مقدار الخطبة
سامي القرشي
مقدار الخطبة
أيهما أفضل، أن تكون الخطبة طويلة أم قصيرة؟
إن إجابة هذا السؤال محسومة مفروغ منها لما أخرجه مسلم رحمه الله
عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ طولَ صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ مِن فقهه».
ولم يبق لنا إلا السؤال: كيف يكون قصر الخطبة علامة على فقه الخطيب؟
إن الخطيب الفقيه يعلم أن الخطبة أداة مقصودة لغيرها، وليست لذاتها، فهو يعرف أنه إنما يخطب ليؤثر في الناس، بِحثِّهم على خيرٍ تباطؤوا عنه، أو زجرهم عن شر تمادوا فيه، أو نحو ذلك مما يقربهم من وربهم، والكلام الموجز المختصر المباشر أبلغ في التأثير، وأجدر بتحقيق الهدف من الطويل المشقق الممل، ولذلك عدَّ كثيرٌ من أهل العلم والأدب البلاغةَ في الإيجاز.
وسبيل الخطبة التأثير والموعظة لا التعليم، ولكل مقام أسلوبه الذي يناسبه وتُحقق به أهدافه.
ومن فِقْه الخطيب كذلك أن يفقه مقاصد الشرع، ويعرف أحوال النفوس البشرية كذلك، فيعلم أن النفوس إنما تؤخذ بالمسايسة والتدرج، وأنه لا يمكن أن يُغيِّر فيها الكثير في الوقت القصير، فيقتصر في خطبته على أهداف قليلة مختصرة ممكنة التحقيق، تشجع السامع على قبولها والأخذ بها، ولا يحشد في الخطبة أمورًا كثيرة، يُثقل بها على النفس ويَكرُبها، حتى تضيق فتطّرح كل كلامه، ويحصُلَ نقيضُ قصده، ومن الحكمة قولهم: إذا أردت أن تطاع فأْمُر بالمستطاع، وهذا وجه من وجوه الفقه الذي يدل عليه تقصير الخطبة.
ثم إن الخطيب الفقيه يُعبِّر عن مراده بأخصر طريق وأوجزه، لما عنده من الفقه بطرائق الكلام وأساليبه، وإنما يطيل في الخطبة من لا يحسن التعبير عن مراداته.
ومختصرُ الكلام أن مَن فَقِه الغرض من الخطبة، وفَقِه مقاصد الشرع وفَقِه أحوال النفوس، وفَقِه أساليب التأثير لم تأت خطبته إلا مختصرة موجزة بليغة، بلغنا الله وإياكم رضاه.