محرم وعاشوراء والإنجاء من البلاء
حامد الشثري
عنوان الخطبة: محرم وعاشوراء والانجاء من الابتلاء 02/01/1447هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للامة، وجاهد في الله حق الجهاد، حتى أتاه اليقين.
إن الصلاة على النبي غنيمةٌ
نُجـزى علـى ترديدها و نُثـابُ
صلـى عليـك الله يا خير الورى
ما ناح قُمـريٌ ... و خطّ كتـاب
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
أما بعد: ألفٌ وأربعٌ مئةٍ وسبعٍ وأربعينَ عاماً مضت على هجرة المصطفى - صلى الله وعليه وسلم - إلى الديار المباركة، إلى طيبة وطابة والمدينةُ المنورة، أنشأ دولة الإسلام، وأقام أعظم بنيان، (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ)، مع أعظم رجال، (رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا) فكان تاريخُنا الهجريٌ مرتبطٌ بأعظمِ حدثٍ، وأهم إنجاز، فاللهم اجعل عامنا عام عز وبركة وتمكين ونصر للإسلام والمسلمين، اللهم آمين.
أيها المؤمنون: نعودُ إلى ذلك الرعيل الأول، والجيل الطاهر، والصحبة الصادقة، وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم – بينهم يخبرهم أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ رَمَضانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ)، رواه مسلم، الصيام شأنه عند الله عظيم، وفيه قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (الصوم جنة)، رواه البخاري، وقال - صلى الله عليه وسلم - (عليك بالصوم فإنه لا عدل له) أي لا مثل له، رواه النسائي وأحمد، وقال - صلى الله عليه وسلم - (من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) رواه البخاري ومسلم، ومع فضائل الصيام هذه، إلا أن الصوم في شهر الله المحرم له مزية أعظم، وأجر أكبر، وفي شهر الله المحرم، يومٌ عظيم، هو يوم عاشوراء، العاشر من شهر الله المحرم، ثوابُ صيامه عند الله عز وجل تكفير سيئات سنة، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سُأل عن صيام يوم عاشورا قال :( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صيام يوم فضَّله على غيره، إلاَّ هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر؛ يعني: شهر رمضان" رواه البخاري.
أيها المؤمنون: وحرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على مخالفة الكفار في عباداتهم وأعمالهم، فأمرَ بصيام اليوم التاسع مع العاشر؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمرَ بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا كان العام المُقبل إن شاء الله صُمنا اليوم التاسع)؛ رواه مسلم، وأفضل الأحوال في صوم عاشوراء أن يصوم التاسع والعاشر، ثم العاشر والحادي عشر، ثم صيام العاشر منفرداً، وقد كرهه بعض العلماء، ومن لم يتيسر له صيام يوم قبله وبعده، فلا أقل من صيامه منفرداً، وفي هذا العام سيوافق صيام عاشوراء يوم السبت، ولا مانع من صيامه منفرداً لمن لم يتيسر له صيام يوم قبله أو بعده.
أيها المؤمنون: ولما قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ،فَقَالَ مَا هَذَا؟! قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ." رواه البخاري.
وهذا اليوم العظيم، يُذكِرُ بإنجاء الله لأوليائه وأصفيائه، يُذكرنا بما مر بموسى عليه السلام من الابتلاءات، أُلقي في اليم وهو رضيع، فأعاده الله إلى أمه لتقر عينها ولا تحزن، وقتل قبطياً فنجاه الله بنداء الرجل له وحماه، فخرج خائفاً إلى مدين فآواه الله ونجاه، فتزوج ورزقه الله وكفاه، أعطاه الله النبوة وكلمه كفاحاً وناداه، وأرسله إلى فرعون وأمده بهارون وزيراً وما قلاه، ونصره على السحرة فألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما سواه، ولما حان وقت الانتقام، من الطاغية فرعون وحاشيته، أخرجهم الله (مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ)، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ)، وكان فرعون خلفهم والبحر أمامهم، (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، لكن موسى العبد المؤمن، الذي ذاق فعرف، ومن معين ربه اغترف، العبد الموحد المتوكلِ على الله تعالى، الذي أحسن الظن بربه في سره ونجواه، وتعرف على ربه في يسره ورخاه، فعرفه في شدته وبلواه، قال: (قَالَ كَلَّا .. إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) فأتى فرج الله تباعاً (فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ) (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ)، (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)
يعلمنا عاشوراء أن هذا هو انجاء الله لأوليائه، والمؤمنون من أصفيائه، والخُلّصُ من عباده، وأن من أحسن الظن بمولاه، وصدق اللجأ في سره ونجواه، وأنطرح بين يدي خالقه ومولاه، كان له الفرج والنصر، والتأييد والظفر.
فاللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ويسر أمورنا وحقق فيما يرضيك آمالنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني واياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر الأمة فاستغفروا ربي وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله منجي المؤمنين، وناصر عباده المتقين، والصلاة والسلام على الهادي البشير، الصابر على الضراء والشاكر في السراء، والقانت في حلك الظلام وعند الرخاء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد، ثم أما بعد..
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صل الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله منها
ثم أعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه فقال ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وأرض اللهم عن الأربعة الخلافاء الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين وعنا معهم بفضلك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وأجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والوباء والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يارب العالمين، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده وأعوانهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يارب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل أثر، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، يا عزيز يا غفار، اللهم كن لاخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم أنصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك، وأنصرهم على القوم الكافرين، اللهم عليك بعدوك وعدوهم، اللهم اكفناهم بما شئت وأنت السميع العليم، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا ومقدساتنا بسوء أو فتنة فأشغله في نفسه ورد كيده إلى نحره وأجعل تدبيره تدميراً عليه يارب العالمين
اللهم أغفر لوالدينا وأرحمهم وتجاوز عنهم يا رحيم
اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين أجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا
اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
المرفقات
1750958836_للجوال - محرم وعاشوراء والإنجاء من الإبتلاء 02-01-1447هـ.pdf
1750959069_محرم وعاشوراء والإنجاء من الإبتلاء 02-01-1447هـ.docx
1750959098_محرم وعاشوراء والإنجاء من الإبتلاء 02-01-1447هـ.pdf