مطبوعة مشكّلة/ شعبان.. مشروعك الزكوي للضيف الكبير
عبدالكريم الخنيفر
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد ألا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا…
عبادَ الله، أوصيكم بتقوى الله، فإنها السبيل إلى الصلاح والزيادة في الخير، ثم إلى الفلاح في الآخرة، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
عبادَ الله، إنَّ من حكمةِ اللهِ البالغةِ في هذه الدنيا أنْ جعلَ لكلِّ شيءٍ قَدْرًا، ووضعَ الميزانَ للناس؛ ليعرِفوا مقاديرَ الأشياءِ ويَقيسوا الأمور، فيدركوا الصحيحَ من السقيم، ويميِّزوا الأولوياتِ، فيعطوا كلَّ شيءٍ قدرَه.
ومن تقديرِ الأشياءِ الكبيرةِ أن يُستعدَّ لها بما يناسبُها..
ألا ترونَ الطالبَ يَظلُّ عاكفًا على دروسِهِ وقتًا طويلا يُناسبُ قدرَ المقرَّر، وكذلكَ الذي يمارسُ الرياضةَ لا يمكنُ أن يحملَ الأوزانَ الثقيلةَ إلا بعد زمنٍ مرَّنَ فيه عضلاتِهِ وهيَّأ بدنَه للحِمْلِ الثقيل.
هذا في شؤونِ الناسِ وأمورِهم، لكن ..
هل ينطبقُ ذلك على العباداتِ والطاعات؟ أم أنَّ العبدَ يُلهَمُ أداءَ العبادةِ وفقَ ما أمرَ اللهُ في كلِّ حيٍن وعلى أي حالٍ، فلا يحتاجُ إلى أن يستعدَّ لها بما يستحقها؟
الحقيقةُ يا عبادَ الله أنَّ ميزانَ المقاديرِ منطبقٌ على العباداتِ أيضًا، ألا ترون أنَّ منها المستحبَّ والمندوبَ والواجبَ، ومنها ما هو ركنٌ من أركان الإسلام؟!
وكما تتفاوتُ مقاديرُ العباداتِ يتفاوتُ العبادُ في مستوى أدائِهم لها.
أمَا وقد أقررنا ذلك.. فإننا مأمورونَ بأداءِ العبادةِ على أكملِ وجهٍ ممكن، مشفقيَن مع ذلكَ ألا يقبَلها الله، قال تعالى:
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ).
وإنَّ من أعظمِ ما يجعلُنا نؤدي العبادةَ على أكملِ وجهٍ أن نستعدَّ لها أحسنَ استعداد، فنستـقبلَها متشوقةً إليها أرواحُنا، متشوفةً لها أبصارُنا، فنُحسنَ أداءَها ونفرحَ بإتمامِها على الوجه المرضيِّ منا.
وإنَّه يا عبادَ الله، يلوحُ في الأفقِ ضيفٌ كبيرٌ..وركنٌ أصيل.. له قدرٌ عالٍ عندَ اللهِ وعند ملائكتِه وعند عبادِه المؤمنين.
فإنَّ شعبانَ وقد نزلَ بنا في هذا اليومِ جاء ليخبرَنا بقُربِ قدومِ تاجِ الشهورِ وكنزِ العطايا والأجور.
فكيف نستقبلُه؟ وماذا نعدُّ له؟
وقد عرفنا قدرَهُ الكبيرَ ومقدرَتَنا الصغيرةَ تُجاهه.
إنَّ شعبانَ يا عبادَ اللهِ، جَرَسٌ يُنبِّهُ الغافلَ، ويَصيحُ بالمعرِضِ والمماطل، ويَطربُ له النبيهُ العاقل..
فشعبانُ، ميدانُ الاستعداد.. وخطُّ الإنتاج..
نعم يا عبادَ الله.. إنَّ أحوجَ ما نحرصُ عليها هذه الأيامِ أن نُزكيَ نفوسنَا .. فتُلهمَ التقوى.. ونُطهِّرَ قلوبنَا.. فيزولَ عنها الرَّانُ والغفلةُ..
وقد كان الرسول ﷺ وهو أتقى الناس وأزكاهم يحرصُ على فعلِ القُرُبات في شهر شعبانَ استعدادًا لذلك الضيف العظيمِ المكانَة.. فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيتُهُ ﷺ أكثرَ صيامًا منهُ في شعبان)).
فشعبان يُشبهُ النافلةَ التي تسبقُ الفريضة، فإن أحسنتَ في النافلةِ أحسنتَ في الفريضة إن شاء الله.
وقد جرى في عُرفِ الناسِ أنَّ شعبانَ يمضي سريعًا، حتى سمَّوه: "قُصَيِّر"، لأنهم ينشغلون فيه بقضاء حوائجهم قبل رمضانَ، فيذهبُ هذا الشهرُ دونَ أن يشعروا به، وقد قال الرسول ﷺ في شعبان: "ذاكَ شهرٌ تغفلُ الناسُ فيهِ عنه، بيَن رجبَ ورمضان، وهو شهرٌ تُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، وأُحِبُّ أنْ يُرفعَ عملي وأنا صائم".
فالحرصَ الحرصَ يا عباد الله في شهركم هذا على التزوِّدِ الإيمانيّ قبل رمضانَ. قال الله تعالى:
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانِه، أما بعدُ، عبادَ الله..
اعلموا أنَّ الأشرارَ قد حشدوا لكم في رمضانَ ما يُفسدون به طاعاتِكم، وإنَّ خيرَ وسيلةٍ لمدافعةِ حشدِهم أن نستعدَّ بنفوسٍ زكَّتها الأعمال الصالحة، وقلوبٍ طهَّرها الإيمان والتقوى.
هذا أوانُ توبةٍ للهِ نَصوح، تزكو بها النفوس، وتَطهُرُ لها القلوبُ، وتُقبلُ الأبدانُ إلى بارئهَا سبحانه وتعالى بالأعمالِ الصالحةِ من صلاةٍ وصومٍ وصدقةٍ وصلةِ رحم، وذكرٍ، وقراءةٍ للقرآن.
تكونُ زادًا وفيرًا.. ورِدْءًا معينًا..
حتى إذا جاء ذلك الرفيعُ المقام.. وجد قلبًا زكيًّا نقًّيا..
يلقاهُ رمضان.. بالابتسامةِ والأحضان..
ثم ماذا بعد اللقاء؟
نهارٌ مرتوٍ بالإيمان، وليلٌ مضيءٌ بالتبتُّل للرحمن..
يذوق فيه العبدُ حلاوةَ الإيمان..
اللهم بلِّغنا رمضانَ على تقوى منكَ.. وقُربى إليك..
اللهم آت نفوسَنا تقوَاها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدًا، واجعلنا هداةً مهتدين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبَه لما فيه خير البلاد والعباد.
سبحان ربِّك رب العزة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين والحمدُ لله ربِّ العالمين.
المرفقات
1738276991_شعبان، مشروعك الزكوي للضيف الكبير.pdf