مُقتَرَحُ خُطبة بعنوان: (إِفْشَاءُ السَّلَامِ فَضَائِلٌ وَأَحكَامٌ).
رمضان صالح العجرمي
مُقتَرَحُ خُطبة بعنوان: (إِفْشَاءُ السَّلَامِ فَضَائِلٌ وَأَحكَامٌ).
1- أَهَمِّيَّةُ شَعِيرَةِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ.
2- مَعنَى وَحُكْمُ شَعِيرَةِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ.
3- فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ شَعِيرَةِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ.
4- آدَابُ وَأَحكَامُ إِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَالرَّدِّ عَلَيْهِ.
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التذكير بفضائل وآداب وأحكام هذه الشعيرة من شعائر الإسلام؛ لا سيما والحاجة إليها في الحياة اليومية مع اختلاط الناس في أسواقهم وتجمعاتهم، وكذلك لمعرفة عظمة هذه الشريعة وشمولها، وأنها منهج حياة.
•مُقَدِّمَةٌ ومَدخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ الله، (إِفْشَاءُ السَّلَامِ فَضَائِلٌ وَأَحكَامٌ.) هذا هو عنوان موعظتنا بإذن الله تعالى في هذه الساعة؛ نتعرف على معنى وأهمية شعيرة إفشاء السلام، وفضائل وثمرات وآداب وأحكام إفشاء السلام، والرد عليه؛ وذلك من خلال هذه الوقفات.
•الوقفة الأولى: أَهَمِّيَّةُ شَعِيرَةِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ:
1- تلكم الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام التي بها تتآلف القلوب، وتتوحد الصفوف، كلمات يسيرة ومعدودة، وتكاد تكون من أوثق العُرى التي تربط المجتمع المسلم؛ فكم دفعت من شرور، وحلَّت من خيرات، وَوُصِلت بها أرحام! وفي المقابل كم من شر وبلاء، وكم حدثت من قطيعة وشحناء، وتباغض وعداء؛ بسبب عدم إفشاء السلام!
2- تلكم الشعيرة العظيمة التي بدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم في وضع حجر أساس الدولة الإسلامية؛ حيث كانت من الدعائم التي أرساها صلى الله عليه وسلم في بناء المجتمع المسلم، عندما قدم إلى المدينة مهاجرًا؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّل شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)) [رَوَاهُ أَحْمَدُ، والترمذي]، وفي الصحيحين عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ((أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإِفْشَاء السَّلَامِ.))
3- ولقد اهتم القرآن الكريم بها أيما اهتمام؛ فقد ورد لفظ السلام فيما يقرب من الخمسين آية، ووردت صيغة التحية في عشرة مواضع من القرآن الكريم؛ كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: 27] ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: 61] ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86] ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ [الذاريات: 24، 25].
4- وشعيرة إفشاء السلام من الشعائر التي لم تتغير، ولم يتم نسخها مع توالي الشرائع من آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة؛ ففي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَر مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ؛ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ)).
5- وهي شعار جميع الأنبياء والمرسلين.
6- وهي شعار الملائكة الأبرار؛ ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ، فَقالَتْ: وعليه السَّلَامُ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ)).
7- وهي حق أصيل من حقوق المسلم على أخيه المسلم؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ)).
8- بل هي أيضًا من حقوق الطريق؛ كما في الصحيحين عنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ))، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس، فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ))، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: ((غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ)).
•الوقفة الثانية: مَعنَى وَحُكْمُ شَعِيرَةِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ:
•معنى إفشاء السلام: يعني نشره وإشاعته، والسلام من أسماء الله تعالى الحسنى؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ)) وعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)) [رواه الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ] والمعنى: أنك تدعو لمن سلمت عليه بالسلامة من الشرور والآفات وكل مكروه، وتطلب له الرحمة والبركة.
•أما حكم إفشاء السلام: فلها شقان، أو نصفان مرتبطان:
1- إلقاء وإفشاء السلام؛ وهو من الشعائر التي يستحب إشاعتها.
2- وأما الرد؛ فهو واجب بنص الآية الكريمة: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86] ؛ بل أجاز الشرع الحنيف الردَّ على السلام، حتى وأنت تصلي، فتشير بيدك لمن سلم عليك.
•الوقفة الثالثة: ولعلكم تتشوقون لمعرفة فَضَائِل وَثَمَرَات شَعِيرَةِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ:
1- إفشاء السلام من أهم وأعظم أسباب نشر المحبة والألفة بين المسلمين، والتخلص من الهجر والقطيعة؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ.)) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]؛ وبمفهوم المخالفة، فإن عدم إلقاء السلام سبب زيادة الشحناء والقطيعة.
•يقول عمر رضي الله عنه: "ثلاث يصفين لك ودَّ أخيك؛ أن تبدأه بالسلام، وأن تناديه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له مجلسك".
•ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن سبب الهجر والقطيعة هو عدم إفشاء السلام؛ كما في الصحيحين عن أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ))
•ولذلك فإن أصعب شيء على المتخاصمين أن يسلم أحدهما على الآخر؛ فإذا أردت الإصلاح بين المتخاصمين، فإنك تقول لهما: (يُسلِّم بعضكم على بعض فقط، وتنتهي الخصومة).
•وتأمل إلى الثمرات العظيمة لهذا الذي يبدأ بالسلام؛ ينال الخيرية، وإذا لم يرد عليه خصمه، فإنه يرد عليه ملأ خير منه، ويخرج من معصية الهجران فوق ثلاث، وكذلك فإنه يكبر في عيون الناس المحيطين به.
•فينبغي للمؤمن عندما يمر بأخيه أن يبدأه بالسلام، ولا يقول: هو مرَّ عليَّ ولم يسلِّم؛ لأنك تتعامل دائمًا مع الله سبحانه وتعالى، وليس مع الناس.
2- إفشاء السلام من الشعائر التي يغتاظ منها اليهود والنصارى؛ فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا حَسَدَكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ.)) [رَوَاهُ ابن ماجه، والْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ]؛ ولذلك كانوا يقولون: السام عليك يا محمد؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾؛ [المجادلة: 8].
3- إفشاء السلام من أفضل وخير الأعمال؛ كما في الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.))
4- إفشاء السلام من أسباب الحصول على الأجور والحسنات؛ كما في حديث عِمران بن حصين رضي الله عنهما قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم، فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((عَشْرٌ))، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: ((عِشْرون))، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُه، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: ((ثَلاثُونَ))؛ [رواه أبو داود، والترمذي]؛ ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يذهب للسوق، لا لشيء إلا لإلقاء وإفشاء السلام؛ ويقول: "إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ، نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا".
5- إفشاء السلام من أسباب البركة في البيوت؛ فعن أنسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلى أهْلِكَ فَسَلِّمْ؛ يَكُنْ بَركةً عَلَيْكَ وَعَلَى أهلِ بَيْتِكَ.)) [رواه الترمذي] ؛ فكم من البيوت التي يشتكي أهلها من قلة البركة في متاعهم وأرزاقهم؟!
•بعض الناس قد يُسلِّم على البعيد بحفاوة، فإذا دخل بيته، فإنه يستكثر أن يقول: السلام عليكم، مع أن أولى شيء بالبركة بيته وعياله وأهله.
6- إفشاء السلام ينال بها العبد الخيرية إذا بدأ بها؛ كما مر معنا في الحديث الصحيح: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أوْلى النَّاس باللهِ مَنْ بَدأهم بالسَّلام.))؛ [رواه أبو داود، والترمذي].
7- ولذلك فإن أبخل الناس هو من يبخل بالسلام؛ ففي الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعجز الناس من عَجَزَ في الدعاء، وأبخل الناس من بخِلَ بالسلام)).
8- ثم هاك البشارة والجائزة الكبرى؛ ألا وهي دخول الجنة؛ كما في الحديث الصحيح: ((لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ.)) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ.)) وكيف لا والجنة هي دار السلام؟ كما قال تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 127]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يُونُسَ: 25]
•فإذا دخلوها يتنعمون بتحية الله تعالى للمنعمين من أهل الجنة؛ كما قال تعالى: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ [الأحزاب: 44]، وقال تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: 58].
•وتحية الملائكة الأبرار لأهل الجنة؛ كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الزمر: 73].
•وتحية أهل الجنة بعضهم لبعض، عندما يتنعمون في الجنة ويتلاقون فيها؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [إبراهيم: 23]، وقال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ [الواقعة: 25، 26].
•فالسلام إذًا شعيرة جليلة؛ ينبغي أن نسارع إليها، ونلهج بها في شوارعنا وطرقاتنا، وكيف لا والله تعالى سمَّى نفسه السلام؟ كما قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: 23] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن السلام اسمٌ من أسماء الله تعالى، وَضَعَه الله في الأرض؛ فأفشُوا السلام بينكم))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني]
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل الجنة أجمعين.
* * * *
الخطبة الثانية:- مع الوقفة الرابعة والأخيرة: آدَابُ وَأَحكَامُ إِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَالرَّدِّ عَلَيْهِ:
1- أن يكون بصوت مسموع يسمعه اليَقْظَانُ، ولا ينزعج منه النائم؛ ففي صحيح مسلم عن المقداد رضي الله عنه في حديثه الطويل قال: ((كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن، فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا، لا يوقظ نائمًا، ويُسمِع اليقظان)).
2- أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف؛ كما في الحديث الصحيح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.))؛ قال النووي: "أي: تسلم على كل من لقيته، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه، كما يفعل كثيرون من الناس، ويخرج من هذا ابتداء السلام على الكفار كما سيأتي".
3- وقد جعلت الشريعة بعضًا من الضوابط لمن يبدأ بالسلام بحيث يبدأ به الأقل رتبة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُسَلِّمُ الرَّاكبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْماشي عَلَى القَاعِدِ، والقليلُ عَلَى الكَثِيرِ.))، وفي روايةٍ للبخاري: ((والصغيرُ عَلَى الْكَبِيرِ.))، ولو التقى وتساوى المتلاقيان من كل جهة، فكل منهما مأمور بالابتداء، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
4- الحرص على الألفاظ الواردة؛ فله أن يقتصر في إلقاء السلام على قول: (السلام عليكم)، وإن زاد (ورحمة الله)، فهو أفضل، وإن زاد (وبركاته)، فهو أفضل وأكثر خيرًا.
•أما الألفاظ الأخرى؛ مثل: (صباح، أو مساء الخير، أو أهلًا، أو غيرها)، فلا تجزئ عن وجوب رد السلام بالصيغة الواردة.
•ومن الأخطاء الاكتفاء بالإشارة باليد أو بالرأس، دون نطق السلام، سواء كان قريبًا أو بعيدًا.
5- أن يعيد إلقاء السلام إذا فارق المجلس، أو فارق أخاه ولو يسيرًا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا انْتَهى أَحَدُكُم إلى المجْلِسِ فَلْيُسَلِّم، فإذا أرادَ أن يقومَ فَلْيُسَلِّمْ؛ فَلَيْسَت الأُولَى بأحَقَّ مِن الآخِرَةِ))؛ [رواه أبو داود، والترمذي].
•ومثل ذلك أيضًا: إنسان عندك في البيت جلست معه، ثم قمت لتأتي له بشيء، ثم رجعت إليه، فإنك تلقي السلام عليه مرة ثانية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا لقِيَ أَحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإنْ حالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، أَوْ جِدَارٌ، أوْ حَجَرٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ؛ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْه.))؛ [رواه أبو داود].
6- أن تبدأ بالسلام قبل الكلام؛ وورد في ذلك حديث ضعيف: ((مَنْ بَدَأَ الْكَلَامَ قَبْلَ السَّلَامِ، فَلَا تُجِيبُوهُ)).
•ومن الأخطاء التي يجدر التنبيه عليها ترك السلام عند المكالمات الهاتفية؛ فيضيع على نفسه كنوز من الحسنات، ولك أن تتخيل كمَّ عدد المكالمات في اليوم، وإذا حافظت على تحية الإسلام في أول المكالمة، وبعد الانتهاء، فكم ستتحصل على الأجور والبركات.!
7- أن تسلم على أهل بيتك؛ لحديث أنس الذي مرَّ معنا؛ ولحديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ، وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ.))؛ [رواه أبو داود، والطبراني، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة].
•وبوَّب الإمام النووي رحمه الله: [باب استحباب السلام إذا دخل بيته.] ؛ أي: على المؤمن إذا دخل بيته أن يسلم على أهل البيت؛ كما قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: 61]؛ فقوله: (بيوتًا) نكرة تشمل أي بيت، سواء بيتك، أو بيت أخيك، أو غيره.
8- أن تبدأ بتحية المسجد قبل السلام على من في المسجد، واستدل العلماء بحديث المسيء صلاته، عندما دخل وصلى، ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم.
9- أن تسلم حتى على الصغار؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: ((أنه مرَّ على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)) ؛ ولِما في ذلك من التواضع، وتأليف قلوب هؤلاء الصغار، وكذا تعويدهم عليها.
10- أخيرًا بعض الحالات التي يمنع فيها من إلقاء السلام أو الرد عليه:
•أثناء قضاء الحاجة.
•أثناء خطبة الجمعة.
•ابتداء أهل الكتاب بالسلام؛ وذلك لِما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تَبْدَؤوا اليَهُودَ ولا النَّصَارى بالسَّلام، فَإِذَا لَقِيتُم أحَدَهُم في طَرِيقٍ فَاضطَرُّوهُ إلى أضْيَقِهِ))، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذَا سَلَّمَ عَلَيكُم أهلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وعَلَيْكُمْ.))، وفي الصحيحين عن أسامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى مَجْلسٍ فِيهِ أخلاطٌ مِنَ المُسلِمِينَ والمُشرِكِين عَبَدةِ الأوثَانِ واليَهُودِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
•وكذلك المستغرق في الدعاء والتضرع؛ حتى لا تقطع عليه.
•وكذلك كراهية إلقاء السلام على النساء من غير المحارم؛ خشية الفتنة بأصواتهن، إلا إذا أمن الفتنة فلا حرج؛ فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعودٌ فسلَّم))؛ [رواه أبو داود]، وفي رواية الترمذي: ((فألوى بيده بالتسليم)).
نسأل الله العظيم أن يملأ بيوتنا سلامًا ورحمة وبركة.
#سلسلة_خطب_الجمعة.
#دروس_عامة_ومواعظ.
(دعوةٌ وعمل، هدايةٌ وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp