موعظة عن اليوم الآخر

أنشر تؤجر
1447/05/01 - 2025/10/23 16:28PM

الحمدُ للهِ الذي تفرَّدَ بالخَلقِ والتَّدبيرِ ، وتَصرَّفَ بالحِكمةِ البالغةِ و التَّقديرِ ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له , وأشهدُ أن نبيَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه , صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه ، والتَّابعينَ ومن تبعَهم بإحسان إلى يوم الدين .

أَمَّا بَعْدُ : فأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله : التصديق باليوم الآخر من أسس الإيمان التي دعا إليها الرسل عليهم الصلاة .

وأول صفة في كتاب الله من صفات المتقين هي الإيمان بالغيب :( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ( 2 ) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )

وأمد الإنسان في هذه الحياة قصير ، وأيامه في هذا العالم الفاني محدودة ، وسيأتي يوم يُبيدُ الحيُّ القيوم فيه الحياةَ والأحياءَ ، مصداقاً لقوله تعالى :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ - وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [ الرحمن : 26- 27 ]، ثم يعيد الله فيه العباد ويبعثهم ، فيوقفهم بين يديه ويحاسبهم على ما قدموه من أعمال ، هذا اليوم هو يوم القيامة .

وسمي بيوم القيامة لما يقوم فيه من الأمور العظام التي بينتها النصوص الشرعية ، وسمى الله عز وجل ذلك اليوم بأسماء كثيرة عدها بعض العلماء كالقرطبي إلى أكثر من خمسين اسماً .

ومن تلك الأسماء :

القارعة والصاخة ، لأنه يوم يقرع القلوب ، ويصخ الأسماع حتى يكاد يصم الآذان ، ويوم الطامة والغاشية والبعث والتغابن والحسرة ، لأن العباد يتحسرون فيه ويندمون ، فالمؤمنون فيتحسرون على ما وقع منهم من معاصي وكذلك على عدم استزادتهم من أعمال البر والتقوى ، قال تعالى :(  حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) (الأنعام : 31 )

إلى غير ذلك من الأسماء الكثيرة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه 0

إنه يوم يتحقق فيه الوعد والوعيد ، وتتجلى فيه الأمور ، وتبعثر فيه القبور ، ويحصل ما في الصدور ، وينبأ الإنسان فيه بما قدم وأخر . 

وعندما يأتي ذلك اليوم العظيم ينفخ في الصور ، فتنهي هذه النفخة الحياة في الأرض والسماء ، قال تعالى :(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ  )

هذه النفخة هي النفخة الأولى وهي نفخة الصعق ، والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل ، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن صاحب الصور مستعد دائماً للنفخ فيه منذ أن خلقه الله تعالى ينظر نحو العرش ، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طَرْفه 0

واليوم الذي ينفخ فيه وتقوم فيه الساعة هو يوم الجمعة ، وإذا شاء الله إعادة العباد وإحياءهم أمر إسرافيل فنفخ في الصور النفخة الثانية وهي نفخة البعث ، فتعود الأرواح إلى الأجساد ويقوم الناس لرب العالمين ، قال تعالى :( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون )

وأول من تنشق عنه الأرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ينزل الله ماء من السماء تنبت منه أجساد العباد كما ينبت البقل ، أي : الحب إذا زرع .

عباد الله : يوم القيامة يوم عظيم تحصل فيه أمور عظام ، فيدخل الناس فزعُ عظيماً ، كما ذكر الله شيئاً من ذلك ، فقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج : 1 ) (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج : 2 )

وفي ذلك اليوم يشيب الوليد الصغير الذي لم يرتكب جرماً من شدة الأهوال ، قال تعالى :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً ) (المزّمِّل : 17 )

في ذلك اليوم يفر الإنسان من أحب الناس إليه من الأم ومن الأب ومن الزوجة ومن الابن والأخ ومن العشيرة ، فتنقطع علائق الأنساب قال تعالى :( فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ) (عبس : 33 ) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (عبس : 34 ) (وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) (عبس : 35 (وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس : 36 )) (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (عبس : 37 )

يوم القيامة لو علمت بهوله                  لفررت من أهل ومن أوطان

يوم تشققت السماء لهوله                    وتشيب منه مفارق الولدان

في ذلك اليوم العظيم تدك الجبال وتسير ، وتسجر البحار وتفجر ، وتمور السماء وتضطرب ، وتنشق وتتفطر وتصبح ضعيفة واهية ، وأما الشمس فتكور ، وأما النجوم الجملية فتتساقط 0

في ذلك اليوم يطوي الجبار سبحانه وتعالى السماء بيمينه والأرض يقبضها ، قال تعالى :( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر : 67 ) 

اللهم ارحمنا برحمتك يا رب العالمين ، واجعلنا في يوم القيامة من الآمنين الناجين يا جود يا كريم .

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

عباد الله : في ذلك اليوم العظيم يجمع الله الأولين والآخرين :( قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم )

وعلم الله تعالى محيط بهم أينما ماتوا ، وعلى أي صفة هلكوا ، وحيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم ، إن هلكوا في أجواء الفضاء ، أو غاروا في أعماق الأرض ، أو غيبوا في قبورهم في الأرض ، كل ذلك عند الله سواء :( أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).

ولا ينسى منهم أحد ، لقد أحصاهم خالقهم تبارك وتعالى ، وعَدَّهم عداً :( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا - لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا - وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) [ مريم : 93-95 ] .

عباد الله : هذه موعظة للذكرى ، وإلا فهناك أهوال عظيمة يوم القيامة لم يتسع الوقت لذكرها .

ألا فاتق الله – يا عبد الله – واجعل اليوم الآخر في خلدك ، وذكراه على لسانك ، واستعد له بالإيمان والعمل الصالح ، وتزود من التقوى فإن السفر بعيد ، وخفف الحمل فإن العقبة كؤود .

يقول يحيى بن معاذ - رحمه الله -:" طوبى لمن بنى قبره قبل أن يدخله ، وأرضى ربه قبل أن يلقاه ".

لا دار لِلمَرءِ بَعدَ المَوت يَسكُنُها       إِلّا الَّتي كانَ قَبل المَوتِ يَبنيها

فَإِن بَناها بِخَير فازَ ساكِنُها       وَإِن بَناها بشرّ خاب بانيها

اللهم يسر حسابنا ، ويمن كتابنا ، واجعلنا من عبادك الصالحين .

اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى ، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا ، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا  الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا ، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ .

اللهم اللهَ أَنْ يُعِيْنَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ .

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين .

اللَّهُمَّ آمنا في دورنا وأصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى .

للهم لا تدع لنا ذنباً إِلا غفرته ، ولا هماً إِلا فرّجته ، ولا ديناً إِلا قضيته ، ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا ميتاً إلا رحمته ، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار .

سبحانَ ربِّك ربِّ العزّةِ عمّا يَصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المرفقات

1761226061_موعظة مختصرة عن اليوم الآخر.docx

المشاهدات 381 | التعليقات 0