ما موقفك تجاه نعمةِ الصحة والفراغ, والصراعات والأخبار؟ 24 / 12 / 1446

أحمد بن ناصر الطيار
1446/12/23 - 2025/06/19 13:51PM

الحمد الذي لا حَدّ لعطائه، ولا منتهى لكرمه, ولا رادّ لقضائه، ولا يُحيطُ أحدٌ بعلمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكمة البالغة, والمشيئة النافذة, وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله, أعلم الناس بربه, وأشدُّهم تمسكًا بدينه, صلى الله وسلم عليه, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

معاشر المسلمين: إنّ من أعظم نعم الله على العبد، أنّ يهب له صحةً في بدنه، وفراغًا في وقته، ويوفّقه لاستثمار هاتين النعمتين فيما ينفعه.

وما أكثَرَ من غُبن فيهما، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: ‌الصِّحَّةُ ‌وَالْفَرَاغُ».

وكان الحسن البصريُّ رحمه الله يومًا في جنازة، فقال: رحم الله امرءا عمل لمثل هذا اليوم، إنكم اليوم تقدرون على ما لا يقدر عليه إخوانكم هؤلاء من أهل القبور، فاغتنموا الصحةَ والفراغَ قبل يوم الفزع والحساب.

فاغتنم – أخي المسلمُ – الفراغ, ولا تضيّع هذه النعمة في اللهو واللعب، فما لهذا خُلقت.

مرّ بعض الصالحين على قوم وهم يلعبون, فقال: مالكم؟ قالوا: فرغنا اليوم, قال: ما بهذا أُمر الفارغ.

يشير إلى قوله تعالى: " وإذا فرغت فانصب".

ولا يخطر في بال كثير من الناس في الإجازات, إلا ملْأُ فراغهم بالتنَزّه واللعب، وما بهذا أمر اللهُ الفارغ.

قال ابن القيم رحمه الله: "وعمارة الوقت: الاشتغال في جميع آنائه بما يُقربه إلى الله، أو يُعين على ذلك، من مأكل أو مشرب، أو منكح أو منام أو راحة، فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله، وتجنّب ما يُسخطه، كانت من عمارة الوقت، وإن كان فيها أتمّ لذة، فلا تحسبْ عمارةَ الوقت بهجْر اللذات والطيبات". ا.ه

واغتنم نعمة الصحةَ قبل أن تُحرَم منها, "ولَمَّا كانت الصِّحَّة والعافية من أجلِّ نعمِ الله على عبده، وأجزلِ عطاياه وأوفرِ مِنَحِه، بل العافية المطلقة أجلُّ النِّعم على الإطلاق، فحقيقٌ لمن رُزِق حظًّا من التَّوفيق مراعاتُها وحفظُها، وحمايتُها عمَّا يضادُّها"[1]، فيحرص على العناية ببدنه، من جهة جود الطعام والشراب، وعدمِ الإكثار منهما، والعنايةِ بالنوم المبكر، فالسّهر من أعظم أسباب أمراض البدن.

وأنت مسؤول يوم القيامة عن صحتك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوَّل ما يُسْأل عنه العبدُ يوم القيامة من النَّعيم أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمَك، ونُرْوِك من الماء البارد؟».

فيا من أصحّ الله جسمك, هل شكرت الله على هذه النعمة؟ هل استعلتها فيما يُرضيه؟

حاسب نفسك اليوم قبل أن تُحاسَب غدًا.

وقد انقسم الناس تجاه هاتين النعمتين إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: من أحسن استثمارهما فيما فيه صلاحُ دينه ودنياه، فأشغل بدنه فيما يُرضي ربه، وملأ وقته فيما ينفعُه.

القسم الثاني: من أساء استثمارهما، فهذا أشد الناس خسارة وندامة في الدنيا والآخرة.

القسم الثالث: من أحسن في العناية ببدنه، لكنه أساء استثمار نعمة الوقت، كحال أهل الدنيا المترفين، الذين يحرصون على دنياهم، ويُهملون أمور دينهم.

القسم الرابع: من أحسن استثمار نعمة الوقت، وأساء في العناية ببدنه، فربما أصابته الأمراض والسمنة بسبب إهماله أو جشعه، فيعجز عن كثير من الطاعات والعبادات.

وهذا لا ينبغي، فلبدنك عليك حقّ، وحينما عزم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما على أن يصوم النهار ويقوم الليل، قالَ له رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عبدَ الله، صُم وأفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فَإنَّ لِجَسدِكَ ‌عَلَيك ‌حَقًّا"، فبيّن له سبب نهْيِه عن الإكثار من الصيام والقيام، أنه يُضرّ بجسده، وكذلك من أكثر من أكل الطعام، ولم يعتن بجودتِه، ولم يعتن برياضةِ المشي وغيرِها، فهو منهيٌّ عن ذلك.

نسأل الله تعالى أن يُبارك لنا في أوقاتنا, وأن يُعافينا في أبداننا, إنه سميعٌ قريب مجيب.

***************

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: معاشر المسلمين: إنّ ما يحدث من فتن وحروب وصراعات لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: إذا كانت تتعلّق بالإسلام والمسلمين، فينبغي للمسلم أن يعرف ما يحدث مجملا لا تفصيلا، فيدعو للمسلمين، ويفرحُ لفرحهم، ويحزنُ لمصابهم.

الحالة الثانية: إذا كانت لا تعلق بالإسلام ولا بالمسلمين، فلا ينبغي له أن يعرف ما يحدث؛ لأنه لا يترتب على معرفتها منفعةٌ في دينه ولا دنياه.

ومتابعةُ أخبارِها تُضَيِّع الوقت، وتشتّت الفكر، وتُقسّي القلب، وتُشْغل عما هو أنفع وأهمّ.

وإذا حصلت نزاعات بين عدوّين للإسلام والمسلمين، فإننا نفرح بذلك، لأنها من مكر الله بهم، ورحمتِه بنا، حيث أشْغل أعداءنا عنّا.

وإذا أراد الله بالمسلمين خيرًا جمعهم وفرّق أعداءهم، وألفّ بينهم وألقى العداوة والصراع بين أعدائهم.

نسأل الله أن يجعل بأس الظالمين فيما بينهم، وأنْ يصرف كيدهم وشرّهم عن المسلمين، إنه على كل شيء قدير.

 

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

[1] - زاد المعاد (4/ 306)

المشاهدات 529 | التعليقات 0