مرحبا بالموت

بسم الله الرحمن الرحيم
مرحباً بالموت
الحمد لله
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله... )
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو إمام العلماء يوم القيامة، عند موته : مرحباً بالموت مرحباً، زائر جاء بعد غيبة، وحبيب جاء على فاقة، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك ولكني اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أنني لم أحب الدنيا لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر.
رحب بالموت اشتياقاً إلى الله سبحانه(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) واشتياقاً إلى حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صاحبه منذ شبابه وعمره 18 سنة، أي أنه قضى مع النبي صلى الله عليه وسلم 12 سنة كان قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وبشره النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحبه، رحب بالموت لأنه أدَّى ما عليه تجاه ربه وأمته من نشر العلم والسنة، وتطبيقها. 
وهكذا من اشتاق للقاء الله سبحانه فهو يستعجل ذلك اللقاء الكريم(وعجلت إليك رب لترضى)، فقد قال بلال رضي الله عنه: غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه. وكذلك قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: يا موت غط غطك، جاء رغد العيش بعدك، أبى قلبي إلا حبك. وقال أبوالدرداء: أحب الموت اشتياقاً لربي.
ومن خاف الفتنة في دينه فلا ينجيه منها إلا الموت، وقد قال يوسف عليه السلام (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم(وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)
ومن أراد أن يلقى الله سبحانه بعمل صالح يموت عليه كالسجود، أو الصيام، أو قراءة القرآن، أو الصلاة، أو السعي على الأرامل والأيتام فإنه يحب الموت على تلك الحال، ولا أفضل من الموت في طاعة الله، وذروة سنام الطاعات الجهاد في سبيل الله، لذلك تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم الشهادة في سبيله، وتمناها الصحابة رضي الله عنهم، مع أنها مقتلة وخروج من الحياة الدنيا، ولكن الانتقال فيها غالباً إلى الجنة، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، وددت أني أقاتل في سبيل فأُقْتل، ثم أُحيا، ثم أُقتل، ثم أُحيا، ثم أُقتل)) رواه البخاري.
وأسلم أحد الأعراب، ثم شارك في إحدى الغزوات، فغنموا فأعطوه شيئاً من الغنيمة، فقال: ما هذا ؟ قالوا: قَسْمٌ قَسمَهُ لَكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ . فأخذَهُ فجاءَ بِهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا مُحمَّدُ ، ما هذا ؟ قالَ: قَسمتُهُ لَكَ . قالَ: ما على هذا اتَّبعتُكَ ، ولَكِنِّي اتَّبعتُكَ على أن أُرمَى هاهُنا وأشارَ إلى حلقِهِ بسَهْمٍ فأموتَ وأدخلَ الجنَّةَ . فقالَ: إن تَصدُقِ اللَّهَ يَصدُقْكَ فلبثوا قليلًا ، ثمَّ نَهَضوا إلى العدوِّ ، فأتى بِهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يُحمَلُ ، قد أصابَهُ سَهْمٌ حيثُ أشارَ . فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أَهوَ هوَ ؟ قالوا: نعَم قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ وَكَفَّنَهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في جُبَّةٍ ، ثمَّ قدَّمَهُ فصلَّى عليهِ . 
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لولا ثلاث في الدنيا لَما أحببت البقاء فيها؛ لولا أن أحمل أو أجهز جيشًا في سبيل الله، ولولا مكابدة هذا الليل، ولولا مجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقَى أطايب الثمر، لَما أحببت البقاء"
وكان من دعائه رضي الله عنه في آخر عمره: "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك، قالت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها: فقلت: أنى يكون هذا؟ أي كيف يرزقك الله الشهادة، وليس في المدينة جهاد؟ قال: يأتيني به الله إذا شاء" فحقق الله سبحانه ما أراد فقتل شهيداً في المدينة.
وكذلك سائر الطاعات التي يموت عليها المسلم فترجى له الجنة، قال صلى الله عليه وسلم (مَن قال : لا إلهَ إلا اللهُ خُتِمَ له بِها دخل الجنةَ، و من صامَ يومًا ابْتغاءَ وجْه اللهِ خُتِمَ له به دخلَ الجنةَ، ومَن تصدَّقَ بصدقةٍ ابْتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ له بِها دخل الجنةَ) رواه أحمد بسند صحيح.
***********
تحسنون الموت يا أبرار في حب الإله**ومراد الله ليس الموت بل صنع الحياة
الموت خير فيما سبق من أحوال، ولكنها الاستثناء ، والأصل هو الحياة والعيش في الدنيا وعمارتها بالخير والذكر والعبادة، ليتحقق مراد الله سبحانه في الأرض (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وليسود الخير في العالم، ويندحر الباطل والشر، ويغلب الشياطين. 
ومن لم يكن من أهل تلك المراتب السابقة، فليتمنّ الحياة ويحرص عليها لقوله صلى الله عليه وسلم(خيركم من طال عمره وحسن عمله) وقوله صلى الله عليه وسلم(لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به، وإن كان لا بد فليقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) و في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا" ، وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من السعادة أن يطول عمر العبد، ويرزقه الله عز وجل الإنابة)رواه أحمد بسند صحيح.
طول عمر المؤمن في الطاعة ينشر الخير في المجتمع، ويثبته، ويكون قدوة لمن بعده من الشباب، ويمنحه الاستزادة من العلم والعمل والحكمة. بخلاف طول عمر الكافر والفاجر والمفسد فأولئك يزيدهم طول عمرهم قرباً من النار وبعداً عن الجنة، (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين)
 
 
 
المرفقات

1747997780_مرحبا بالموت.docx

المشاهدات 29 | التعليقات 0