مُقتَرَحُ خُطبَة بعنوان: (الإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ.)

رمضان صالح العجرمي
1446/10/26 - 2025/04/24 13:42PM
مُقتَرَحُ خُطبَة بعنوان: (الإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ.)
 
1- مُقَدِّمَةٌ فِي مَعنَىٰ الإِيمَان بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَحَقِيقَتِهِ، وَأَهَمِّيَّتِهِ.
2- مَرَاتِبُ الإِيمَان بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ.
3- ثَمَرَاتُ الإِيمَان بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ.
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ) 
ترسيخ هذه العقيدة في قلوب العباد، وتقوية مثل هذه المعاني، لا سيما مع الانشغال بقضية الأرزاق والخوف من المستقبل، والرهبة من الآجال والمقادير، وحالات الاكتئاب، وكذا المخالفات الشرعية التي يقع فيها الكثير عند حلول المصائب.
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، في السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لابن له: "يَا بُنَيَّ، إنَّكَ لنْ تَجِدَ طَعمَ الإيمانِ، حتى تَعلَمَ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُنْ ليُصيبُكَ، وما أصابَكَ لم يَكُنْ ليُخطِئُكَ، يا بُنَيَّ، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ((إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللهُ القَلمُ، فقال له: اكتُبْ مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))، يا بُنَيَّ، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ((من مات على غير هذا، فليس مني)).
•وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ))، قالَ: ((وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ.)).
•ففي هذه الأحاديث يؤصل النبي صلى الله عليه وسلم أصلًا عظيمًا من أصول عقيدة المؤمن، وركنًا من أركان الإيمان؛ وهو [الإيمان بالقضاء والقدر؛ خيره وشره.]
•فما هو الإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ؟ وما هي حقيقته وأدلته من الكتاب والسنة؟ وما هي مراتبه؟ وما هي الثمرات المرجوة من تحقيق الإيمان به؟ هذا ما نتعرف عليه بإذن الله تعالى من خلال هذه الوقفات. 
أولًا: معنى الإيمان بالقدر وحقيقته:
•هو أن تؤمن أن الله تعالى قدَّر مقادير الخلائق، وما يكون من الأشياء والحوادث قبل أن تكون؛ فقد علم الله تعالى بها قبل أن تكون، وكتبها عنده؛ فهي كائنة لا محالة.
ثانيًا: الأدلة من الكتاب والسنة:
•فإن الأدلة على ذلك من القرآن الكريم كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾
•وأما الأدلة من السنة؛ فإن الإيمان بالقدر ورد في أعظم حديث في الإسلام، وهو حديث جبريل الطويل الذي ذكر فيه أركان الإيمان الستة، ومنها: ((وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ.))، وكان ذلك في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال فيه: ((فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.))؛ فمعرفته من الدين، وهو واجب على سبيل الإجمال.
•ولا يستقيم إيمان العبد حتى يؤمن بالقدر؛ فقد رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه سُئل عن أناس ينكرون القدر؟ فقال: والذي نفس ابن عمر بيده، لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبًا، ثم أنفقه في سبيل الله ما قبِله الله منه حتى يؤمن بالقدر))؛ ثم ذكر حديث جبريل.
ثالثًا: مَرَاتِبُ الإِيمَان بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ؛ وهي أربع مراتب:
1- مرتبة العلم: وهي الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأن الله قد علم جميع أحوال خلقه، قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون بعلمه القديم؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ 
•بل إن الله تعالى علِم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون من الممكنات المستحيلات:
•أما علمه لما كان؛ فقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن أدق تفاصيل الأمم السابقة وأحوالها.
•وأما علمه لما هو كائن؛ فإنه سبحانه وتعالى مطلع على خلقه لا تخفى عليه خافية.
•وأما علمه لما سيكون؛ فقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن أدق تفاصيل الدار الآخرة.
•وأما علمه لما لم يكن لو كان كيف سيكون، سواء من الممكنات أو المستحيلات؛ فمن الممكنات قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾، ومن المستحيلات؛ قال الله تعالى عن أهل النار: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ 
2- مرتبة الكتابة: وهي الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير جميع الخلائق في اللوح المحفوظ؛ فقد كتب الآجال والأعمار، والأرزاق والسعادة، والشقاء والفرح والحزن؛ كما قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾
•فقد كتب ذلك قبل خلق السماوات والأرض؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.))؛ [رواه مسلم].
•وتأمل معي هذا الحديث العظيم الذي ينبغي أن يحفظه كل مؤمن: ((إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا نطفة، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثم يرسل المَلَك، فينفخ فيه الروح، وَيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)) [متفق عليه]
3- مرتبة الإرادة والمشيئة: وهي الإيمان بأن كل ما يجري في هذا الكون هو بمشيئة الله سبحانه وتعالى النافذة؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يخرج عن إرادته شيء سبحانه وتعالى؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾
•وهنا توضيح: وهو أن للعبد مشيئة وإرادة تتحقق بها أفعاله؛ كما قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾، وقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾؛ وهذه المشيئة والقدرة والإرادة غير خارجة عن قدرة الله تعالى ومشيئته؛ فهو الذي منح العبد ذلك، وجعله قادرًا على التمييز والاختيار؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
4- مرتبة الخلق: وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد وإرادتهم وقدرتهم ومشيئتهم؛ فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه؛ كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾؛ فإن أفعال العباد تنسب إليهم على جهة الفعل والكسب، والله تعالى خالقهم وخالق أفعالهم على جهة الخلق.
 
نسأل الله العظيم أن يملأ قلوبنا إيمانًا وزيادة يقين.
 
الخطبة الثانية:- ثَمَرَاتُ الإِيمَان بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ.
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ الإِيمَانَ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ إذا قَوِيَ ورَسَخَ في القلبِ؛ فَإِنَّه يُثمِرُ ثمرات عظيمة؛ ومنها:
1- راحة النفس وطمأنينة القلب، وعدم الحزن على ما مضى وما فات؛ فلا يقلق ولا يحزن المؤمن، بفوات محبوب، ولا حصول مكروه؛ لأنه يعلم أن الله تعالى هو المقدَّر للأشياء والحوادث قبل وقوعها، وقد كتبها سبحانه وتعالى قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقد علمها وقدرها وأنه لا راد لقضائه.
•فإذا تقرر ذلك، فإنه يحصل للعبد الطمأنينة وراحة البال؛ واسمع لهذه الآية الكريمة التي تبعث في النفوس الطمأنينة، وتزرع في القلوب هذه المعاني الطيبة؛ قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، ثم بيَّن سبحانه وتعالى الثمرة المرجوة: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾؛ قال علقمة رحمه الله: "هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلِّم".
•فالمؤمن بالقضاء والقدر إذا حلت به مصيبة أو بلاء، لا يحصل منه سخط ولا جزع، فلا يصدر منه إلا ما يرضى ربه ومولاه سبحانه وتعالى؛ كما قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
•ولذلك كان التوجيه النبوي والإرشاد عند حلول أقدار الله تعالى المؤلمة: ((المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ، ولَا تَعْجَزْ، وإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا كَانَ كَذَا وكَذَا، ولَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ، ومَا شَاءَ الله فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.)) [رواهُ مُسْلِمٌ.]؛ يا لها من عقيدة وإيمان نحتاج أن نعلمها لنسائنا وأولادنا: (قَدَّرَ اللَّهُ، ومَا شَاءَ الله فَعَلَ)
•ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي صغار الصحابة قبل كبارهم رضي الله عنهم؛ بل ويربي الأمة كلها على مثل هذه المعاني: ((يا غُلامُ، إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ: احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ.))؛ [رواه الترمذي].
•لأن الإنسان علمه قاصر لا يعلم أين الخير من الشر، فقد يحصل له مكروه، وفي باطنه رحمة له، وقد يحصل له ما يحبه ويهواه، لكن في باطنه نقمة وعذاب، واسمع بقلبك وعقلك هذه الآيات الكريمة؛ قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
يقول الحسن رحمه الله: "لا تكرهوا النقمات الواقعة والبلايا الحادثة؛ فلُرَبَّ أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرب أمر تؤثِره فيه عطبك".
•والقصص في ذلك كثيرة؛ منها: قصة موسى عليه السلام مع الخضر وخرق السفينة، وكيف أنه كان في ذلك خير للمساكين أصحاب السفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار.
2- ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: القناعةُ والرضا بأقدار الله تعالى، مع الأخذ بالأسباب المشروعة؛ ففي الحديث الصحيح: ((وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس))، ويقول عمر رضي الله عنهما: "لا أبالي إن أصبحت فيما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره"، ولما مات ولد للفضيل بن عياض رحمه الله ضحك، فقيل له: أتضحك وقد مات ولدك؟ فقال: ألا أرضى بما رضيه الله تعالى لي.
3- ومنها: تطهير القلب من أمراض الحسد والحقد، والغل والضغينة؛ لأنها أمراض قلبية ذميمة، صاحبها ينازع القدر، ويعترض على أقدار الله تعالى؛ فإن الله تعالى قدَّر أن يكون هذا غنيًّا، وهذا فقيرًا؛ لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾
4- ومنها: الصبر على أقدار الله تعالى المؤلمة، والشكر على النعم والسراء، ومن ثَمَّ فلن يعدم الخير؛ ففي الحديث الصحيح: ((عجبًا لأمْرِ المؤمِنِ؛ إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذلك لأحَدٍ إلَّا للمؤمِنِ: إن أصابَتْه سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإنْ أصابَتْه ضرَّاءُ صبَرَ فكان خيرًا له.))؛ [رواه مسلم].
•وهذا سر عظيم من أسرار القوة والثبات على الشدائد؛ وهو سر انتصار أهل الإيمان عندما استقرت هذه المعاني في قلوبهم: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ 
•ونختم بقصة هذه المرأة السوداء التي تربت على عقيدة القضاء والقدر؛ ففي صحيح مسلم عن عطاء بن أبي رباح، قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ((ألا أريك امرأةً من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء؛ أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصُرَع، وإني أتكشَّف، فادعُ الله لي، قال: إن شئتِ صبرتِ، ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيكِ، فقالت: بل أصبر، وقالت: إني أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها)).
 
نسأل الله العظيم أن يقوِّي إيماننا، وأن يجعلنا ممن إذا أعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا.
 
(ملحوظة)
1- الموضوع قابل للزيادة والتعديل، وإن كان عرض الموضوع بهذا الترتيب سيكون أشمل وأوجز وأنفع بإذن الله تعالى.
2- لم أتطرق للفرق المخالفة لأهل السنة في باب القضاء والقدر؛ لئلا يشوش على الناس.
3- عند ذكر مراتب القدر، لا تنسَ ذكر الأمثلة لترسيخ هذه العقيدة في نفوس وقلوب السامعين؛ فمثلًا عند مرتبة الكتابة تزرع في نفوس السامعين أن حضورك، وطعامك، ومرضك، وسرورك، وحزنك... كله مكتوب وهو كائن لا محالة، فلماذا الجزع والتسخط على أقدار الله تعالى؟
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل،هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام
https://t.me/khotp
 
المشاهدات 376 | التعليقات 0