نَصِيبًا مَفْرُوضًا

مبارك العشوان 1
1446/07/02 - 2025/01/02 10:28AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَاءَ هَذَا الدِّينُ القَوِيمُ بِخَيْرَي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ  جَاءَ بِمَا فِيهِ مَصَالِحُ العِبَادِ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ.

جَاءَ الإِسْلَامُ بِالعَدْلِ، وَأَبْطَلَ مَا كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنَ الظُّلْمِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالمَوَارِيثِ؛ فَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِبَيَانِهَا أَوْضَحَ البَيَانِ، وَأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلرِّجَالِ الْكِبَارِ، وَلَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الْأَطْفَالَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا }أَيِ: الْجَمِيعُ فِيهِ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، يَسْتَوُونَ فِي أَصْلِ الْوِرَاثَةِ   وَإِنْ تَفَاوَتُوا بِحَسَبِ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلٍّ مِنْهُمْ، بِمَا يُدْلِي بِهِ إِلَى الْمَيِّتِ مِنْ قَرَابَةٍ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ، أَوْ وَلَاءٍ... الخ.

وَفِي هَذِهِ الآيَةِ وَالآيَاتِ بَعْدَهَا مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ؛ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ حَقٌّ فِيمَا تَرَكَهُ مُوَرِّثُهُمْ؛ سَوَاءً كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.

وَقَدْ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ؛ سَوَاءً كَانَ رَجُلًا أَوِ اِمْرَأَةً، كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا، غَنِيَّا أَوْ فَقِيرًا.

عِبَادَ اللهِ: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يَتَعَلُّقُ بِتَرِكَتِهِ حُقُوقٌ خَمْسَةٌ

أَوَّلُهَا: مَؤُونَةُ تَجْهِيزِهِ؛ مِنْ كَفَنٍ وَأُجْرَةِ مُغَسِّلٍ وَنَحْوِهِا.

ثُمَّ الدُّيُونُ المُتَعَلِّقُةُ بِعَينِ التَّرِكَةِ كَالدُّيُونِ الَّتِي فِيهَا رَهْنٌ.

ثُمَّ الدُّيُونُ المُطْلَقَةُ؛ سَوَاءً كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ أَوْ كَانَتْ دُيُونًا لِلنَّاسِ.

ثُمَّ الوَصِيَّةُ بِضَوَابِطِهَا، ثُمَّ الإِرْثُ.

فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الحُقُوقِ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ.

وَلَا بُدَّ أَنْ تُوَافِقَ القِسْمَةُ شَرْعَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فَيَتَوَلاهَا مِنَ الوَرَثَةِ أَوْ مِنْ غَيرِهِمْ مَنْ يَعْلَمُ أَحْكَامَهَا؛ يَعْلَمُ مَنْ يَرِثُ وَمَنْ لَا يَرِثُ، وَأَنْصِبَةَ الوَرَثَةِ، وَكَيفِيَّةَ قِسْمَتِهَا.

وَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ عَقَارَاتٌ، أَوْ سَيَّارَاتٌ، أَوْ مُعِدَّاتٌ، أَوْ بَهَائِمُ، أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ قِيْمَةٌ مُحَدَّدَةٌ؛ فَيُسْتَفَادُ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ فِي تَحْدِيدِ القِيمَةِ أَوْ تَقْرِيبِهَا.   

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ:

فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ آيَاتِ المَوَارِيثِ: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }[ النساء 13-14 ]  

يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: هَذِهِ الْفَرَائِضُ وَالْمَقَادِيرُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِلْوَرَثَةِ بِحَسَبِ قُرْبِهِمْ مِنَ الْمَيِّتِ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ وَفَقْدِهِمْ لَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ هِيَ حُدُودُ اللَّهِ؛ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَلَا تُجَاوِزُوهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أَيْ: فِيهَا  فَلَمْ يَزِدْ بَعْضَ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ  يَنْقُصْ بَعْضًا بِحِيلَةٍ وَوَسِيلَةٍ، بَلْ تَرَكَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَفَرِيضَتِهِ وَقِسْمَتِهِ { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }  { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } أَيْ  لِكَوْنِهِ غيَّر مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ   وَضَادَّ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ؛ وَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ عَدَمِ الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ وَحَكَمَ بِهِ، وَلِهَذَا يُجَازِيهِ بِالإِهْانَةِ فِي العَذَابِ الأَلِيمِ المُقِيمِ. اهـ

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَالْتَزِمُوا حُدُودَهُ فِي المَوَارِيثِ وَفِي غَيْرِهَا.

إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ مُحَرَّمًا؛ وَحَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الظُّلْمِ فِي عَدَدٍ مِنَ الأَحَادِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهَا؛ فَقَالَ: ( الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ ) وَقَالَ: ( اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ ) وَقَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ).

عِبَادَ اللهِ: وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ، وَأَشَدِّهِ عُقُوبَةً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنَ السَّبْعِ المُوبِقَاتِ: أَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ؛ وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ فَاعِلَهُ بِقَولِهِ: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }

مِنْ أَقْبَحِ الظُّلْمِ: الظُّلْمُ فِي المَوَارِيثِ، وَعَدَمُ الرِّضَى بِقَسْمِ اللهِ؛ وَأَكْلُ أَمْوَالِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الأَطْفَالِ وَالشُّيُوخِ وَالنِّسَاءِ وَذِوي الاحْتِيَاجَاتِ الخَاصَّةِ.

أَكْلًا صَرِيحًا، أَوْ مُمَاطَلَةً، أَوْ تَحَايُلًا لِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِمْ، أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ طَلَبًا لِلتَّنَازُلِ؛ بِإِلْجَاءٍ، أَوْ إِحْرَاجِ، أَوْ بِدُونِهِمَا.

أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الظُّلْمِ، وَرَزَقَنَا تَمَامَ الرِّضَى، وَكَمَالَ التَّسْلِيمِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ؛ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ  اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ  وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1735802917_نَصِيبًا مَفْرُوضًا.pdf

1735802929_نَصِيبًا مَفْرُوضًا.docx

المشاهدات 1192 | التعليقات 0