لا غلاء للإيجارات
راشد بن عبد الرحمن البداح
1
لا غلاءَ للإيجاراتِ ( راشد البداح – الزلفي) 18 ربيع الآخر 1447هـ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا {اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
أيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَدْ حَبَا اللهُ بِلادَنَا خَيرَاتٍ كَثِيرَةً؛ أَرزَاقٌ دَارَّةٌ، وَعِيشَةٌ قَارَّةٌ، وَحَيَاةٌ سَارَّةٌ، وَرحَماتٌ وثَمَرَاتٌ تُجْبَى مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وبَلَدٌ يُهَاجَرُ إليهِ، وَأَمْنٌ وَسَلامٌ وَوِئَامٌ: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)[النحل:18].
وَمِنَ اَلنِّعَمِ اَلْمُتَجَدِّدَةِ اَلَّتِي نُحْسَدُ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَحْكُمُنَا وُلَاةُ أَمْرٍ حُكَمَاءُ رُحَمَاءُ، يَتَلَمَّسُونَ حَاجَةَ رَعِيَّتِهِمْ، وَيَضْبِطُونَ مَعَايِشَهُمْ مِنْ غِشِّ اَلْغَاشِّينَ وَجَشَعِ اَلْمُتَاجِرِينَ، وَمِنْ آخِرِالقَرَارَاتِ اَلْمُفْرِحَةِ تِلْكَ اَلْجُهُودُ اَلدَّؤُوبَةُ مِنْ سُمُوِّ وَلِيِّ اَلْعَهْدِ-حَفِظَهُ اَللهُ- فِي تَنْظِيمِ اَلْقِطَاعِ اَلْعَقَارِيِّ، وَتَحْقِيقِ اَلِاسْتِقْرَارِ اَلسَّكَنِيِّ؛ قَطْعًا لِخَطِّ اَلْجَشِعِيْنَ وَالْمُبَالَغِيْنَ فِي رَفْعِ اَلْإِيجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ اَلْعَقَارِيَّةِ، ودَفْعًا للمُضَارِّيْنَ بِالْمُسْتَأْجِرِينَ والمُشْتَرِيْنَ. وَهَذَا قَرَارٌ صَائِبٌ فَارِجٌ مِنْ وَلِيِّ أَمْرِنَا، جَعَلَهُ اَللَّهُ مِمَّنْ يَدْخُلُ تَحْتَ دَعْوَةِ اَلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القَائِلِ: اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ.
فَالرِّفْقَ الرِّفْقَ -أَيُّهَا الإِخوَةُ-. (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195].
وَإِنَّ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنهُ وَنَحنُ نَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الخَيرَاتِ الَّتي تُوجِبُ شُكرَ اللهِ تَمَسُّكُ بَعْضِنَا بِحُطَامِ الدُّنْيَا الزَّائِلِ، وَيَشتَدُّ الطَّمَعُ وَالجَشَعُ، وَيَزدَادُ السُّعَارُ، فَتَرتَفِعُ الأَسعَارُ، وَتَقِلُّ السَّمَاحَةُ والإخَاءُ، وَيَقوَى التَّغَابُنُ وَالاستِقصَاءُ. وَهُنَا تَتَكَشَّفُ غِلظَةُ اللَّئِيمِ، وَتَجْمُلُ شَفَقَةُالشَّفِيقِ.
وَبَينَمَا تَرَى أَسخِيَاءَ يَتَنَازَلُونَ عَن بَعضِ حُقُوقِهِمْ؛ رَحمَةً بِإِخوَانِهِمْ، وَطَلَبًا لِمَا عِندَ اللهِ مِنَ الأَجرِ الكَرِيمِ، فَإنَّكَ وَاجِدٌ عَلَى جَانِبٍ آخَرَطمَّاعِيْنَ جَشِعِيْنَ، مِنْ المَسّاكِينَ المُضَاعِفِيْنَ إِيجَارَاتِ وَمُبَايَعَاتِالمَسَاكِنِ عَلَى المَساكِيْنِ: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر20] {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات8].
وَمَا هَكَذَا يَنبَغِي أَن تَصِلَ بِالنَّاسِ شِدَّةُ الطَّمَعِ، فَيَعبُدُوا المَالَ،وَيُصبِحُوا لَهُ خَدَمًا، يَقُومُونَ في طَلَبِهِ وَلا يَقعُدُونَ. بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْيُنَفِّذُوا وَصِيَّةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القَائلِ: مَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ، وَافٍ أَوْ غَيْرِ وَافٍ().
فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى اَلطَّلَبِ فِي عَفَافٍ؟ فَيُقَالُ: أَنْ يَطْلُبَ مَالَهُ طَلَبًا لَا يُؤَدِّيْ إِلَى اَلْإِثْمِ وَالْأَذَى، مِنْ شَتْمِ أَوْ غِيْبَةِ اَلْمَدْيُونِ، أوِ التَّضْيِيْقِ عَلَيْهِ، وَشِكَايَتِهِ لِلْجِهَاتِ قَبْلَ اِسْتِنْفَادِ طُرُقِ اَلْمُطَالَبَةِ الوِدِّيَّةِ().
أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا اَلْمُسْتَأْجِرُونَ والمُبْتَاعُونَ لِلْمَسَاكِنِ وَالشِّقَقِ: فَأَحْسِنُوا اَلْوَفَاءَ وَالْأَدَاءَ، وَإِيَّاكُمْ وَصَرْفَ أَمْوَالِكُمْ بِالْكَمَالِيَّاتِ، مَعَ تَضْيِيعِ حُقُوقِ مَالِكِي اَلْإِيجَارَاتِ وَالْعَقَارَاتِ، فَإِنَّ حُقُوقَ اَلْخَلْقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اَلْمُشَاحَّةِ لَا اَلْمُسَامَحَةِ، فَمَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ كَامِلاً، فَلَا تُعْذَرُ عَنْ سَدَادِ بَعْضِهِ. وَتَذَكَّرْدَوْمًا قَوْلَ رَسُولِكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ. رَوَاهُالبُخَارِيُّ().
فاللهم أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا وَلَا أَحَدَ مِنْ خَلْقِكَ يَطلُبُنَا بِمَظْلَمَةٍ.
الحَمدُ للهِ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ على البَشِيرِ النَّذِيرِ. أمَّا بَعْدُ:
فَإنَّ اللاَّئِقَ بِالمؤجِّرِيْنَ وَالدَّائِنِيْنَ مَعَ المُعْسِرِيْنَ الرِّضَى مِنَ المَكَاسِبِ بِالمُتَيَسِّرِ، وَالوَضعُ عَنِ المُعسِرِينَ، وَالتَّجَاوُزُ عَنهُم، أَو إِمهَالُهُمْإِلى حَالِ اليُسرِ؛ استِجَابَةً لأَمْرِ اللهِ القَائِلِ: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:280].
قَالَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَن مُعسِرٍ أَو يَضَعْ عَنهُ. رواهُ مُسْلِمٌ().
وَإِلَيْكُمْ مَعَاشِرَ المُؤَجِّرِيْنَ والمُسَلِّفِيْنَ وَالدَّائِنِيْنَ بِشَارَةًوَتِجَارَةً نَبَوِيَّةً عَظِيْمَةً. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، فَأَنْظَرَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُالحَاكِمُ وَالهَيْتَمِيُّ وَالأَلْبَانِيُّ، وَجَوَّدَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ().
ألَا فَلْتَكُنِ العِلَاقَاتُ بَيْنَنَا قَائِمَةً عَلَى الأُخُوَّةِ وَالتَّرَاحُمِ وَالتَّوَادِّ، مِصْدَاقًا لِقَوْلِ رَبِّنَا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وَقَوْلِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.
إِنَّهُ وَرَبِّي لَهُوَ الخُلُقُ الَّذِي يَجِبُ أَن يَسُودَ في مُجتَمَعِنَا، لِنَنَالَ بِهِ رَحمَةَ اللهِ، فَإِنَّ رَحمَةَ المُسْلِمِ لأَخِيهِ، سَبَبٌ لِرَحمَةِ اللهِ لَهُ.
• فاللهم اجعَلْنا رُحَمَاءَ رُفَقَاءَ مُتَرَاحِمِيْنَ متَلَاحِمِيْنَ.
• هَبْ لَنا قَنَاعةً تَكفِينا، وغِنىً لا يُطغِينا، وصِحةً لا تُلْهِينا.
• اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
• اللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى الإغدَاقِ بالأرزَاقِ.
• اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمونَ.
• اللهم اجعلْ خَيرَ أعمَالِنا آخِرَها، وخَيرَ أيامِنا يَومَ لِقاكَ.
• اللهم أعِذْنا منَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، واعصِمْنا بالكِتابِ والسُّنَّةِ، واجْعَلْنا من أنصَارِ دِينِكَ.
• اللهم ارزُقِ الأمَّةَ الإسلاميةَ عِزَّةً ونَصْرًا وتَمْكِينًا.
• اللهم واكفِنا كَيْدَ مَن كادَ بنا، واحفَظْ أَمْنَنا وإيمانَنا، ودِينَنا الذي هوَ عِصمةُ أمرِنا، ودُنيَانَا التي فيها مَعَاشُنا. واقضِ اللهم دُيونَنَا.
• اللهم واحفظْ شَبابَنا وبَناتِنا وأعراضَنا ومُجاهِدِينا ومُرَابطِينا.
• اللهم وفِّقْ إمامَنا خادمَ الحَرَمينِ الشرِيفينِ، ووليَ عهدِهِ لما فيه عزُّ الإسلامِ وصَلاحُ المسلِمَينَ.
• اللهم اجزِهِمْ على بَذلِهمْ لرعِيَّتِهمْ وللمُسْلمينَ، وعلى خِدمَتِهِمْ للحَرَمينِ ولكتابِكَ العزيزِ.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
المرفقات
1759912713_لا غلاءَ للإيجارات.docx
1759912713_لا غلاءَ للإيجارات.pdf