من أسباب الجور في التركة
حسين بن حمزة حسين
1446/07/03 - 2025/01/03 03:16AM
الحمد لله الذي قسّم الميراث وقضى وعدل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكم وله الأمر وهو أعلم وأحكم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
إخوة الإيمان: حَرَّم الله عز وجل الظّلم على نفسه، وجعله محرّما بيْن عباده، قال تعالى في الحديث القدسي (يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُهُ بينَكم محرَّمًا فلا تَظالموا) رواه مسلم ، ومن الظّلمِ الواجبِ الحذرِ منه والتنبيه عليه، الظلمُ في توزيع الميراث والتركة، وحقيقته الخيانة والكذب، والنّصب والاحتيال لسرقة أموال أقرب وأولى الناس للإنسان بالوفاء والعدل والإحسان، وهو محرّمٌ شرعاً، ومجرّمٌ نظاماً، فالله عزّ وجل فصّل أحكام المواريث في كتابه الكريم بأبْين بيان، وأوضح كلام، وأعطى كل ذي حقّ حقّة، وحَكَم في ذلك وقضى وحُكمه عدْل وكمال، وليس لكائن من كان أن يردّ ما فرضَ الله وحَكَم ، قال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) وقال صلى الله عليه وسلّم ( إنَّ اللهَ قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ؛ فلا وصيَّةَ لوارثٍ.)
إخوة الإيمان: الميراثُ هو انتقالُ مال المتوَفَّى لورثته الشّرعييّن وفق ما حدّدته الشّريعة الإسلاميّة، والتحايل في قسْمة الميراث من أعظم الذنوب وأكبر الآثام لما فيه من أكل أموال الورثة بالباطل، ويكون ذلك حياءً كما يكون ظلماً وعدواناً، فحياءً كمن يُلزم الورثة المحتاجين بشيء من الميراث في عمل البرّ والخيرات لميّتهم وهم في الحقيقة رافضين محتاجين للمال، فيمتثلوا حياءً، أو منْ يقيم مراسم العزاء من مال التركة فيمتثلوا حياءً، أو من يسلب المال عياناً بياناً، ظلماً وعدواناً، كإسقاط حقِّ أحد الورثة أو بعضِه، أو تأخيرِ قسْمة الميراث والمماطلة في قسْمته، أو إلجاء بعض الورثة إلى التنازل عن حقّه أو بعض حقّه، كمن يسقط حق الورثة الفقراء والضعفاء منهم كالمرأة والطفل والشيخ الكبير والمعتوه، فيسلبهم حقّهم من الميراث، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفينِ : اليتيمُ ، والمرأةُ ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
إخوة الإيمان: قطعاً لحبل النزاع والخلاف بين الورثة في قدر التركة ومقدارها، يجب على المؤمن تحري أماكن الخلاف والنزاع بين الورثة ومنعها أو تقليلها، فتخصيص المورّث أحد أبنائه لمعرفة أملاكه دون بقيّة الورثة، قد يكون منشأ خلافٍ بين الورثة ولا بدّ، وربما أخفى الابن بعض الأموال إذا كان من غير الأمناء، ومن كان له تجارة مشتركة مع ورثته من زوجةٍ وأبناء ونحوهم، عليه أن يبيّن حقوق شركائه من الورثة في التركة ويرد الأموال لأصحابها، فلا تدخل في القسمة، وأن يُشهد باقي الورثة على ذلك، وأن يكتب وصيّةً واضحةً بيّنة، فلا يكون منْشأُ الظّلْمُ والخلاف المورّث نفسُه، حيث يتساهل في تبْيين الحقوق، قال صلى الله عليه وسلم (ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، له شيءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) ) رواه مسلم ،
إخوة الإيمان: قد يكون الظّلم من المورّث نفسه بأن يُجْحِف ويَحِيفَ بالوصيّة وهو على مشارف الموت فيغيّر ما قسَم الله تعالى وفرَضَ من القسمة، ومن ذلك من يُضارّ بجميع الورثة ويحجبهم ويمنع الورثة من حقهم كاملا أو بعض حقهم، كمن يوقف جميع المال برّ وخيرات، أو يوصي بأكثر من ثلث ماله بالبر والخيرات فيضارّ ورثته وهذا ظلمٌ وعدوان بالوصية، وقد يُحَابي بعضَ الورثة على بعض، ومن ذلك الذي يُقدّم الذكور على الإناث، أو أن يطلّق الرجل امرأته في مرض الموت ليحْرمْها من الميراث، ليذهب نصيبها إلى زوجته الأخرى أو إلى أولاده، أو يعطي بعض الورثة ويمنع البعض، سواءً بالوصيّة بعد الوفاة أو قبل الوفاة، فالنعمان بن بشير رضي الله عنه وهبه والده النعمان هبةً دون إخوانه، وأتى يشهد النبي فقال صلى الله عليه وسلم ( ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟، قالَ: نَعَمْ، قالَ: لا تُشْهِدْنِي علَى جَوْرٍ أوقالَ لا أشْهَدُ علَى جَوْرٍ) رواه البخاري، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجوْر في الوصيّة علامة من علامات سوء الخاتمة، ومن موجبات دخول النار، فقال صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الرجلََّ ليعملُ والمرأةُ بطاعَةِ اللهِ ستينَ سنة ثُمَّ يحضرُهما الموتُ فيُضَارَّان في الوصِيَّةِ فتَجِبُ لهما النارُ) رواه الترمذي، لذلك من حضر موصٍ ضارّاً بوصيّته ظالمٌ، يجب تذكيره ومنعه من ظلمه، قال تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) ، يقول اِبْن عَبَّاس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية : "هَذَا فِي الرَّجُل يَحْضُرهُ الْمَوْت فَيَسْمَعهُ رَجُل يُوصِي بِوَصِيَّةٍ تَضُرّ بِوَرَثَتِهِ، فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى الَّذِي يَسْمَعهُ أَنْ يَتَّقِي اللَّه وَيُوَفِّقهُ وَيُسَدِّدهُ لِلصَّوَابِ) ابن كثير
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية :
إخوة الإيمان: اتقوا الله عباد الله، وارضوا بقسْم الله لكم، ولا تتعدوا حدود الله، وإياكم والظلم والجور في الوصية؛ فإنه المهلكة والخاتمة السيئة، نعوذ بالله من حال أهل النار، واعلموا أن العدل بالوصية من علامات حسن الخاتمة وموجبات دخول الجنة، وأن الجوْر في الوصيّة علامة من علامات سوء الخاتمة، ومن موجبات دخول النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإِذا أوْصَى حافَ فِي وَصِيّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرٍ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الجنة ) رواه الترمذي،