لا ضَرَرَ ولا ضِرار | تَطْبيقاتٌ على السُّوقِ العَقاريّ.

لا ضَرَرَ ولا ضِرار | تَطْبيقاتٌ على السُّوقِ العَقاريّ.
 
🕌 الخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الَّذي أَمَرَ بِالقِسْطِ وَالإحسانِ، وَنَهى عن الظُّلمِ وَالبَخْسِ وَالعُدْوانِ، وأَشْهَدُ أنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ التَّقْوَى مِيزانَ الفَضْلِ بَيْنَ العِبادِ لا الصِّحَّةَ ولا المالَ، وأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.
 
أمّا بَعْدُ: فَأُوصيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، وَقالَ تَعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ۝ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۝ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
 
عِبادَ اللهِ، مِن أَعْظَمِ ما يُبْتَلى بِهِ النّاسُ في مَعاشِهِم سُوقُ الإيجاراتِ؛ يَرْتَبِطُ بِهِ سَكَنُ الأُسَرِ وَاسْتِقْرارُها. وَقَدْ جاءَت شَريعَتُنا بِقَطْعِ سُبُلِ الظُّلْمِ:
قالَ ﷺ: «مَن ضارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَن شاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ»، وَقالَ ﷺ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذا باعَ، وَإِذا اشْتَرى، وَإِذا اقْتَضى».
 
فَلا يَجوزُ الجَشَعُ وَالمُغالاةُ الَّتي تُضَيِّقُ عَلَى النّاسِ وَتُخْرِجُهُمْ مِن بُيوتِهِم، وَلا يَحِلُّ البَخْسُ وَالغِشُّ وَالتَّحايُلُ عَلَى الأَنْظِمَةِ.
 
تَطْبيقاتٌ عَمَليّةٌ لِلْمُلّاكِ:
 
1. التَّسْعيرُ بِـ«المَعْروفِ» وَمُراعاةُ حالِ الْمُسْتَأجِرينَ، وَالنَّظَرُ في الْمُؤَشِّراتِ الإيجاريّةِ لا في أَهْواءِ السُّوقِ النّارِيَّةِ.
 
 
2. تَوْثيقُ الْعَقْدِ عَبْرَ مَنْصَّةِ «إيجار»، فَالْعَقْدُ الْمُوَثَّقُ سَنَدٌ تَنْفيذيٌّ يَحْفَظُ الْحُقوقَ وَيُغْلِقُ أَبْوابَ النِّزاعِ.
 
 
3. الْتِزامُ الأَنْظِمَةِ وَالْقَراراتِ الْمُنَظِّمَةِ لِلسّوقِ، وَالْبُعْدُ عَنِ التَّلاعُبِ وَالالْتِفافِ، فَطاعَةُ وَلِيِّ الأَمْرِ في الْمَعْروفِ مِن جِماعِ الدّينِ، وَبِها تَنْتَظِمُ الْمَصالِحُ.
 
 
4. الرِّفْقُ وَالصِّيانَةُ الْمَعْقُولَةُ، وَعَدَمُ الإِخْراجِ إِلَّا بِحَقٍّ وَبَعْدَ إِنْذارٍ بَيِّنٍ.
 
 
 
وتَطْبيقاتٌ لِلْمُسْتَأجِرينَ:
 
1. الْوَفاءُ بِالأُجْرَةِ في مَواعيدِها، وَحِفْظُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مِنَ الضَّرَرِ.
 
 
2. احْتِرامُ الْجِيرَةِ وَالنِّظامِ، وَالإِخْلاءُ عِنْدَ انْتِهاءِ الْعَقْدِ، وَعَدَمُ إِشْغالِ الْمُؤَجِّرِ بِأَعْباءٍ لا تَلْزَمُهُ.
 
 
3. سُلوكُ الطُّرُقِ النِّظاميّةِ عِنْدَ النِّزاعِ، فَقَدْ يَسَّرَتِ الْجِهاتُ الْمُخْتَصَّةُ سُبُلَ التَّحاكُمِ وَالإِنْفاذِ.
 
 
 
وَمِن بَديعِ الْمُروءاتِ ما رَأَيْناهُ مِن بَعْضِ الْمُؤَجِّرينَ؛ حَدَّثَني أَحَدُهُمْ أَنَّهُ سَأَلَ جارَهُ: كَم أُجْرَةُ الشَّقَّةِ لَدَيْكَ؟ فَلَمّا عَلِمَ أَنَّ جارَهُ يَأْخُذُ نِصْفَ ما يَأْخُذُهُ غَيْرُهُ قالوا: لِمَ تُؤَجِّرُ بِهٰذا السِّعْرِ؟! فَقالَ: «أَعْرِفُ ظُروفَ مَن آجَرْتُهُ، وَأَحْتَسِبُ أَنْ يَدْفَعَ اللهُ عَنِّي الْبَلاءَ وَأَنْ يُبارِكَ لي في داري».
 
هٰكَذا تَكونُ الْبَرَكَةُ؛ فَلَيْسَت كَثْرَةُ الْمالِ دَليلَ خَيْرٍ، بَلْ خَيْرُ الْمالِ بَرَكَتُهُ؛ كَمْ مِن مالٍ وَفيرٍ لا يَنمو، وَكَمْ مِن قَليلٍ يُثَمِّرُهُ اللهُ بِالسَّماحَةِ وَالإِحْسانِ.
 
وَمِن نِعَمِ اللهِ عَلَى هٰذِهِ الْبِلادِ ما نَرى مِن إِجْراءاتٍ إِصْلاحيّةٍ لِضَبْطِ السّوقِ وَتَوازُنِهِ، كَتَعْزيزِ الشَّفافيَّةِ بِمُؤَشِّرِ الإيجاراتِ، وَالْعَمَلِ عَلَى تَيْسيرِ السَّكَنِ، وَمُعالَجاتٍ لِلتَّقَلُّباتِ في بَعْضِ الْمُدُنِ، وَكُلُّ ذٰلِكَ مِن سِياساتِ وَلِيِّ الأَمْرِ حَفِظَهُ اللهُ لِتَحقيقِ التَّوازُنِ وَتَمْكينِ الأُسَرِ مِنَ السَّكَنِ الْكريمِ.
 
عِبادَ اللهِ، تَذَكَّروا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وَأَنَّ الرِّفْقَ ما كانَ في شَيْءٍ إِلّا زانَهُ، وَأَنَّ الشِّدَّةَ وَالجَشَعَ لا تَزيدُ صاحِبَهُما إِلّا فَقْرًا مَعْنَوِيًّا. نَسْأَلُ اللهَ قَلْبًا سَليمًا، وَنَفْسًا سَمْحَةً، وَرِزْقًا مُبارَكًا.
أَقولُ قَولي هٰذا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِروهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفورُ الرَّحيمُ.
 
 
 
 
🕌 الخُطْبَةُ الثّانِيَة
 
الحمدُ للهِ عَلى إِحْسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلى تَوْفيقِهِ وَامْتِنانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
 
أمّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَاعْلَموا أَنَّ السُّوقَ أَمانَةٌ، وَأَنَّ الْمَسْكَنَ لَيْسَ جِدارًا وَحَسْبُ، بَلْ سَكَنٌ وَرَحْمَةٌ.
 
مَعالِمُ شَرْعِيَّةٌ وَنِظامِيَّةٌ مُهِمَّةٌ:
 
1. تَحْريمُ الإِضْرارِ بِالنّاسِ وَرَفْعُ الأَسْعارِ بِلا مُوجِبٍ مُعْتَبَرٍ؛ «مَن ضارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ».
 
 
2. وُجوبُ الرَّحْمَةِ وَالسَّماحَةِ في الْمُعامَلاتِ: «الرَّاحِمونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحمنُ… رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذا باعَ…».
 
 
3. تَوْثيقُ الْعُقودِ وَحِفْظُ الْحُقوقِ عَبْرَ الْمَنْصّاتِ الرَّسْمِيَّةِ، وَالْعَقْدُ الْمُوَثَّقُ سَنَدٌ نافِذٌ أَمامَ الْقَضاءِ، يُنْهي كَثيرًا مِنَ الْخُصوماتِ.
 
 
4. الْتِزامُ بِقَراراتِ وَلِيِّ الأَمْرِ فيما يُصْلِحُ السّوقَ وَيُخَفِّفُ الْكُلَفَ عَنِ النّاسِ؛ وَمَنْ خالَفَ أَوْ تَحايَلَ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُخالَفَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَعْصِيَةِ النِّظامِيَّةِ، وَيُبَلَّغُ عَنْهُ لِلْجِهاتِ الْمُخْتَصَّةِ.
 
 
 
عِبادَ اللهِ! وَمِنَ النِّعَمِ الْعَظيمةِ في زَمانِنا ما رَأَيْناهُ مِن قَراراتٍ إِصْلاحيّةٍ مُبارَكَةٍ، تُعَظِّمُ شَأْنَ العَدْلِ وَتَسُدُّ أَبْوابَ الْجَشَعِ، وَمِنْ ذٰلِكَ: نِظامُ رُسُومِ الأَراضي الْبَيْضاءِ، وَما شابَهَهُ مِنَ الأَدَواتِ الَّتي وُضِعَتْ بِحِكْمَةٍ لِلتَّوازُنِ في السّوقِ، وَزِيادَةِ الْمَعْروضِ مِنَ الْمَساكِنِ، وَمَنْعِ احْتِكارِ الأَراضي وَتَعْطيلِها.
 
إِنَّها قَراراتٌ تُعيدُ لِلأَرْضِ رِسالَتَها، وَلِلسّوقِ اعْتِدالَهُ، وَتَكْفُلُ لِلنّاسِ السَّكَنَ الْكريمَ بَعيدًا عَنِ الاكْتِنازِ الضّارِّ، وَالْجَشَعِ الْمُرْهِقِ، وَالاحْتِكارِ الْمانِعِ لِلْبَرَكَةِ.
 
وَنَقولُ أَيُّهَا الْمُؤَجِّرُ الْكريمُ: لَكَ حَقُّكَ في الرِّبْحِ، وَلكِنْ لا تُطْفِئْ نورَ الْبَرَكَةِ بِالْجَشَعِ. أَحْسِنْ وَلْيَكُنْ لَكَ نَصيبٌ مِنْ سَتْرِ الأُسَرِ وَإِعانَتِها؛ «وَاللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ ما كانَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخيهِ».
 
أَيُّهَا الْمُسْتَأجِرُ: أَدِّ ما عَلَيْكَ، وَاحْفَظْ ما اسْتُؤْمِنْتَ عَلَيْهِ، وَكُنْ شَريكًا في الاسْتِقْرارِ لا سَبَبًا في الْفَوْضى.
 
جَميعُنا: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وَلْنَجْعَلْ شِعارَنا في السّوقِ «الْقِسْطُ وَالرَّحْمَةُ وَالسَّماحَةُ».
 
فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَتَواصَوْا بِالْبِرِّ وَالإِحْسانِ، وَأَكْثِروا مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وَصَلُّوا وَسَلِّموا عَلى إِمامِ الْمُتَّقينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلينَ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﷺ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ عَلَيْهِ رِفْعَةٌ لَكُمْ يَوْمَ الدّينِ.
 
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
 
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.
 
اللَّهُمَّ مَن شَقَّ عَلى عِبادِكَ وَأَرْهَقَهُمْ بِجَشَعٍ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ غَلاءٍ أَوْ تَضْييقٍ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ في دُنْياهُ وَآخِرَتِهِ، وَاصْرِفْ عَنْ عِبادِكَ الْمُؤْمِنينَ شَرَّهُ.
 
اللَّهُمَّ ارْزُقْ عِبادَكَ رَحْمَةً فيما بَيْنَهُمْ، وَارْفَعِ الْغَلاءَ عَنِ النّاسِ، وَبارِكْ في أَرْزاقِهِم، وَيَسِّرْ لَهُمُ السَّكَنَ الطَّيِّبَ، وَالْمَعيشَةَ الْهَنِيَّةَ، في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، يا رَبَّ الْعالَمينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِنا لِما تُحِبُّ وَتَرْضى، وَهَيِّئْ لَهُمُ الْبِطانَةَ الصّالِحَةَ، وَبارِكْ في جُهودِهِمُ الإِصْلاحيَّةَ، وَأَدِمْ عَلى بِلادِنا الأَمْنَ وَالإيمانَ، وَعَلى سائِرِ بِلادِ الْمُسْلِمينَ.
 
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوالَ الْمُسْلِمينَ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلى الْحَقِّ وَالْهُدى، وَانْصُرْهُمْ عَلى مَنْ عاداهُمْ وَعادى دِينَهُمْ يا قَوِيُّ يا عَزيزُ.
 
  • سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، نَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتوبُ إِلَيْكَ.
المرفقات

1759956495_لا ضرر ولا ضرار. تطبيقات السوق العقاري..docx

1759956634_لا ضرر ولا ضرار. تطبيقات السوق العقاري..pdf

المشاهدات 213 | التعليقات 0