مَن استطاع إليه سَبيلاً 18 ــ 11 ــ 1446هـ

عبدالعزيز بن محمد
1446/11/17 - 2025/05/15 15:00PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيها المُسْلِمون: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} بِمَكَةَ بَيْتٌ للهِ مُعَظَّمٌ، بِمَكَةَ بَيْتٌ على التَوْحِيْدِ بُنِي {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}

أُمِرَ إِبراهِيْمُ عليه السلامُ بِبِناءِ البَيْتِ فَبَناه، ثُمَّ أُمِرَ بالأَذانِ في النَّاسِ بالحَجِّ فأَذَّن {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

شَعِيْرَةُ الحَجِّ شَعِيْرَةٌ مِنْ أَجَلِّ الشَّعَائِر، وعِبادَةُ الحَجِّ قُرْبَةٌ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبات. هِيَ  رَكْنٌ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ. وهِيَ فَرِيْضَةٌ مِنْ فرائِضِهِ العِظام.

عِبادَةٌ سَبَقَ إِليها النَّبِيُّونَ، وتَبِعَهُمُ بِها المُؤْمِنُونَ. فَلَمْ يَزَلِ الأَنْبياءُ بَعْدَ إِبراهيمَ عليهم السلامُ يَقْصِدُونَ البَيْتَ، ولَمْ تَزَلْ قُلُوبُ المُؤْمِنِيْنَ في كُلِّ قُطْرٍ تَهفُوا إِليه.

وأُمَةُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم هِيَ أَشْرَفُ الأَمَمِ وهِيَ أَكْثَرُهُا، وهِيَ خَاتِمَةُ الأَمَم وهِيَ أَسْبَقُهُا. هِيَ أَكْثَرُ مَنْ حَجَّ هَذا البَيْتَ، وَهِيَ أَكْثَرُ مَنْ قَصَدَ ولَبَّى.

قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَصْحابِهِ خَطِيْباً، فَقَال: «أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا» فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: «لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ» ثُمَّ قالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَدَعُوهُ» رواه مسلم   (فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) قَاعِدَةٌ مِنْ أَجَلِّ قَواعِدِ الشَّرِيْعَةِ، أَبانَ اللهُ فيها للعِبادِ فَضْلَهُ، ويَسَّرَ لَهُم فيها شَرْعَه{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

قَاعِدَةٌ أَقَرَّ اللهُ بِها عُيُونَ عِبادِهِ المُؤْمِنِيْن، فَما شَقَّ عَلِيْهِم شَيءٌ مِن التَكَالِيْفِ إِلا يَسَّرَه، ولا ضَعُفُوا عَنْ القِيامِ بِأَمْرٍ أَوجَبَهُ عليهم إِلا خَفَّفَه، ولا عَجِزُوا عنْ أَداءِ عِبادَةٍ إِلا وَضَعَها.

مَا كَلَّفَ اللهُ نَفْساً فَوْقَ طَاقَتِهَا **  وَلا تَجُوْدُ يَدٌ إِلا بِمَا تَجِدُ

وأَهْلُ مَنَازِلِ النَّعِيْمِ في دَارِ النَّعِيْم، قَومٌ عَمِلُوا مِنَ الصَّالحَاتِ مَا يُطِيْقُونَ، فأَورَثَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ هُمْ فِيْها خَالِدُون {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

{لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أَمَامَ هذهِ القَاعِدَةِ الشَّرْعِيَةِ، يَقِفُ المُؤْمِنُ مُتَأَمِلاً، فَيُدْرِكُ عَظِيْمَ إِحْسَانِ اللهِ بِعِبادِهِ، وجَمِيْلَ لُطْفِه بِهِم.  يُدْرِكُ أَنَّهُ مأَمُورٌ ببذلِ الوُسْعِ في الاسْتِجابَةِ لأَمْرِ اللهِ ورَسُولِه، وصِدْقِ القَصْدِ في القِيامِ بأَوامِرِهِما. فَلا يَتَخَلَّفُ ولا يَتأَخَر، ولا يَتَرَدَّدُ ولا يَتَوانَى، يَسْتَحْضِرُ وُجُوبَ الانْقِيادِ لأَمْرِ اللهِ ورَسُولِهِ، ويَسْتَحْضِرُ خَطَرَ الصُّدُودِ أَو القُعُودِ أَو الإِعراض {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

يُدْرِكُ المؤْمِنُ أَنَّهُ يَتَعَبَدُ للهِ بِالقِيامِ بأَمْرِه، فَنَفْسُهُ في العِبادَةِ راغِبَةً راهِبَةً مُتَذَلِّلَة. تُسَرُّ إِنْ قَامَتْ بالعَمَلِ كَما أُمِرَتْ، وإِنْ لَحِقَها أَمامَهُ ضَعْفٌ أَو عَجْزٌ أَو شِدَّةٌ أَو مَشَقَّةٌ. قَامَتْ بِما تَقْدِرُ عليهِ مِنْهُ، وثَوابُها عِنْدَ اللهِ مَوْفُور، عَنْ أَبِيْ مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» رواه البخاري

ولَمَّا فَرَضَ اللهُ الحَجَّ على عِبادَهِ وأَوْجَبَهُ عليهِم، وكَانَتْ عِبادَةُ الحَجِّ مِنْ أَشَقِّ العِبادَاتِ وأَكْلَفِها على النُّفُوسِ، لِما يَقْتَرِنُ بِها مِنْ شَدِّ الرِّحَالِ، وتَوَفُّرِ المَالِ، وصِحَةِ الجَسَدِ، وأَمِنْ المَخاوُفِ، وتَيَسُّرِ الأَسبابِ. وعَلِمَ اللهُ أَنَّ أَكْثَرَ العِبادِ في أَقْطَارِ الأَرْضَ لا يَسْتَطِيْعُونَ القَيامَ بِها. قَالَ سُبْحانَهُ في آيَةِ الأَمْرِ بالحَجِّ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} فَقَرَنَ اللهُ الوُجُوبَ بالاسْتِطَاعَةِ. فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ إِلى الحَجِّ سَبِيْلاً، فَهُوَ في الأَمْرِ خُيْرُ مُخاطَب، وهُوَ بَالحَجِّ غَيْرُ مَكَلَّفٍ حَتَى يَسْتَطِيْع. قَالَ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : (ولاسْتِطَاعَةُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَلِـهَذَا أَجْمَلَهَا الرَّبُّ سُبْحانُهُ فَقَالَ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وَهَكَذَا في الأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَحَجُّ البَيْتِ مَن اسْتَطَاعَ إِليهِ سَبِيْلًا» هَذَا هُوَ الأَصْلُ، فَالاسْتِطَاعَةُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَبِحَسَبِ قُرْبِهِمْ مِنْ مَكَّةَ وَبُعْدِهِمْ مِنْها.. إلخ)ا.هـ

ومَنْ تَعَسَّرَ عَلِيهِ الوُصُولُ إِلى مَكَةَ لِسَبَبٍ مِن الأَسْبابِ، فَهُو مِمَّنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إِلى البَيْتِ سَبِيْلاً، فلا يُؤْمَرُ بالمُخاطَرَةِ، ولا يُكَلَّفُ بالمُجازَفَةِ، ولا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِما قَدْ يُؤْلِمُهُ مِن التَّبِعاتِ.  

وثَوابُ اللهِ مَحْفُوظٌ لِمَنْ صَدُقَتْ نِيَّتُهُ، وعَزَمَ على العِبادَةِ فَلَمْ يقْدِرْ عَلِيْها، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وهُوَ قَافَلٌ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوك: «إِنَّ أَقْوَاماً خَلْفَنَا بِالمدِيْنَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْبَاً، ولا وَادِياً، إِلا وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمُ العُذْرُ» رواه البخاري

{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ*إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ..} بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً  أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: إِنَّ قِيامَ العَبْدِ بِما افْتَرَضَهُ اللهُ عليهِ، مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبابِ المُوجِبَةِ لِرَحْمَةِ اللهِ، ومِنْ أَعْظَمِ الأَسْبابِ المُوجِبَةِ لِرضْوانِه.  وإِنَّ تَهاوُنَ العَبْدِ بأَداءِ الفَرائِضِ، وتأَخِيْرَهُ للواجِباتِ، وتَسْوِيفَهُ للفُرَصِ، وإَضَاعَتَهُ للأَوْقاتِ. لَنْ يَجْنِيَ مِنْهُ العَبْدُ إِلا حَسْرَةً ونَدَماً. ولَئِنَ كَانَ وُجُوبُ الحَجِّ مَقْرُوناً بالاسْتِطاعَةِ إِليهِ سَبِيْلاً. فإِن العَبْدَ مأَمُورٌ بالسَّعْيِ لِتَحْصِيْلِ أَسْبابِ الاسْتِطَاعَةِ إِنْ قَدِرَ عَليْها.  

فَكَمْ حَجَّ البَيْتَ أَقْوامٌ قَدِمُوا مِنْ أَقاصِيْ الأَرْضِ ومِنْ شَتَى نَواحِيْها، بذَلُوا لِبُلُوغِ الحَجِّ كُلَّ سَبب، وأَرْخَصُوا لَبُلُوغِ البَيْتِ كُلَّ مالٍ. تَراهُم وقَدْ وَهَنَت عِظَامُهُم، وتَقَدَّمَتْ أَعْمارُهُم، واحْدَوْدَبَتْ ظُهُورُهُم، يَتَقَلَّبُونَ بَيْنَ المَشاعِرِ المُقَدَّسَةِ، والأَرْضُ ــ مَنْ الفَرَحِ ــ لا تَحْمِلُهُم.  فَقَدْ بَلَغُوا ما أَرادُوا، وحَقَّقُوا ما أَمَلُوا، وأَتَوا لأَدَاءِ فَرِيْضَةِ الحَجِّ التي كَانُوا مِنْ نُعُومَةِ أَظْفارِهِم يَتَشَوَّقُونَ إِليها.

* يُخاطُبُ بذلِكَ رِجالٌ ونِساءٌ تَتوالَى عَلِيْهِمُ السِنِيْنُ تِلُو السّنِيْنِ، ويأَتِيْ عَلِيْهِمُ الحَجُّ تِلْوَ الحَجِّ، وهُم لَمْ يُؤَدُوا فَرِيْضَةَ اللهِ التِي أَوجَبَها عَلِيْهِم مَع اسْتِطَاعَتِهِم. فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفنِّدًا، أو موتًا مُجهِزًا.  * ويُخاطَبُ بِذلِكَ شَبابٌ يُرْخِصُونَ للكَمالِيَّاتِ والمُتَعِ أَموالَهُم، ويَدَّخِرُونَ للسياحَةِ والأَسْفارِ مُدَّخَرَاتِهِم، وإِذا خُوطِبَ أَحَدُهُم بِفَرِيْضَةِ الحَجِّ والسَّعْيِ في أَسْبابِ القِيامِ بِها، أَسْنَدَ جَنْبَهُ إِلى أَرِيْكَتَهِ وقَالَ: {لِمَنْ اسْتَطَاعَ إِليهِ سَبِيْلاً}

قَدِرَ على تأَمِيْنِ كُلِّ سَبِيْلٍ إِلى مُشْتَاهُ، وانْصَرَفَ عَنْ تأَمِيْنِ السَبِيْلِ إِلى الحَجِّ. حَسْبُهُم أَنَّ اللهُ هُوَ الخَبِيرُ بأَحْوَالِهِم، وهُوَ الحَفِيْظُ لأَعْمالِهِم، وهُوَ الشَّهِيْدُ وَهُوَ الرَّقِيْبُ وهُوَ الحَسِيْبُ {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}

لَقَدْ كَانَ الحَدِيْثُ والحَثُّ على أَداءِ فَرْيْضَةِ الحَجِّ يُخاطَبُ بِه النَّاسُ قُبيلَ الحَجِّ بأَيَّام. أَمَا وَإِنَّ الأَمْرَ قَدْ بُنِيَ على أَنْظِمَةٍ وقَامَ على تَرْتِيْباتٍ. فَإِنَّ مَنْ أَرادَ الحَجَّ فَلْيَأَخذْ للأَمْرِ عَدَّتَه، وليَتَهَيأَ لَلحَجِّ قَبْلَ أَوانِه.

فَمُوسِمُ الحَجِّ يتَجَدَّدُ في كُلِّ عَام. فَماذا عَسَى المُشْتَاقِ للحَجِّ أَنْ تتهَيأَ مِنْ يَومِهِ لِعامِهِ القَابِل. كُلُّ مالٍ يَدَّخِرُهُ لِحَجِّهِ فَهُو بِهِ مأَجُور، وكُلُّ بذْلٍ يُنْفِقُهُ في حَجِّهِ فَهُو لَهُ مَخْلُوف. وَفِي الآخِرَةِ قَدْ عُلِمَ مِنَ الوَحِيِ ثوابُ مَنْ حَجّ. (مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) متفق عليه (وَالحَجُّ المَبرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةَ) متفقٌ عليهِ

اللهم يسرنا لليسرى

 

 

 

المرفقات

1747310445_من استطاع إليه سبيلا 18ـ 11 ـ 1446هـ.docx

المشاهدات 580 | التعليقات 0