محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/02/13 - 2025/08/07 19:29PM

محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم

الخطبة الأولى

 الحمد لله الذي بعث نبيه محمدا سراجا منيرا، وجعل محبته واتباعه دينا قويما ،  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى: ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾ .

عباد الله: امتن الله على عباده ببعثة نبيه ﷺ ، خاتم النبيين وإمام المرسلين ، ورحمة الله للعالمين ، أرسله الله للناس كافة بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، هدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة ، وأرشد به من

الغواية ، لم يدع خيرا إلا أمر به، ولا شرا إلا نهى عنه.

جمع الله لنبيه ﷺ من الصفات والخصائص ، ما لم يجمعه لبشر، وافترض على العباد الإيمان به وتوقيره، والقيام بحقوقه، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، والصلاة عليه والتسليم ، ونشر شريعته بالعلم والتعليم، وجعل الطرق مسدودة

عن جنته ؛ إلا من سلك طريقه واعترف بمحبته، فحق على كل مسلم أن يعظمه ويجله ويحبه ، أكثر من كل عبد لسيده ، وكل ولد لوالده ، فذلك من أصول الدين ، وبها بلوغ أعلى مراتب الدين ،  قال ﷺ  "  لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب

إليه من والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري.

عباد الله : وقد  اختار الله لهذا النبي الكريم أنصارا عدولا ، وصحابة كراما ، بذلوا أنفسهم وأموالهم ، في سبيل نصرته ونصرة دينه ؛ ففازوا بكل فضيلة ، وتبوؤا المكانة العلية ، وسبقوا إلى الجنان والرضوان ، ﴿ والسابقون الأولون من

المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ﴾التوبة:100.

عباد الله : والصحابة الكرام رضي الله عنهم هم أكثر الناس تعظيما وتوقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم  ؛ فهم أعرف الأمة به ، فقد عايشوا حياته، وشهدوا معجزاته ،  ورأوا أخلاقه ، ورحمته بأمته ، قال عروة بن مسعود رضي الله عنه 

في صلح الحديبية وكان مشركا : والله لقد وفدت على الملوك ، على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط؛ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه

وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له " رواه البخاري .

وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يصف توقير الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم ،  قال :" وسكت الناس ، كأن على رءوسهم الطير " رواه البخاري .

وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "وما كان أحد ، أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه ، وما كنت  أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له " رواه مسلم.

ولما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ .أ.هـ.

وقد ترجم ذلك عمليا ؛ حينما نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ، مع علمه بأن قريشا قدموا لقتل نبيه ، فقدم نفسه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، يتذكر يوم أن حزن النبي صلى الله عليه وسلم على موت عمه أبي طالب ، حين مات على الكفر ، فلما كان يوم فتح مكة ، وجيء بأبي قحافة والد أبي بكر ليعلن إسلامه ، قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب ، كان أقر  لعيني من إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك يا رسول الله .أ.هـ. صححه ابن حجر  .

وذلك من شدة حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتقديم ما يحبه على ما تحبه نفوسهم .

وهذه امرأة من الأنصار مات أبوها وأخوها وزوجها في غزوة أحد ، فلما نعوا لها قالت : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : خيرا يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين ، قالت : أرنيه حتى أنظر إليه ، فأشير لها إليه حتى إذا

رأته قالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا أبالي إذا سلمت ، كل مصيبة بعدك جلل ، أي هيّنة .أ.هـ.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.        

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،       أما بعد :

 

عباد الله: لقد أحب الصحابة رضي الله عنهم  نبيهم صلى الله عليه وسلم  ،  ورخص في سبيل هذه المحبة كل غال ونفيس ، فضربوا لمن بعدهم أروع الأمثلة في محبته صلى الله عليه وسلم ، وتوقيره والدفاع عنه ، وعن هديه وسنته.

لقد رأى الصحابة رضي الله عنهم النبات والجماد والحيوان ، وهي تكلمه ، وتنقاد له وتسلم عليه ، محبة وإعظاما وإجلالا له ، فكيف بهم وقد خالطوه وعايشوه وعاملوه .

عباد الله : ومن روائع قصص الصحابة رضي الله عنهم في حبهم للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وتعظيمه ، شوقهم وحنينهم إليه بعد وفاته، فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه ، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد امتلأ قلبه حبا

للنبي الكريم ، فكم نادى : بأشهد أن محمدا رسول الله، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم  ضحى يوم الاثنين ، صعد بلال المنبر ليؤذن الظهر، فلما بلغ: أشهد أن محمدا رسول الله ، بكى وبكى معه الصحابة رضي الله عنهم  ، ولم

يستطع أن يكمل الأذان ، فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال بلال: والله لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وبعد سنوات طويلة قدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه  إلى الشام ، ومعه كبار الصحابة ،  فسأل المسلمون عمر أن يسأل لهم بلالا ليؤذن لهم ،  فسأله فأذن لهم يوما ، فلما بلغ: أشهد أن محمدا رسول الله ؛ بكى رضي الله

عنه كثيرا ، وضج الناس بالبكاء .أ.ه.

عباد الله: والواجب على من جاء بعدهم أن يسير على نهجهم ، وأن يقتفي آثارهم ، في محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي اتباع أمره ، والاقتداء بهديه ، والأخذ بسنته ، والعمل بشرعه ، فذلك عنوان الفلاح ، وسبب لمرافقة الأنبياء

والصديقين والشهداء ، قال تعالى: ﴿ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ﴾ النساء: 69.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

المرفقات

1754584164_2محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم خطبة.docx

1754584165_2محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم خطبة.pdf

المشاهدات 473 | التعليقات 0