منزلةُ وفضيلةُ برّ الوالدين. 21/2/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/02/20 - 2025/08/14 09:07AM

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين؛ أمَّا بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه أن يجاهد معه في سبيل الله، فسأله النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أحيٌ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد، ففيهما فجاهد». رواه مسلم.

قال أهل العلم: في هذا الحديث دليل على أن القيام على الوالدين والإحسان إليهما, وبرَّهما ومجاهدّة النفس في إسعادهما وإرضائهما, يكون لصاحِبِه أجرُ مجاهدٍ وزيادة..

 فهنيئًا لك هذا الأجر العظيم, يا مَن رُزقت بأبوين أو بأحدِهما، وُوفّقت لبرّهما وخدمتهما.

معاشر المسلمين: تأملوا قول الله جل جلاله وهو يوصي الأبناء بالآباء:

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾.

فقد أمَر تعالى الولدَ المؤمن, الذي ابتُلي بأبوين كافرين، ويبْذلان الجُهد والوسع لكي يُضلّا ولدَيْهِما، واجتهدا في صدِّه عن الدّين، وأمرِه بأن يكفر بالله ويشرك به ما ليس له به علم.

فبماذا أمره الله جل وعلا؟

أمره: أن لا يطيعهما؛ لأنهما أمراه بمعصية الله, ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأمره أن يُصَاحِبَهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا, مع أنهما يُسمعانه عباراتٍ فيها الكفر والصدّ عن الدين، ومع ذلك أمره الله بالإحسان إليهما.

فما عذرك أيها المسلم, وقد أهدى الله لك أبَوَين مسْلمين, ولا تسمع منهما عبارات الكفر والشرك، بل تسمع منهما الخير وذكرِ الله تعالى، والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر؟!

ما عذرك حينما تقسو عليهما, أو تتذمّر أو تتباطَأ إذا أمراك عملٍ ما؟!

وسوءُ خلق والديك أو قسوتُهُما: ليس عذرًا لك على عقوقهما.

ولو ضرباك وأهاناك, فالواجب عليك أنْ تُحسن إليهما.

أخي المسلم: إنّ الله جل وعلا قرن شُكْرَ الوالدين بشكره تعالى، فقال جل وعلا: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾، وقرن الإحسان إليهما بتوحيده وعبادته، فقال جل وعلا: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.

وإذا كان الإحسان إليهما مقرونًا بعبادة الله جل وعلا، فكذلك العقوق مقرونٌ بالشرك والكفر، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم جوابًا لمن سأله عن الكبائر: «الشرك بالله وعقوق الوالدين».

أخي المسلم: إنّ الوالدين من أعظم أسباب دخولك الجنة؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف» قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: «مَن أدرك أبويه كلاهما أو أحدهما فلم يدخل الجنة».

فإيَّاك أن يُغلَق هذا الباب في وجهك، وقد فتح الله لك بابًا من أبواب الجنة, فاحرص على برّهما والإحسانِ إليهما وخدمتهما، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك.

واعلم: أنَّ من العقوق أنْ تتذمر أو تُعاتِب أو تتباطَأ, إذا أَمراك أو زجراك.

ومهما رأيت من أبيك أو أمك قسوة، فإنك ستندم بعد وفاتهما إذا لم تَبُرّهما.

أخي البار، يا مَن وُفِّقت لبر والديك، إيَّاك أن تنْتقص إخوانك الذين قصّروا في البرّ, وإذا فُتح لك بابُ البر والإحسان لوالدين، فلا تنظر نظر ازدراء لمن لم يعطَ ما أُعطيت، فالله جل وعلا قد قسَم الأرزاق وقسَم الطاعات، فإذا فُتح لك هذا الباب فاحمد الله، فقد يُفتح لأحدِ إخوتك ما لم يُفتح لك؛ فربما يُفتح لأحدهم قيام الليل وأنت لم تستطع ذلك، ويُفتح لآخر الصدقةُ والبذلُ, ولم يُفتح لك ذلك، ويُفتح لآخر طلبُ العلم ونفعُ الناس ولم يُفتح لك ذلك.

 فاحمد الله أن وفقك لبرّ والديك، ولا تتذمّر ولا تنتقص أحدًا مهما قصّر وحُرم البرّ والإحسان.

اللهم وفقنا لبر والدينا، وأعنا على الإحسان إليهما, يا رب العالمين, يا حي يا قيوم.

**********

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر الآباء والأمهات، ساعدوا وأعينوا أولادكم على بركم, وذلك بالرفق بهم, والثناء عليهم, والبعدِ عن كثرة العتاب واللوم.

وعليكم بمراعاة أمور واجبة تجاه أولادكم, ومنها:

أولا: أن تُعاملوهم برفق ولين ورحمة.

ثانيًا: أن تُظهِروا حبّكم ومشاعركم الطيبة لهم, وليسأل كلُّ واحد نفسه: متى قلتَ لأحد أولادك: يا فلان إني أحبك؟ ومتى أرسلتَ رسالةً تعبّر فيها عن مدى شوقك لهم؟

ولماذا نكتم مشاعرنا تجاه أولادنا؟! ومن العجب أنّ بعض الناس يبوح بمشاعره تجاه أصدقائه، ويحرمُ أولاده منها.

ثالثًا: أن تعدلوا بين أولادك.

والعدل واجبُ بينهم في البشاشة والإكرام والترحيب والعطاء بقدر الإمكان.

نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا ذريةً صالحة، وأن يُصلح ما رزقنا ويُبارك فيه، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أحينا حياةً سعيدة، وأمتنا ميتة مرضيّة, يا رب العالمين، يا حي يا قيوم.

اللهم وفق ولي أمرنا ووليّ عهده لِمَا تحب وترضى، اللهم أعنهم على ما فيه صلاح العباد والبلاد يا رب العالمين، اللهم تول أمر المسلمين في كل مكان، وخصّ أهلنا في غزة, اللهم الطف بهم وانصرهم على من بغى عليهم من اليهود ومن شايعهم، اللهم أطعم جائعهم, واكْسُ عاريهم, وفك أسيرهم, يا رب العالمين، يا حي يا قيوم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

المشاهدات 495 | التعليقات 0