مدرسة رمضان على الأبواب.
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
1446/08/21 - 2025/02/20 17:46PM
مدرسة رمضان على الأبواب!
الحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وأرانا في خَلْقِهِ وأمرِه شيئًا من عظمته، وأرانا في آياته ما يدل على وحدانيته، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنُّهى، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الملتقى؛ أما بعد:
فإن التقوى جِماع الخير كله؛ لذا تكرَّر في القرآن والسنة الأمرُ بها؛ فهي سبيل الرَّشاد والفلاح في الدنيا والآخرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
لقد طال الشوق لرؤية هلاله، وتتبَّع الناس بلهف خبر مَقْدِمه، وبدأ الناس البشارات بحُلُوله، وتهيَّأت النفوس لمقدمه، وعطِرت المساجد بأنفاس أهله، واشتاقت الآذان لسماع القرآن في التراويح وتلاوته، فما أجمل المساجد حين تزيَّنت بِحِلَقِ الذِّكر والقرآن التي تحُفُّها ملائك الرحمن السَّيَّارة!
عباد الله! مدرسة عظيمة! خيرها كثير وأثرها جميل من يدخلها فينجح يفوز ويسعد في الدنيا والآخرة..
هذه المدرسة فرصة عظيمة لتغيير حياتك للأفضل في كل شيء..
ستفتح أبوابها بعد أيام قليلة .. فاللهم بلغنا ووفقنا للالتحاق بها! ثم السؤال إن التحقنا بها هل نتخرج منها ناجحين أم سنكون في تعداد الراسبين المحرومين !! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
إنها مدرسة رمضان .. مدرسة التقوى والقرآن .. وموسم الرحمة والغفران .. والعتق من النيران .
أيام معدودة وتستقبِل الأمّة هذا الزائرَ المحبوب بفرحٍ غامِر ، وسرورٍ ظاهر..
يا رَمَضان، إنّ يومَ إقبالك لهوَ يومٌ تتفتح له قلوبُنا وصدورُنا، وتمتليء فيه نفوسنا غبطةً وأمَلاً، نستبشر بعودةِ فضائِك الطاهر الذي تسبَح به أرواحُنا بعد جفافِها وركودِها، نستبشر بساعةِ صلحٍ مع الطاعاتِ بعدَ طول إعراضِنا وإباقنا، أعاننا الله على بِرِّك ورفدِك، فكم تاقت لك الأرواحُ وهفَت لشدوِ أذانِك الآذانُ وهمَت سحائبُك الندِيّة هتّانةً بالرّحمة والغفران .
عبادَ الله، مَن مِنَ المسلمين لا يعرِف فضلَ هذا الشهرِ وقدرَه، فهو سيِّد الشهور وخيرُها، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، من صامه وقامه غفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر، وقد ثبت في الصحيحَين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن صام رمَضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه .
إن بلوغ رمضان نعمة عظيمة ، وفضل كبير من الله تعالى ، حتى إن العبد ببلوغ رمضان وصيامه وقيامه لربما سبق الشهداء في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان.
فعن طلحة بن عبيدالله أن رجلين من بلى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا فكان أحدهما أشدَ اجتهادا من الآخر ، فغزا المجتهد منهما فاستشهد ، ثم مكث الآخر بعده سنة ، ثم توفي ، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة ، إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ، ثم خرج فأذن للذي استشهد ، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس ، فعجبوا لذلك ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثوه الحديث ، فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله ، هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ، ودخل هذا الآخر الجنة قبله!!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى . قال: وأدرك رمضان ، فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة ، قالوا: بلى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض . رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
الله أكبر .. إنه رمضان شهرُ المرابح ، زائرٌ زاهر، وشهر عاطِر، فضلُه ظاهر، بالخيراتِ زاخر، فحُثّوا حزمَ جزمِكم، وأروا الله خيرًا مِن أنفسكم، فبالجدّ فاز من فاز، وبالعزم جازَ مَن جاز،
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائمُ
واعلَموا أنّ من دام كسله خاب أمله، وتحقَّق فشله، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يجتهِد في رمضانَ ما لا يجتهِد في غيره. أخرجه مسلم.
رمضان .. شهرُ القبول والسّعود ، والعتقِ والجود ، والترقّي والصّعود، فيا خسارة أهلِ الرّقود والصّدود، فعن أنس رضي الله عنه قال النبيّ : ((قال الله عزّ وجلّ: إذا تقرب العبد إلي شبرًا تقرّبت إليه ذِراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة)) أخرجه البخاري .
فالله الله يا عبد الله!
أن تعد العدة لدخول مدرسة رمضان
وهناك اختبار للقبول في هذه المدرسة
فيجب عليك للقبول فيها أن يتوفر فيك شرطين اثنين
الأول الإخلاص لله تعالي والثاني المتابعة لرسول الله ﷺ في جميع أقوالك أعمالك فمدرسة رمضان تحتاج إلى صدق في القلب وصدق في العمل وصدق في التأسي بالنبي ﷺ والجميل أن إنجازك في هذه المدرسة المباركة يعتمد عليك في المقام الأول فهذه المدرسة لا حد للخير فيها فكلما زدت عملا زادتك خيرا ولذة وفرحةً وسعادةً في الدنيا والآخرة..
أعدوا العدة لاستقبال أعظم الشهور وأفضلها واستعينوا بالله ولا تكسلوا ولا تعجزوا بلغني الله وإياكم شهر القرآن ووفقنا فيها للخير والطاعات أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها الصائمون الْمُصَلُّون، أعِدُّوا للشهر عُدَّته، واقدروا لله قدره، وأرُوا الله من أنفسكم خيرًا؛ فالفرصة الممنوحة لنا جميعًا كبيرة، ولتعلم جميعًا أن أيام هذا الشهر تُقضى سريعًا بحسناتها وسيئاتها.
عبدالله، الطاعة صبر ساعة يعقُبها سعادة ولذة وسلوا إن شئتم أهل الطاعات وعُمار المساجد والتاليات للآيات عن شعورهم بعد أن ينتهوا من طاعاتهم سلوهم عن الراحة والسكينة ، قلتُ هذا في الدنيا فكيف بما ينتظرهم في الآخرة! من النعيم والخير المقيم..
وأما المعصية فهي لذة مؤقتة يعقبها حسرة وندامة، واخْتَرْ لنفسك؛ وتأمل قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
اللهم بلغنا رمضان ونحن في أحسن حال
اللهم بلغنا وأحبابنا شهر رمضان بلوغا يرضيك عنا واجعلنا ممن صامه وقامه كما تحب وترضى..
وأعنا على طاعتك وقونا عليها وأعذنا اللهم من الكسل والعجز يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظِّمين لِما نَهيتَ عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لِما تحب وترضى، وخُذْ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم كن لرجال أمننا في الداخل وعلى حدود بلادنا ، وجازِهم خير الجزاء، اللهم اقْبَل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازِهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطِلْ عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة، فارحمه رحمة من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.
اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهِدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم جازِهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا يا رب العالمين.
اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، ووفِّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.
اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا، وإخواننا وأخواتنا، ومن لهم حق علينا يا رب العالمين.
اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن للمستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم كن لهم في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمُد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك، وعظيم عطائك، اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم كان منهم حيًّا فأطل عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا، فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء، وجميع أموات المسلمين، يا أرحم الراحمين.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]، وصلِّ الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.