من مخاطرِ اللسانِ

محمد محمد
1447/01/15 - 2025/07/10 09:30AM

مِنْ مخاطرِ اللسانِ-16-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.

(يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ:

ففي كُلِّ صَباحٍ، يَدورُ حِوارٌ بينَ أَعضَاءِ الإنسانِ، لا نَسمَعُهُ ولكن نؤمنُ بِهِ أَشدَّ الإيمانِ، يَتَكلمُ فيهِ الأُذنُ واليَدُ والرِّجلُ والعَينانِ، فمَاذا يَقولُ الأعضاءُ كُلَّ يومٍ لِلِّسانِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا أصْبَحَ ابنُ آدَمَ، فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللِّسانَ–تَخضعُ وتَذِلُّ له-، تَقولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا، فإنَّما نحنُ بِكَ؛ فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".

فَسُبحَانَ اللهِ! اللِّسانُ أمرُه خَطيرٌ، وشَأنُه كَبيرٌ، بِكَلمةٍ وَاحدةٍ قَد يَرفَعُكَ إلى أعلى الجناتِ، وتَنالُ رِضى الرَّحمنِ، وبِكَلمَةٍ واحدةٍ قَد يَهويِ بِكَ إلى قَاعِ النِّارِ، وتَنالُ سَخطَ الرَّحمنِ، يَقولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ".

مِن مَخَاطِرِ اللِّسَانِ: الغِيبَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ"، فالغيبةُ هو ذِكرُكَ لما في أخيكَ من الصِّفاتِ والأفعالِ والألقابِ مما يكرهُه في غيابِه، وأما إن لم يَكنْ فيه ما ذكرتَ، "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ"، والبُهتانُ: أشدُّ الكذبِ، وهذا أَكبرُ وأَعظمُ.

تقولُ أُمُنا-عائشةُ-رضيَ اللهُ عنها-: "قلتُ للنَّبيِّ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا-أَشارتْ بيدِها أَنَّها قَصِيرَةً-، فاسمعْ ماذا قالَ عن هذه الإشارةِ، التي قالتْها بسببِ الغَيرةِ بين الضَّرائرِ، قَالَ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ"، كلمةً لو خُلِطتْ بماءِ البحرِ لأفسدتْ طعمَه ولونَه وريحَه، فماذا يُقالَ فيما هو أعظمُ من ذلكَ، من السُّخريةِ والعيبِ، والهَمزِ واللَّمزِ، والطَّعنِ في الأحسابِ، والتنابزِ بالألقابِ.

ومِن مَخَاطِرِ اللِّسَانِ: النَمِيمَةُ، فَهِيَ عظيمةٌ من العظائمِ، ومنْ كِبارِ الجرائمِ، يَقولُ عَطاءُ بنُ السَّائبِ-رحمه اللهُ-: "قَدِمتُ مِنْ مكَّةَ، فلقيني الشَّعبيُّ-رحمه اللهُ-، فقالَ: يا أبا زيدٍ، أَطْرِفْنَا ممَّا سَمعتَ بمكَّةَ، فقلتُ: سمعتُ عبدَ الرَّحمنِ بنَ سَابطٍ-رحمه اللهُ-يَقولُ: لا يَسكنُ مكَّةَ سَافكُ دَمٍ، ولا آكلُ ربًا، ولا مشَّاءٌ بنميمةٍ، فَعَجِبْتُ منه حِينَ عَدَلَ-ساوى-النَّمِيمَةَ بسَفكِ الدَّمِ وأَكلِ الرِّبا، فقالَ الشَّعبيُّ: وما يُعْجِبُكَ من هذا؟ وهل يُسفكُ الدَّمُ وتُركبُ العظائمُ إلَّا بالنَّمِيمَةِ؟".

فيا أيُّها النَّمامُ: كيفَ يهنأُ لكَ منامٌ وأنتَ شرُّ الأنامِ! قالَ النَّبِيُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ-تعالى-، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاؤونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ".

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْمِ، وَنَفَعَنِي وَاِيِّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيْمِ، ...

أسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيْمَ لَيْ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا، أما بعدُ:

فمِن مَخَاطِرِ اللِّسَانِ: كلماتٌ، ولكنَّهنَّ لَسْنَ كباقي الكلماتِ، لأنَّهنَّ قاتلاتٌ، تُسرعُ كالرِّيحِ، وتشتعلُ كالنَّارِ، كم هدمتْ من صداقةٍ ودارٍ، وكم فَرَّقتْ من قريبٍ وجارٍ، بسببِها يُتَّهمُ البريءُ، ويُكذَّبُ الصَّادقُ، ويُخوَّنُ الأمينُ، ويُخَافُ المجتمعُ بعدَ الاستقرارِ، وترتفعُ بها الأسعارُ، وتُهزمُ جُيوشُ، وتُسْقَطُ دُّولُ، وكم كَانَ فِي تَصديقِها النَّدَمُ والحَسَراتُ، ولكن بعدَمَا قُضيَ الأمرُ وفاتَ، إنَّها الإشاعاتُ! وما أدراكَ ما الإشاعاتُ!

الإشَاعَاتُ لها أثرٌ غريبٌ مدمرٌ، بُها تَتَفَكَّكُ المُجتمعاتُ وتَنهارُ، وتتغيَّرُ المفاهيمُ والأفكارُ، فيا للهِ كم من كلمةٍ طُعنَ بها بالإسلامُ، وكُذِّبَ نبيٌّ، وشُوِّهَ جميلٌ، واتُّهمَ بريءٌ، وقُطعتْ أرحامٌ، وهُزمَ جيشٌ، وأُخيفَ آمنونَ، وكُدِّرَ عَيشٌ، وأُزيلتْ نِعَمٌ، وأُسقطتْ دولٌ، وأريقتْ دماءٌ، ودمُّ عثمانَ بنِ عفانَ-رضيَ اللهُ عنه-الخليفةِ الرَّاشدِ ذي النُّورينِ، دمُّهُ على ذلك شهيدٌ.

وإذا كنَّا قد أُمرنا بالتَّثبتِ في نقلِ خبرِ الفُسَّاقِ، في قولِهِ-سبحانَه-: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، فكيفَ بأخبارِ عَدوٍّ غَادِرٍ، أو أخبارٍ مجهولةٍ المَصَادرِ! فانتبهوا من الكَلماتِ التي تُدارُ في المجالسِ، وتُرسلُ في وسائلِ التَّواصلِ، وحافظوا على أمنِكم وبلادِكم من كلِّ سوءٍ وصائِلٍ.

الدعاءُ

اللَّهُمَّ اهدِنا لأحسنِ الأخلاقِ والأقوالِ والأفعالِ، لا يَهدي لأحسنِها إلا أنتَ.

اللَّهُمَّ طهرْ قلوبَنا من النفاقِ، وأعينَنا من الخيانةِ وألسنتَنا من الكذبِ والمراءِ والجدالِ.

اللَّهُمَّ احفظ ألسنتَنا من الغيبةِ والنـّميمةِ، والهمزِ واللمزِ، والسبِّ والطعنِ والأذى، والفاحشِ من القولِ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

اللَّهُمَّ اجعل ألسنتَنا حَربًا على أعدائك، سِلْمًا لأوليائك.

اللَّهُمَّ إنا نسألُك سكينةً في النفسِ، وانشراحًا في الصدرِ.

اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ من الصالحينَ المصلحينَ، ومن جندِك المخلصينَ، وانصر بنا الدينَ، واجعل لنا لسانَ صدقٍ في الآخرينَ.

اللَّهُمَّ آمنا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، وأيد بالحقِّ إمامَنا ووليَ أمرِنا، وهَيِئ له البطانةَ الصالحةَ التي تعينُه على الخيرِ.

اللَّهُمَّ من أرادَ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ بسوءٍ فأشغله بنفسِه وردَّ كيدَه في نحرِه يا سميعَ الدعاءِ.

اللَّهُمَّ احفظ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ من شرِّ الأشرارِ وكيدِ الفجار برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.

المرفقات

1752129144_مِنْ مخاطرِ اللسانِ-16-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1752129145_مِنْ مخاطرِ اللسانِ-16-1-1447هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 135 | التعليقات 0