لكل أمة عيدا
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
الخطبة الأولى: لكل أمة عيدا
الحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا؛ خَصَّنَا بِأَفْضَلِ رَسُولٍ، وَأَكْمَلِ دِينٍ، وَأَحْسَنِ حَدِيثٍ، وَأَشْمَلِ شَرِيعَةٍ، وَجَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَضَى بِبَقَاءِ الْإِسْلَامِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، فَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْـحَقِّ ظَاهِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَاحِبُ المَقَامِ المَحْمُودِ، وَاللِّوَاءِ المَعْقُودِ، وَالْـحَوْضِ المَوْرُودِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ فَإِنَّهُ الْـحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنَّك لعلى صراطٍ مستقيمٍ) .
عباد الله : نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّـهِ e أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ e، فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ e: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟»، قَالُوا: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ e: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ ...) رواه أبو داود.
أَيُّهَا المؤمنون : كُلُّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ لَهَا أَعْيَادُهَا الزَّمَانِيَّةُ وَالمَكَانِيَّةُ، وَلَهَا فِي أَعْيَادِهَا شَعَائِرُهَا وَأَعْمَالُـهَا، وَتَحْتَفِلُ بِهَا بِحَسَبِ دِينِهَا أَوْ عَادَاتِهَا. وَأَكْثَرُ الْأُمَمِ -إِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّهَا- قَدِ اتَّخَذَتْ أَمَاكِنَ تُعَظِّمُهَا، وَأَزْمِنَةً تَخُصُّهَا بِالِاحْتِفَالِ فِيهَا، إِمَّا عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ؛ لِاعْتِقَادٍ فِي المَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ المُعَظَّمِ عِنْدَهُمْ، وَإِمَّا لِحَدَثٍ وَقَعَ فِي ذَلِكُمُ المَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ، وَإِمَّا لِعَادَةٍ تَوَارَثُوهَا وَلَا يَعْلَمُونَ سَبَبَهَا.
وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ جَاءَ فِيهِ اخْتِصَاصُ كُلِّ أُمَّةٍ بِأَعْيَادِهَا؛ تَنْبِيهًا لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يُحَافِظُوا عَلَى أَعْيَادِهِمْ، وَلَا يُشَارِكُوا غَيْرَهُمْ فِي أَعْيَادِهِمْ، قَالَ اللـهُ تَعَالَى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) ، وجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ y أَنَّهُ الْعِيدُ، فَلِكُلِّ أُمَّةٍ عِيدٌ يَحْتَفِلُونَ بِهِ (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، وَالْأَعْيَادُ جُزْءٌ مِنَ الشِّرْعَةِ وَالمِنْهَاجِ .
وَمِنْ هُنَا كَانَتِ الْأَعْيَادُ عَلَى الْوَقْفِ-عباد الله-، أَيْ: أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا المَنْعُ، فَكُلُّ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ خُصَّ بِتَعْظِيمٍ أَوِ احْتِفَالٍ لِمَعْنًى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوِ المَكَانِ مُنِعَ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنَ الشَّرْعِ، لأن التَّعْظِيمَ فِي الْإِسْلَامِ حَقٌّ لِلَّـهِ تَعَالَى، وَتَخْصِيصُ أَزْمِنَةٍ أَوْ أَمْكِنَةٍ بِأَعْمَالٍ تَعَبُّدِيَّةٍ لَيْسَ إِلَّا لِلَّـهِ تَعَالَى، وَمَنْ عظمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِلَا دَلِيلٍ فَقَدْ أَحْدَثَ فِي دِينِ اللَّـهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
عباد الله : لقد كَانَ النَّبِيُّ e يَعْمَلُ عَلَى تَمَيُّزِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْأُمَمِ الْأُخْرَى فِي شَرَائِعِهَا وَشَعَائِرِهَا، وَعِبَادَاتِهَا وَمَنَاسِكِهَا، وَيَمْنَعُ تَسَرُّبُ شَيْءٍ مِنْ عَادَاتِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ إِلَى المُسْلِمِينَ، وَيَحْرِصُ عَلَى مُخَالَفَةِ المُشْرِكِينَ، وَفِي آخِرِ حَيَاتِهِ eحَرِصَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَثُرَتْ خِطَابَاتُهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ، حَتَّى لَاحَظَ الْيَهُودُ ذَلِكَ فَقَالُوا: (مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ) م .
وَالمُلَاحِظُ فِي خِطَابَاتِ النَّبِيِّ e عَنِ الْأَعْيَادِ أَنَّهُ يُرَكِّزُ عَلَى مَسْأَلَةِ اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَعْيَادِهَا، وَاخْتِصَاصِ الْأُمَمِ الْأُخْرَى بِأَعْيَادِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ e: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَe: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ…» أحمد وغيره. وَمَعْنَى هَذَيْنِ الْـحَدِيثَيْنِ: أَنَّ المُسْلِمِينَ يَخْتَصُّونَ بِأَعْيَادِهِمْ، وَلَا يُشَارِكُونَ غَيْرَهُمْ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَإِلَّا لمَا كَانَ لِذِكْرِ هَذَا الِاخْتِصَاصِ فَائِدَةٌ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِبْدَالِ، فَعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّـهِe المَدِينَةَ وَلَـهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْـجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: «إِنَّ اللـهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ» أَبُو دَاوُدَ. وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالمُبْدَلِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَعَالَى الشَّرْعِيَّةِ فِي الْإِبْدَالِ .
وَلِعِلْمِ الصَّحَابَةِy بِالتَّشْدِيدِ الشَّرْعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَعْيَادِ فَإِنَّهُمْ مَا كَانُوا يُشَارِكُونَ الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى وَلَا المَجُوسَ فِي أَعْيَادِهِمْ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ الَّتِي فَتَحُوهَا، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعِيشُونَ بَيْنَهُمْ وَيُخَالِطُونَهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَيَسْتَعْمِلُونَهُمْ فِي حَاجَاتِهِمْ، وَيُحْسِنُ الْـجَارُ مِنْهُمْ إِلَى جَارِهِ، وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيُعِينُهُ إِذَا احْتَاجَ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللـهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ وَرَحْمَةِ الضُّعَفَاءِ.
وَإِطْبَاقُ الصَّحَابَةِ y عَلَى اجْتِنَابِ الْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ يَدُلُّ عَلَى خُطُورَةِ هَذَا الْأَمْرِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهِ، حَتَّى شَرَطَ عُمَرُ t عَلَى النَّصَارَى أَنْ لَا يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ أَعْيَادِهِمْ، وَلَا يَحْتَفِلُوا بِهَا إِلَّا دَاخِلَ كَنَائِسِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، وَهَذَا مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ y ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا عُمَرَ فِيمَا اشْتَرَطَهُ عَلَى النَّصَارَى.
عباد الله: أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ اجْتِنَابِ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ، وَتَحْرِيمِ مُشَارَكَتِهِمْ فِيهَا، أَوِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِهَا، أَوْ نَقْلِهَا إِلَى بِلَادِ المُسْلِمِينَ، أَوْ إِظْهَارِ الْفَرَحِ فِيهَا، أَوْ تَهْنِئَتِهِمْ بِهَا.
قال ابنُ تَيْمِيَّةَ: «الأعيادُ من جملةِ الشرعِ والمَناهِجِ والمَناسكِ التي قال تعالى عنها: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنَا مَنسَكاً هُـم نَاسِكُـوهُ)، كالقبلةِ، والصــلاةِ، والصيامِ، فلا فرقَ بين مشاركتِهم في العيدِ، وبين مشاركتِهم في سائرِ المَنَاهِجِ، فإنَّ المُوافَقةَ في جميعِ العيدِ موافَقةٌ في الكفرِ، والمُوافَقةَ في بعضِ فروعِـه موافَقةٌ في بعـضِ شُعَبِ الكفرِ، بلِ الأعيادُ هي من أخصِّ ما تتميَّزُ به الشرائعُ، ومن أظهرِ مالها من الشعائرِ، فالمُوافَقةُ فيها مُوافَقةٌ في أخصِّ شرائعِ الكفرِ، وأظهرِ شعائرِه » اهـ .
وَقال ابْنُ الْقَيِّمِ :" أَنَّ مَنْ هَنَّأَهُمْ بِعِيدِهِمْ كَانَ كَمَنْ هَنَّأَهُمْ بِالسُّجُودِ لِصُلْبَانِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ تَهْنِئَةِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ بِكَبَائِرِهِمْ، فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ تَهْنِئَةِ شَارِبِ الْـخَمْرِ بِشُرْبِهَا، وَأَعْظَمُ مِنْ تَهْنِئَةِ الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ، وَأَعْظَمُ مِنْ تَهْنِئَةِ الزَّانِي بِالزِّنَا".
وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعِيدَ شَعِيرَةٌ، وَمَا فِيهِ مِنْ مَظَاهِرِ الِاحْتِفَالِ هِيَ شَعَائِرُ الْعِيدِ، فَكَانَتِ التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ تَهْنِئَةً بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ التَّهْنِئَةِ بِالْكَبَائِرِ الَّتِي لَا تَصِلُ إِلَى حَدِّ الْكُفْرِ ".
وَكُلَّمَا كَانَ التَّشَبُّهُ –عباد الله- أَظْهَرَ كَانَ عَلَى الدِّينِ أَخْطَرَ، وَمُشَارَكَةُ الْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ أَوْ إِظْهَارُ الْفَرَحِ بِهَا هُوَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الظُّهُورِ، وَآخِرُ مَرَاحِلِ المُجَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَادَ هِيَ أَظْهَرُ الشَّعَائِرِ عِنْدَ الْأُمَمِ.
قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ :«وقد تبين لك أَنَّ مِنْ أَصْلِ دُرُوسِ دِينِ اللَّـهِ وَشَرَائِعِهِ، وَظُهُورِ الْكُفْرِ وَالمَعَاصِي: التَّشَبُّهَ بِالْكَافِرِينَ، كَمَا أَنَّ مِنْ أَصْلِ كُلِّ خَيْرٍ: المُحَافَظَةَ عَلَى سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَشَرَائِعِهِمْ؛ وَلِهَذَا عَظُمَ وَقْعُ الْبِدَعِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَشَبُّهٌ بِالْكُفَّارِ، فَكَيْفَ إِذَا جَمَعَتِ الْوَصْفَيْنِ؟ »أهـ.
فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بدينكم تفلحوا ( لكل أمةٍ جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازِعُنَّكَ في الأمر وادعُ إلى ربِّكِ إنَّكَ لعلى هدىً مستقيم ) بارك الله لي.....
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ... أَمَّا بَعْدُ: في هذه الأيامِ يتمُ الاحتفالُ بأكبر عِيدَيْنِ لِلنَّصَارَى، وَهُمَا: عِيدُ مِيلَادِ المَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَعِيدُ رَأْسِ السَّنَةِ المِيلَادِيَّةِ، وَتَعُمُّ الِاحْتِفَالَاتُ بِهِمَا أَرْجَاءَ الْأَرْضِ، وَتُفْتَتَحُ الْبَرَامِجُ وَنَشَرَاتُ الْأَخْبَارِ بِالتَّهْنِئَةِ بِهِمَا، وَتُنْقَلُ شَعَائِرُ الِاحْتِفَالِ بِهِمَا لَـحْظَةً بِلَحْظَةٍ فَتَصِلَ إِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ.
وَقَدْ يَسْتَغْرِبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ هَذَا التَّشْدِيدَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَعْيَادِ، وَمَنْعِهَا فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهَا مُجَرَّدُ احْتِفَالَاتٍ حَسَبَ رُؤَاهُمْ.
وَمَنْ قَرَأَ فِي تَارِيخِ الشَّعَائِرِ عَلِمَ كَيْفَ أَنَّهَا تَتَسَرَّبُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْلَفُوهَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ فَيَعْمَلُونَ بِهَا.
وَمِنْ أَقْرَبِ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ: هَذَانِ الْعِيدَانِ الْكَبِيرَانِ عِنْدَ النَّصَارَى؛ فَإِنَّ النَّصَارَى مُجْمِعُونَ عَلَى الِاحْتِفَالِ بِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ دِينِ المَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-فالْأُصُولُ الْوَثَنِيَّةُ لِهَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ عِنْدَ النَّصَارَى قَدْ أَثْبَتَهَا عَدَدٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ النَّصَارَى فِي أُصُولِ المُعْتَقَدَاتِ وَتَوَارِيخِهَا، وَالنَّصَارَى قَدِ اكْتَمَل تَغْيِيرُهُمْ لِدِينِ المَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-،
وَإِبْدَالُ الشَّعَائِرِ الْوَثَنِيَّةِ بِهِ بَعْدَ رَفْعِ المَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِثَلَاثَةِ قُرُونٍ فَقَطْ.
عباد الله: مَنْ ظَنَّ أَنَّ مِنَ التَّهْوِيلِ: التَّحْذِيرَ مِنِ ابْتِدَاعِ أَعْيَادٍ، وَالتَّحْذِيرَ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ، فَإِنَّمَا مَبْنَى ظَنِّهِ عَلَى الْـجَهْلِ أَوِ الْـهَوَى، فَمَا تَغَيَّرَ دِينُ النَّصَارَى مِنَ التَّوْحِيدِ إِلَى التَّثْلِيثِ، وَمِنَ الشَّعَائِرِ الرَّبَّانِيَّةِ إِلَى الشَّعَائِرِ الْوَثَنِيَّةِ إِلَّا لِأَنَّ رُهْبَانَهُمْ وَحُرَّاسَ دِينِهِمْ تَسَامَحُوا فِي مَسْأَلَتَيِ الِابْتِدَاعِ وَالتَّشَبُّهِ، حَتَّى اضْمَحَلَّ الْـحَقُّ مِنْ دِينِهِمْ وَامْتَلَأَ بِالْبَاطِلِ
( ومن تشبه بقومٍ فهو منهم ) أبو داود .
وَكَثْرَةُ المُشَارِكِينَ فِي الْبَاطِلِ وَالْفَرِحِينَ بِهِ لَا تُحِيلُ الْبَاطِلَ إِلَى حَقٍّ، وَلَا تُهَوِّنُ مِنْ شَنَاعَةِ الْبِدْعَةِ، وَلَا تَجْعَلُ كَبَائِرَ الذُّنُوبِ صَغَائِرَ ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )
ثم صَلُّوا وَسَلِّمُوا …
المرفقات
1735192373_لكل أمة عيدا.docx
1735192373_لكل أمة عيدا.pdf
أحمد بن علي الغامدي
خطبة رائعة
كعادتكم
فتح الله عليكم
تعديل التعليق