حث على ذلك النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- بقوله: «سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا: لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- وَاقْنُوهُمْ». أي عَلِّمُوهُمْ. رواه ابن ماجة عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني. وكان أبو سعيد الخدري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إذا جاءه طلاب العلم قال: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-. ودرج على الترحيبِ بالمتعلمين وحسنِ استقبالِهم والبشاشةِ بهم علماءُ الأمةِ قبولًا لوصية النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- بهم.. وكُتبُ السيرِ مليئة بأخبارهم.. واستصحبوا الرفق واللين في كل شأنٍ حتى في العقوبة قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ». رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-. فكم ارتفع قدر معلم عند طلابه برفقه ومعاملته الحسنة، وكم صلحَ حالُ طلابٍ بذلك..

أيها المعلمون: إذا عاقبتم فلا تعاقبوا بالضرب، "فمَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِمًا إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأمرنا في حال الحرب أن نتجنب الوجه فقَالَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ». رواه البخاري. فما بالنا نقسو في عقاب أبناء المسلمين.!

واعلموا: أن المعاملة الطيبة تُقَوِّم كثيرًا من الانحرافات وتدخلُ الناسَ في دين الله عز وجل، فأجلُ مُهمات المعلم تعليمُ الناسِ الخيرَ ونصحُهم وإرشادُهم. أسأل الله تعالى أن يكون هذا العام عام خير وبركة وأن يكتب فيه الخيرَ والفلاحَ لأمتنا وولاة أمرنا وإخواننا في كل مكان إنه جواد كريم وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين..

 الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ والشُكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً.. أَمَا بَعْدُ: أيها الأبناء والبنات: اعْلَمُوا أَنَّ أهليكم وأمتكم يتطلعون إليكم لتكون صالحين مصلحين.. فالله الله أروهم من أنفسكم خيرًا بجدكم، واجتهادكم بطلب العلم وعلو الهمة والحرص على معالي الأمور والبعد عن سفسافها.. وانووا بذهابكم للدراسة طلبَ العلم ورفعَ الجهل عن أنفسكم ونفعَ أمتكم تحوزوا الأجر العظيم والمنزلة العالية عند الله تعالى. فمن سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة...

احترموا المعلم ووقروه واستفيدوا من علمه وخُلُقه الحسن فما من أمة كريمة إلا وللمعلم عندها قدر.. واقرؤوا سير الأئمة وستجدون العجب..

والتزموا بالتوجيهات ولا تتبرموا منها واحتسبوا بتعلمكم وتنفيذ توجيهات المدرسة الأجر، فالخير بالالتزام والطاعة فهي بحمد الله طاعة بمعروف.. وقولوا بملء أفواهكم ها نحن عدنا والعودُ أحمدُ.. ثم صلوا وسلموا..

المشاهدات 258 | التعليقات 0