مُقتَرَحُ خُطبَة بعنوان: (أَشْوَاقٌ وَحَنِينٌ إِلَىٰ بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ.)

رمضان صالح العجرمي
1446/11/17 - 2025/05/15 12:11PM
مُقتَرَحُ خُطبَة بعنوان: (أَشْوَاقٌ وَحَنِينٌ إِلَىٰ بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ.)
 
1- مُقَدِّمَةٌ تَشوِيقِيَّةٌ عَنِ الحَجِّ.
2- دُرُوسٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الحَجِّ.
3- أَعمَالٌ ثَوَابُهَا الحَجِّ.
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ) 
التذكير وإثارة الأشواق لحج بيت الله الحرام، والتذكير بالأعمال التي يعادل ثوابها أجر وثواب الحج ليرتبط بها المؤمن؛ فتكون السنة كلها حج بإذن الله تعالى. 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، في مثل هذا الميقات الزماني من كل عام هجري تتجهُ أنظارُ المسلمين قاطبة: إلى بيت الله الحرام، حيث يتوافدُ الحجيجُ من كافة الأقطار والأمصار لتأدية هذه الفريضة العظيمة، والركن العظيم من أركان الإسلام: [حَجُّ بَيْتِ الله لِمَنِ استَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.] 
•تتجه أنظارُ أهلِ الإيمان، وتنتقلُ قلوبُهم وعقولُهم ونفوسُهم إلى هناك؛ حيث أحبُّ البقاع إلى الله تعالى، وأحبُّ البلاد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى تلكم الرحاب الطاهرة والمشاعر المقدسة، إلى البيت العتيق، إلى الكعبةِ بيتِ الله الحرام، إلى الصفا والمروةَ، وزمزم والمُقام، إلى عرفاتٍ، ومِنى، ومزدلفةَ والمشعَرِ الحرام.
•تَرِقُّ القلوبُ وتهفُوا، وتَحِنُّ النفوسُ وتشتاقُ لأولِ بيتٍ وُضِعَ للناس؛ كما قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وتأمل كلمة [لِلنَّاسِ] فالذي وضع قواعده ليسوا من جنس الناس وإنما هم من الملائكة الأطهار.
•تتجهُ الأنظارُ: إلى وفود الحجيج الذين لبَّوْا نداء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام؛ كما قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} 
•تتجه الأنظارُ، وتطيرُ القلوبُ، وترِقُّ النفوسُ: إلى بيت الله الحرام دعوة إبراهيم عليه السلام؛ كما قال تعالى: {رَبّنَا إِنِّي أَسْكَنْت مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع عِنْد بَيْتك الْمُحَرَّم رَبّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة مِنْ النَّاس تَهْوِي إِلَيْهِمْ} وتأمل كلمة: [مِنْ النَّاس] أي ليس كل الناس فمنهم الكافر ومنهم المنافق. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لو قال: أفئدة الناس؛ لازدحمت عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم؛ لكنه قال: من الناس؛ فاختُصَّ به المسلمون."
•تتجهُ الأنظارُ: إلى بيت الله الحرام الذي سكن في قلوب أهل الإيمان؛ فالبيوتُ جعلها الله تعالى سكنًا يأوِيْ إليها أهلُها لكن هذا البيت الحرام سكن هو في قلوب أهل الإيمان؛ قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا}؛ قال ابن كثير رحمه الله: "أي جعله محلًا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولو ترددت إليه كل عام."
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، الحجُّ فريضةٌ عظيمةٌ، وعبادةٌ جليلةٌ، وشهادةُ ميلادٍ جديدةٌ لمن أكرمه الله تعالى به؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.))؛ يقول الشيخ العثيمين رحمه الله: "والمعنى: أنه يخرج من ذلك نقيًّا من الذنوب، كما أن الإنسان إذا خرج من بطن أمه فإنه لا ذنب عليه، فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقيًّا من ذنوبه."
•والحج هو من أفضل الأعمال؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ((جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ((حَجٌّ مَبْرُورٌ.))
•والحج جهاد الضعفاء؛ ففيهِ مَشقةُ البَدنِ، وفيِهِ بَذلُ المَالِ فِي سبيلِ اللهِ؛ في صحبح البخاري عن عَائشةَ رَضِي اللهُ عنهَا قالت: يَا رَسولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلُ العَملِ، أفلا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: ((لا، لَكُنَّ أفْضَلُ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ.))، وفي رواية: قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: ((نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ، لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ.)) [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ]، وفي رواية: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حجٌ مبرور. فقالت عائشة: "فلا أدعُ الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم."، وكَانَ عُمرُ رَضِي اللهُ عنهُ يقولُ: "إذا وضعتم السروج فشدُّوا الرِّحَالَ فِي الحَجِ فإنَّهُ أحدُ الجِهادين."؛ قال العلماء: تشبيه الحج والعمرة بالجهاد بجامع البعد عن الأوطان، ومفارقة الأهل، وبذل الأموال، وأخطار السفر، وأتعاب البدن.
•وليس للحاج ثوابٌ إلا الجنة؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ.))
•والمتابعةُ بين الحج والعمرة من أسباب سعة الأرزاق برغم ما فيهما من البذلِ والإنفاق؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ.)) [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.]
•والحجاج وفد الله تعالى؛ ومن وفد على الله أكرمه الله؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم.)) [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.]، وفي رواية: ((الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم.))
•ولذلك فهم في ضمان الله وحفظه حتى يرجعوا؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجًا.)) [رواه أبونعيم، وصححه الألباني.]
 
•الوقفة الثانية:- دُرُوسٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الحَجِّ.
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن لفريضة الحج دروسًا مستفادة تتحقق منها الفائدة، وتعود منافِعُها حتى لغير الحجيج:-
1- وأول هذه الدروس المستفادة: تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى؛ فما من منسك من مناسك الحج إلا وفيه معلم من معالم التوحيد؛ فالتوحيد تتحقق معانيه في هذه الفريضة العظيمة؛ فأركان الحج وواجباته وسننه كلها توحيد وما شُرعت إلا من أجل تحقيق التوحيد؛ بل أن البيت العتيق ما وضعت أركانُهُ إلا على التوحيد؛ كما قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
•وتأمل مناسك الحج بداية من التلبية؛ كما في حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أهل بالتوحيد: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لكَ.))، ثم يُسنُّ له الإكثار من التلبية بعد ذلك فلا يقطعها إلا عند ابتداء الطواف، وهكذا جميع مناسك الحج والعمرة كلها على التوحيد.
2- ومن الدروس المستفادة أيضًا: تحقيق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: ((إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُج، ثُمَّ أَذَّنَ في النَّاسِ في العَاشِرَةِ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ.))؛ ممتثلين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم.)) ؛ فترى الحاج حريص كل الحرص على تطبيق السنن في الحج والعمرة. وَهَذا ما عبَّر عنه الفَارُوقُ عُمَرُ رضيَ اللهُ عنهُ وهو يُقبِّلُ الْحَجَرَ؛ وَيَقُولُ: (أمَا واللَّهِ، إنِّي لَأَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولَا تَنْفَعُ، ولَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَكَ ما اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ.)
3- تمام الامتثال لأمر الله تعالى، وسرعة الاستجابة؛ فيتحقق هذا الامتثال وهذه السرعة في الاستجابة واقعًا عمليًّا طِوال أيام الحج، حيث أن مناسك الحج كلُّها دروس عملية في تمام الامتثال، وسرعة الاستجابة لرب البرية.
•وتبدأ القصة مع الخليل إبراهيم عليه السلام، فهو أعظم من علمنا سرعة الاستجابة والامتثال؛ قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}
•فترك زوجته وطفله الرضيع بواد غير ذي زرع؛ قال الله تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}
•ثم يأتيه الأمر من الله تعالى بذبح ولده اسماعيل؛ قال الله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنادَيْناهُ أَن يا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
•ثم الأمر برفع القواعد من البيت؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
•ثم الأمر بنداء الناس لحج بيته الله الحرام؛ قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك."
•فيستجيب أهل الإيمان لنداء خليل الرحمن؛ فيأتون من كل فج عميق؛ (مسافات بعيدة من قارات العالم، ومن كافة الأقطار والأمصار وألسنتهم تلهج: لبيك اللهم لبيك) 
•فما إن يصل الحاج إلى هناك حتى يأتيه الأمر من الله تعالى بعدم مجاوزة مواقيت مكانية حتى يغتسل ويتجرد من ملابسه ويلبس ملابس الإحرام.
•ثم يأتيه الأمر بعدم لبس المخيط أو مس الطيب أو الأخذ من الشعر والأظفار شيئًا (محظورات الإحرام)؛ فتجد الحرص والحذر الشديد من نتف شعرة واحدة، فإذا وصل إلى البيت الحرام، يأتيه الأمر من الله تعالى بالطواف بالبيت سبعة أشواط (وهو من الحجر) وتقبيل الحجر الأسود (وهو حجر) ثم السعى بين الصفا والمروة (وهما جبال من الحجر) 
4- ومن الدروس المستفادة أيضًا: توحيد وجمع كلمة المسلمين؛ وهكذا كل الفرائض والشرائع إنما شرعت لتحقيق هذا المعنى؛ فالمسلم يجتمع مع أهله وجيرانه في اليوم خمس مرات يراهم ويتفقد أحوالهم، فإذا أتم الأسبوع اجتمع مع أهل حيه وقريته وذلك كل جمعة، وفي الحج يجتمع مع المسلمين من كافة البلاد والأقطار؛ لغات مختلفة ولهجات، وألوان شتى: (أكثر من ثلاثة ملايين مسلم على صعيد واحد وفي مكان واحد بزيٍّ واحدٍ لا فرق بين غني ولا فقير.) يسمع منهم مباشرة ويتعايش مع هموم وآلام الأمة الإسلامية بعيدًا عن أكاذيب الإعلام.
5- ومن الدروس المستفادة أيضًا: تذكر أحوال يوم القيامة؛ وتأمل عندما يودِّعُ الحاجُّ أهلَهَ وذويه ويرتحلُ عنهم؛ فيتذكر يوم أن يرحلَ عنهم إلى الدار الآخرة، فإذا وصل إلى الميقات يغتسل ويتجرد من ملابسه فيتذكر يوم أن يكون طريحًا بين يدى أهله وذويه وقد غسلوه وكفنوه.
•ثم تأمل هذا المشهد العظيم والمهيب يوم التاسع من ذي الحجة: يوم عرفة؛ أكثر من ثلاثة ملايين حاج على صعيد عرفات بزي واحد، وقد اشتد بهم الحر فيتذكرون ذلكم اليوم العظيم: {يوم يقوم الناس لرب العالمين}
 
نسأل الله العظيم أن يرزقنا حج بيته الحرام.
 
الخطبة الثانية:- مع الوقفة الثالثة: أَعمَالٌ ثَوَابُهَا الحَجِّ.
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن من رحمة الله تعالى أنه لم يكلفنا إلا بما نستطيع؛ وفريضة الحج جعلها الله تعالى فرضًا في العمر مرةً واحدةً على المستطيع استطاعةً مالية وبدنية.
•ومن رحمته أيضًا أن شرع لنا أَعمَالًا يسيرة ثَوَابُهَا ثواب الحَجِّ؛ ومن هذه الأعمال:
1- بالنية الصادقة تبلغ منازلهم وأجورهم بإذن الله تعالى؛ ففي صحيح البخاري عن عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.))، وفي صحيح مسلم عَنْ سهل بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه، أنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ سأَلَ اللَّه تَعَالَى الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ بلَّغهُ اللهُ منَازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ على فِراشِهِ.))، وعندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، ودنا من المدينة، قال: ((إنَّ بالمدينة لرجالاً ما سِرْتُم مَسِيرًا، ولا قطعْتُم وادِيًا إلاَّ كانوا معكم؛ حَبَسَهُم المَرَضُ.)) ، وفي رواية: ((حَبَسَهم العُذْرُ.)) ، وفي رواية: ((إلاَّ شَرَكُوكم في الأجْرِ.))، وهذه بشارة عظيمة كما في السنن من حديث أبى كبشة الأنماري رضي الله عنه وفيه: ((وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما سواءٌ.))
2- المكث بعد صلاة الفجر حتى الشروق وصلاة ركعتين؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّة))؛ وفي رواية: ((من صلَّى صلاةَ الصبح في جماعةٍ، ثم ثبتَ حتى يسبِّحَ لله سُبحةَ الضحى كان له كأجرِ حاجًّ ومعتمرٍ تاماً له حجه وعمرته.)) [صحيح الترغيب والترهيب] وكان شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: إذا صلى الفجر جلس يذكر اللهَ إلى قريبٍ من انتصاف النهار ويقول: "هذه غدوَتي لو لم أتغدَّها لَسقطت قوتي."
3- الخروج من بيته متطهرًا إلى الصلاة المكتوبة؛ فقد روى أبوداود عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ.)) ؛ فهنيئًا والله لمن هذا دأبه يوميًّا في المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة.
•فإن الذي يحرص على أداء الفريضة في المسجد كل يوم سينال ثواب خمس حجات يوميا، وفي العام الواحد سينال حوالي (1800) حجة.
•فضلًا عن الأجور الأخرى: فما إن يخرج من بيته إلى الصلاة والحسنات تُصب عليه صبا، فكل خطوة يمشيها بحسنة، والملائكة تظل تستغفر له حتى يرجع إلى بيته، ويكتب له ثواب الصلاة منذ خروجه من بيته، ويضاعف له ثواب صلاته إلى سبع وعشرين ضعفا، وينال فوق ذلك أيضا ثواب حج كامل. أرأيتم إلى فضل الله تعالى وإلى تقاعس الناس عن هذا الفضل؟!
4- الخروج إلى المساجد لحضور مجالس العلم؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ.)) [رواه الطبراني، وصححه الألباني]
•ومن صور تعلم الخير في المسجد: حلقات القرآن، وسماع المواعظ بعد الصلوات، والحلقات والدورات العلمية، وشهود الجمعة، والاستماع للخطبة بنية تعلم الخير.
5- الأذكار بعد الصلوات المكتوبة؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراءُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهلُ الدُّثورِ مِنَ الأموالِ بالدرجاتِ العُلا والنعيمِ المقيمِ يُصلّون كما نُصلّي، ويصومونَ كما نصومُ، ولهم فضلٌ من أموالٍ يحجُّونَ بها ويعتمِرونَ ويُجاهدونَ ويتصدَّقونَ.! فقال صلى الله عليه وسلم: ((أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكُّمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟ تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ.))، فضلا عن الأجور الأخرى: ((غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ))
•وهنا تنبيه مهم: وهو أن هذه الأعمال تعدِلُ الحجَّ في الجزاء لا الإجزاء؛ بمعنى أن هذه الأعمال تعدل الحج في الفضل لكن لا تُسقِط حجة الفرض للمستطيع.
 
نسأل الله العظيم أن يرزقنا حج بيته الحرام.
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام
https://t.me/khotp
 
 
المشاهدات 381 | التعليقات 0