لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

صالح عبد الرحمن
1446/10/25 - 2025/04/23 10:54AM

خطبة لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

الخطبة الأولى:

الحمد لله الحكيمِ الخبير، يعلم سرنا وجهرنا وهو السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إنه على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الهادي البشير، والسراجِ المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد: فاتقوا الله - يا مسلمون -.

مرت الأيام علينا نصبح فيها وما في السماء قزعة من سحاب ونمسي وقد غرقت السهول والهضاب

نصبح والأجواء رياح وغُبار ونمسي بأجواء عليلة ونسمات الهواء اللطيف تُنعش القلوب وتبهج النفوس .. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار والله يقلب الليل والنهار وإنها لرسالة للقانطين عنوانها ( سيجعل الله بعد عسر يسرا (ولاتدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا )

يموت أبوسلمةُ رضي الله عنه فتحزن لفراقه أم سلمة رضي الله عنها حزنا شديدا  وتقول : أي المسلمين خير من أبى سلمة؟ وهي لا تدري أن الله سيحدث أمرا ، فيتزوجُها خير الورى صلى الله عليه وسلم لتصبح أماً للمؤمنين وزوجةً لسيد المرسلين. 

أمُ حبيبة رضي الله عنها يطلقها زوجها وهي في بلاد الغربة في الحبشة فتحزن وتتألم فالطلاق غصة في حلوق المطلقات لكنها لا تعلم أن الله قد أحدث أمرا فيتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحظى بهذا الشرف العظيم

يعذب بلال ويسحب في الرمضاء ويوضع على صدره الصخرةُ العظيمة وهو يردد ( أحد أحد ) لأنه يؤمن أن الله سيحدث بعد ذلك أمرا .. فتمر الأيام ليصعد فوق الكعبة ويرفعَ نداء الحق. 

يمتحن الإمام أحمد ويؤذى ويجلد ويسجن ويهدد لكنه موقن أن الله سيحدث بعد ذلك أمرا فيأتي الفرج وتنتصرالسنة ويعلو الإمام أحمد ويرتفع اسمه إلى يومنا هذا. 

لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

إنها حقيقة قرآنية تبعث في القلوبِ الطمأنينة والسعادة، حقيقةٌ تتلقاها القلوب الفزعة فإذا هي في جو من الأمن والسكينة، وتتلقاها النفوس القانطة فإذا بشعاع الأمل يسري في كيانها.

حقيقة لا يوقن بها إلا مَن رضي بالله حقَّ الرضا، وحقق صدق التوكل عليه، وتفويضِ الأمور إليه، واليقين والثقة بوعده وإحسان الظن به -جل وعلا-، وأنه لا يريد بعباده إلا الخير والصلاح.

حقيقة نحتاجها في زمنٍ كثرت فيه المصائب والمشكلات، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، والتي أدت إلىظهور كثير من الأمراض النفسية المعقدة من قلق واكتئاب ووساوس وأوهام.

إن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابَه الحزن وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية, والفاجعة المهلكة لآماله وحياته, فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة, وعطية في رداء بلية, وفوائد لأقوام ظنوها مصائب, وكم أتى نفع الإنسان من حيث لايحتسب!.

:﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾. ويبقى الأمل مادامت الحياة 'وتهدأ النفس .. وينشرح الصدر .. ويسهلا الأمر ..:﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾

فلا تغضب .. ولا تنزعج .. ولا تتشاءم فكل لحظة ألم  ، وكل أزمة لابد أن تنفرج بتوفيق الله ..وكل خسارة لابد أنتعوض إذا توكلت على الله ..فالدنيا حافلة بالأمل والألم ..وبالمكسب والخسارة ..وبالفرح والغضب ..ليس هناك سعادة دائمة .. وليس هناك شقاء مستمر .. ونصوص القرآن تضمنت ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾  و ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَعُسْرٍ يُسْرًا ﴾  .

إلى كل من يضايقه البلاء والوباء .. بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال، وبشر القحط بماء زلال يلاحقه في أعماق الرمال، والفقير بمال يزيل عنه الإملاق، فارحل بقلبك إذا الهم برك، واشرح صدرك عند ضيق المعترك، ولاتأسف على ما مضى ومن هلك ،واعلم أنه لا يدوم شيء مع دوران الفلك، وعسى أن تكون الشدة أرفق بك، والمصيبة خيرا لك .. أحسن الظن بربك  فهو القائل : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء ، واغسل همومك بنهر التوكل واحذر من تصديق وعد الأفاك الأثيم والشيطان الرجيم،لأنه يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، ولكن صدّق بوعد أصدق القائلين(والله يعدكم مغفرة منه وفضلاّ والله واسع عليم) ولنربّ أنفسنا على الرضا بالأقدار , والنظر للحياة من زاوية الأمل , والاعتقاد بأن الأيام القادمة تحمل معها ألواناً من السعادة والفرح والبهجة والأرزاق .﴿ لَا تَدْرِي لَعَلّ َاللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ فلا تشغل بالك ، ولا تتعب خيالك ، فأمر الله أقرب من ذلك وربنا كل يوم هو في شأن ، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون

أقول هذا القول ....

 

 الخطبة الثانية: 

أما بعد: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

لكن يجب أن نعلم أيها الكرام أن الإيمان بهذه الحقيقة لا يعني التكاسل والتخاذل والتواكل والاتكاء على الأرائك بانتظار الفرج بلا جهد ولا عمل. 

إن الفهم الصحيح للقضاء والقدر هو الاستسلام المطلق لقدر الله والعمل بكل ما في الوسع والوقوف المطمئن عند حد الاستطاعة؛ وهذا يعني فعل الأسباب التي سخرها الله -عز وجل- ومدافعةَ أقدار الله بأقداره، ما دام أن هناك إمكاناً للمدافعة، فإذا لم تُجدِ المدافعة، أو تعذرت فالواجب: الصبر والاستسلام لقضاء الله عز وجل، واليقين بأن من وراء ذلك خيراً ومصلحة ورحمة يجب أن يتجه الجهد إلى التماسها، إن الإيمان بأن الله سيحدث بعد ذلك أمرا لا يعني العجز والقعود ، وإنما يعني أن تحرص على ما ينفعك ولا تعجز؛ فإن جاء القضاء على خلاف ما أردت فلا تيأس ولا تحزن، ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن ارضَ بما كتب الله لك،وقل: قدَّر الله وما شاء فعل، وقل: رضيت بالله ربا، فهو الذي يشاء ويختار، وثق أن ما كتبه الله وقدره هو الأصلح والأنفع. وأيقن بأن الله سيجعل من بعد العسر يسرا

وبعد أن تبلغ بإرادتك مداها فدع الأمور لمدبرها الأعلى ينتهي بها حيث يشاء دون جزعاً أو قلق، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

اللهم رضنّا بقضائك حتى لا نحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت.

وجعلنا ممن إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.

اللهم صل وسلم .....

المشاهدات 751 | التعليقات 0