(لينفق ذو سعة من سعته)
عبدالرحمن عبدالعزيز القنوت
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ، اَلْوَاسِعِ الْبَاسِطِ، القائلِ في كتابه: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)، وَالْقَائِل جل جلاله: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنْ بَعْدِهِ)، فَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللَّهِ:
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
لَقَدْ غَلَبَتِ الْمَادَّةُ عَلَى حَيَاةِ النَّاسِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، حَتَّى تَبَدَّلَتْ مَعَايِيرُ التَّمَيُّزِ وَالنَّجَاحِ، وَاخْتَلَّتْ مَوَازِينُ التَّقْيِيمِ، وَأَصْبَحَتِ الْمَظَاهِرُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ وَالْكَمَالِيَّاتُ مِنْ أعلى المَعَايِيرِ، فَصَارَ يُنْظَرُ إِلَى مَنْ يَرْكَبُ السَّيَّارَاتِ الْفَارِهَةَ، أَوْ يَقْتَنِي أَغْلَى الْأَجْهِزَةِ، أَوْ يَسْكُنُ الدَّارَ الْوَاسِعَةَ مِمَّنْ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْبَنَانِ.
اَلْإِسْلَامُ لَا يَعِيبُ الظُّهُورَ بِمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عَبْدِهِ، قَالَ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ" (رواه الترمذي، وقال حديث حسن)، إِنَّمَا الْخَلَلُ فِيمَنْ يَظْهَرُ بِمُسْتَوَىً مِنَ الْعَيْشِ وَالرَّفَاهِيَةِ عَلَى حِسَابِ تَحَمُّلِ ذِمَّتِهِ مَا لَا تُطِيقُ، وَمَنْ يَتَمَلَّكُ وَيَقْتَنِي لَيْسَ مِنْ سَعَةٍ وَقُدْرَةٍ، وَإِنَّمَا بِالْقُرُوضِ الْمُثْقَلَةِ، وَالدُّيُونِ الْعَسِيرَةِ.
تَأَمَّلُوا -رَعَاكُمُ اللَّهُ- فِي حَالِ بَعْضِ النَّاسِ، تَجِدْ هَاتِفَهُ مِنْ أَغْلَى الْأَنْوَاعِ، وَسَيَّارَتَهُ حَدِيثَةً، وَأَثَاثٌ رَاقٍ، وَمَنْزِلُهُ فَاخِرٌ، وَلَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَعِيشُ بِضِيقٍ، وَيُصَارِعُ الدُّيُونَ، وَرُبَّمَا لَا يَمْلِكُ دَخْلًا ثَابِتًا، أَوْ يَعِيشُ عَلَى دَعْمٍ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ.
لَقَدْ أَرْشَدَ الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ إِلَى أُسْلُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّمَلُّكِ، وَذَلِكَ حِينَ علَّقَ تَعَالى الْإِنْفَاقَ بِالْقُدْرَةِ وَالْوُسْعِ فِيمَا أوجب، فَكَيْفَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ - وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُۥ فَلْيُنفِقْ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ﴾، فَمَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ فِي الْمَالِ فَلْيُنفِقْ مِنْ سَعَتِهِ دُونَ إِسْرَافٍ وَلَا تَبْذِيرٍ، وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَقُتِرَ فَلْيُنفِقْ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْهُ.
أَمَّا مَنْ أَنْفَقَ فَوْقَ طَاقَتِهِ، وتَجاوزَ حُدودَ وسعِه، وَاسْتَدَانَ لِلرَّفَاهِيَةِ، وَتَمَلَّكَ بِالْآجِلِ الْمُثْقَلِ لِلْكَاهِلِ، حَتَّى يَعِيشَ حَيَاةً لَيْسَتْ حَيَاتَهُ، وَيُسَايِرَ الْمُجْتَمَعَ، وَيَقْتَنِيَ أَشْيَاءَ وَكَمَالِيَّاتٍ أَكْثَرَ مِنْ وُسْعِهِ، فَقَدْ خَالَفَ التَّوْجِيهَ الْقُرْآنِيَّ، وَأَلْقَى حَيَاتَهُ لِلْمَخَاطِرِ، وَعَوَّدَ نَفْسَهُ السَّرَفَ وَالتَّبْذِير وَالْخُيَلَاءَ، وَكَانَ الْإِنْفَاقُ الْعَالِي عَادَةً لَهُ وَسَجِيَّةً.
إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي حَالِ الْبَعْضِ، يَجِدُهُ لَا يَمْتَلِكُ مِنْ دَخْلِهِ إِلَّا الْفُتَاتَ، بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ مُعْظَمُهُ إِلَى أَقْسَاطِ الْقُرُوضِ وَالْعَقَارَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ مَا يَفِي حَاجَاتِ أُسْرَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ؛ مِنْ طَعَامٍ وَدَوَاءٍ، وَفَوَاتِيرَ وَتَعْلِيمٍ.
كَمْ مِنَ الْبُيُوتِ اهْتَزَّتْ أَرْكَانُهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الدُّيُونِ! وَكَمْ مِنَ الْأُسَرِ تَفَكَّكَتْ لِأَنَّ الزَّوْجَ عَاجِزٌ عَنْ تَوْفِيرِ الْمَطَالِبِ بِسَبَبِ أَقْسَاطٍ أَثْقَلَتْ كَاهِلَهُ!
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ، وَالسَّلَامِ الْأُسَرِيِّ، وَالطُّمَأْنِينَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ: أَنْ يُنْفِقَ الْإِنْسَانُ وَفْقَ قُدْرَتِهِ، وفي مُستَوى طَاقَتِه، دُونَ إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ" (رواه أحمد، والطبراني)، أَيْ: مَا افْتَقَرَ مَنْ كَانَ مُعْتَدِلًا فِي نَفَقَتِهِ.
وَقَدْ ضَرَبَ لَنَا الْآبَاءُ مَثَلًا حَكِيمًا، حِينَ قَالُوا: "مُدَّ رِجْلَكَ عَلَى قَدِّ لِحَافِكَ"، أَيْ: لَا تَتَجَاوَزْ فِي إِنْفَاقِكَ حُدُودَ قُدْرَتِكَ، كَمَا لَا تَمُدَّ رِجْلَكَ فَتَخْرُجَ عَنْ غِطَائِكَ فَتَتَأَذَّى مِنَ الْبَرْدِ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ يَسَّرَتِ الْبُنُوكُ وَالشَّرِكَاتُ التِّجَارِيَّةُ الْقُرُوضَ، وَسَهَّلَتِ الْحُصُولَ عَلَيْهَا، وَتَسَابَقَتْ فِي عُرُوضِ الدَّفْعِ الْمُؤَجَّلِ، وَأَغْرَتِ الْمُسْتَثْمِرِينَ بِالتَّسْهِيلَاتِ الْبَنْكِيَّةِ، وَخَدَعَتِ الْمُسْتَهْلِكِينَ بِبِطَاقَاتِ الدَّفْعِ بِالْآجِلِ، حَتَّى أَصْبَحَ التَّمَلُّكُ السَّرِيعُ سُلُوكًا عَامًّا، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْقُدْرَةِ، وَأَعْلَى مِنَ الْوُسْعِ، وَبِدُونِ دِرَاسَةٍ.
لَقَدْ تَسَاهَلَ الْبَعْضُ فِي الدُّيُونِ مِنْ أَجْلِ الْكَمَالِيَّاتِ، وَأَصْبَحَ الدَّفْعُ بِالْآجِلِ مُنْتَشِرًا عِنْدَ ذَوِي الدَّخْلِ الْمَحْدُودِ، وغَزَتْ بِطاقاتُ الدَفعِ بالآجلِ الطلابَ وأَصْحَابَ الْمُكَافَآتِ الدِّرَاسِيَّةِ، فلا تسأل عن مستقبلِ من يَنشأ على الدُيونِ والقروض.
أيها الأحبة:
إِنَّ مَرْحَلَةَ الِازْدِهَارِ فِي الْقِطَاعِ الْعَقَارِيِّ مَعَ التَسْهِيلَاتِ الْبَنْكِيَّةِ لِلتَّمَلُّكِ، لَا يَعْنِي أَنْ يَخُوضَ الْجَمِيعُ هَذِهِ التَّجْرِبَةَ، فَكَمْ مِنْ أُنَاسٍ خَاضُوا وَغَرِقُوا، وَوَقَعُوا فِي "وَرْطَةٍ مَالِيَّةٍ" تَصِلُ إِلَى رُبْعِ قَرْنٍ، يَشُقُّ الْخُرُوجُ مِنْهَا.
إِنَّ فَتْحَ الْمَصَارِفِ التِّجَارِيَّةِ أَبْوَابَهَا لِلنَّاسِ، وَكَثْرَةَ الْمُنْتَجَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ الْمَالِيِّ، لَقَدْ شَهِدَتِ الْوِلَايَاتُ الْمُتَّحِدَةُ الْأَمْرِيكِيَّةُ أزمةَ عَام 2007م، كَانَ سَبَبُهَا الْقُرُوضَ الْعَقَارِيَّةَ، حِينَ بَدَأَ التَّوَسُّعُ فِي قُرُوضِ السَّكَنِ، ثُمَّ انْتَهَتْ بِتَشْرِيدِ الْمَلَايِينِ، وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمُ الْمَرْهُونَةِ، وَتَسَبَّبَ خَسَائِرَ فَادِحَةً، بِسَبَبِ الِاسْتِدَانَةِ فَوْقَ الطَّاقَةِ، وَالتَّعَلُّقِ بِوَهْمِ التَّمَلُّكِ دُونَ تَخْطِيطٍ.
إِنَّ مَنْ يَحْصُلُ عَلَى قُرُوضٍ عَالِيَةٍ، وَسَدَادُهَا يَتَجَاوَزُ ثُلُثَيْ دَخْلِهِ الشَّهْرِيِّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّهُ يَضَعُ نَفْسَهُ فِي عُنُقِ زُجَاجَةٍ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ وَأُسْرَتَهُ لِلضِّيقِ وَالْحَرَجِ.
عِبَادَ اللَّهِ:
لَقَدْ أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ حُبَّ الْمَالِ، ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾، وَهَذَا الْمَحَبَّةُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُوقِعَ الْمُسْلِمَ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ وَنَهَى، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوَّلًا أَنْ يَتَحَرَّى الْحَلَالَ قَبْلَ أَيِّ تَعَامُلٍ مَعَ الْبُنُوكِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْبِطَاقَاتِ، وَيَسْأَلَ عَنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْقُرُوضِ وَالتَّسْهِيلَاتِ الْمَالِيَّةِ، فَهُنَاكَ تَعَامُلَاتٌ رِبَوِيَّةٌ، لَا يَعْرِفُ حُرْمَتَهَا إِلَّا أَصْحَابُ الِاخْتِصَاصِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ، وَالتَّسَاهُلُ عَلَامَةُ خُسْرَانٍ، وَبِدَايَةُ هَلَاكٍ، وَمَحْقٌ لِلْمَالِ، قَالَ تَعَالَى ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾، وَقَدْ لَعَنَ ﷺ آكِلَ الرِّبَا، (متفق عليه)، وأخْبَرَ ﷺ: «اَلرِّبَا ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ» (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، كَيْفَ لِلْعَبْدِ أَنْ تَسْتَقِرَّ حَيَاتُهُ، وَتُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَهُوَ لَا يُبَالِي كَيْفَ حَصَلَ عَلَى الْمَالِ واكْتَسبَه، وَكَيْفَ أَنْفَقَه.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَنَا بِحَلَالِهِ عَنْ حَرَامِهِ، وَبِفَضْلِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللَّهِ: فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ الْحَصِيفَ، الْمُشْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ يَسْعَى جَاهِدًا عَلَى أَنْ يَلْقَى رَبَّهُ بَرِيءَ الذِّمَّةِ، غَيْرَ مُتَوَرِّطٍ بِحَقٍّ وَلَا مَظْلِمَةٍ وَلَا مُطَالَبَةٍ، فالْحِسَابَ ثَمَّ عَظِيمٌ، وَالْمَوْقِفَ جَلِيلٌ، بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.
وَإِنَّ مِمَّا تُسَاهِلَ فِيهِ الدُّيُونُ وَالِاقْتِرَاضُ دُونَ حَاجَةٍ مُلِحَّةٍ، أَوْ فَاقَةٍ تُرْفَعُ، إِنَّمَا لِأَجْلِ السَّفَرِ، أَوِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمُنَاسَبَاتِ، أَوْ شِرَاءِ الْكَمَالِيَّاتِ وَإِظْهَارِ الزِّينَةِ وَالتَّحْسِينَاتِ، خَاصَّةً فِي ظِلِّ تَسْهِيلِ الْبُنُوكِ لِلِاقْتِرَاضِ.
وَلْنَعْلَمَ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْغَلُ ذِمَّةَ الْمُؤْمِنِ، وَيُثْقِلُ كَاهِلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الدَّيْنَ، فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُغْفَرُ مَهْمَا بَلَغَ صَلَاحُ الْمُؤْمِنِ، وَلَوْ قُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ.
وَيَقُولُ ﷺ: "يَغْفِرُ اللَّهُ لِلشَّهِيدِ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ". (رواه مسلم).
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يُصَلِّي عَلَى جَنَازَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، جَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا، فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا لَهُ: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطًى ثُمَّ قَالَ: "أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟!"، قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ ﷺ حَتَّى تَحَمَّلَهُمَا عَنْهُ أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (رواه أحمد).
فَالدَّيْنُ هَمُّ اللَّيْلِ، وَذُلُّ النَّهَارِ، يُزْعِجُ الْقُلُوبَ وَيُشَتِّتُ الْأَفْكَارَ. اَلْمَدْيُونُ مَهْمُومٌ مَغْمُومٌ وَلَوْ رَآهُ النَّاسُ فَرِحًا مَسْرُورًا؛ وَلَقَدْ كَانَ ﷺ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الدَّيْنِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ). (متفق عليه).
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ:
عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ وَمَنْ حَوْلَكُمْ ثَقَافَةَ الْقَصْدِ فِي الْعَيْشِ، وَالشِّرَاءَ عَلَى الْقَدْرِ، وَرَبُّوهُمْ عَلَى الْقَنَاعَةِ، وَكُونُوا وَاقِعِيِّينَ فِي تَطَلُّعَاتِكُمْ، وتَحرَّرُوا من الديون، وَلَا تَجْعَلُوا أَنْفُسَكُمْ أُسَرَى للشركات، وَلَا عَبِيدًا للْبُنُوكِ، وَلا رهنا للْقُرُوضِ طَوِيلَةِ الْأَمَدِ.
اِجْعَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى شِعَارًا لِحَيَاتِكُمْ: ﴿ لیُنفِقۡ ذُو سَعَةࣲ مِّن سَعَتِهِ ومن قُدِرَ عَلَیۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾.
اللَّهُمَّ اكْفِنا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ.
المرفقات
1745151436_خطبة. لينفق ذو سعة من سعته - جوال-.pdf
1745151442_خطبة. لينفق ذو سعة من سعته.pdf