نِعْمَةُ المَسَاكِنِ ) موافقة للتعميم )
أنشر تؤجر
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله : نِعَمُ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ لَا تُحْصـَى، مُنْذُ خَلَقَهُمْ وَهُوَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، وَالنَّاسُ بِطَبْعِهِمْ يَأْلَفُونَ النِّعَمَ الدَّائِمَةَ فَيَنْسَوْنَهَا، وَيُقَصِّـرُونَ فِي شُكْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهَا، وَلَا يَتَذَكَّرُهَا الْوَاحِدُ إِلَّا إِذَا فَقَدَهَا؛ وَلِذَا فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ تَذْكِيرًا كَثِيرًا بِالنِّعَمِ الدَّائِمَةِ؛ لِئَلَّا يَنْسَى الْعِبَادُ فَضْلَ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِمْ بِهَا.
وَمِنْ تِلْكُمُ النِّعَمِ: نِعْمَةُ الْبُيُوتِ وَالْمَسَاكِنِ، الَّتِيْ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ بِهَا، فَقَالَ: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾.
وأَنْبِيَاءُ اللهِ ورُسُلُهُ هُمْ أَكْثَرُ الخَلْقِ اسْتِحْضَارًا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وتَذَكُّرًا وتَذْكِيْرًا بِهَا؛ فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ صَالِحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُخَاطِبُ قَوْمَهُ: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾. وكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْتَحْضِـرُ نِعْمَةَ الْبُيُوتِ عَلَى الدَّوَامِ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهَا إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ:كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ، وَلَا مُؤْوِيَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
نعم كَمْ مِنْ أُنَاسٍ لَيْسَ لَهُمْ مَأْوًى يَأْوُونَ إِلَيْهِ، وَلَا سَكَنٌ يَسْكُنُونَ فِيهِ؛ فَلَا يَتَّقُونَ الشَّمْسَ وَلَا الْبَرْدَ، وَلَا يُسْتَرُونَ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، فَلَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَأَنْ يَلْهَجَ لِلَّهِ تَعَالَى بِشُكْرِهَا.
وَالمتأمل - يا عباد الله - في بُيُوتُ مَنْ سَبَقُونَا من أَجْدَادِنَا وفي بُيُوتِنَا ، يدرك عظمَ النعمةِ التي نحن فيها ، كَانَتْ بُيُوتُهُمْ مِنَ الطِّينِ ، وَسُقُوفُهَا مِنَ الْخَشَبِ، فَإِذَا تَتَابَعَ الْمَطَرُ خَافُوا سُقُوطَ مَنَازِلِهِمْ؛ وَكَانَتْ إِضَاءَتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمُ السّـُرُجَ، تَسْـرِقُ أَبْصَارَهُمْ وَلَا تُضِـيءُ لَهُمْ كَمَا يَنْبَغِي، خَاصَّةً مَنْ يَقْرَؤُونَ وَيَكْتُبُونَ عَلَيْهَا، فَكَمْ عَانَى الْعُلَمَاءُ مِنْهَا. وَالْآنَ ولله الحمد بيوتنا مُهَيَّأَةٌ بِكُلِّ مَا نَحْتَاجُهُ الْوَاحِدُ ، أَنْوَاعُ الْإِضَاءَةِ تُبْهِرُ النَّاظِرِينَ، وتَكْيِيفٌ يَقْضِـي عَلَى وَطْأَةِ الْحَرِّ، وَفِي الشِّتَاءِ أَنْوَاعُ الْمَدَافِئِ تُعْرَضُ فِي الْأَسْوَاقِ، فَلَا يَجِدُ الْوَاحِدُ فِي بَيْتِهِ حَرًّا وَلَا بَرْدًا، وَيَالَهَا مِنْ نِعْمَةٍ، يَنَامُ فِيهَا نَوْمًا هَانِئًا، نَاهِيكُمْ عَنْ سَعَةِ الْبُيُوتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَرَافِقِ، وَمَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَثَاثِ وَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا.
فَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نَعْمَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ.
وَمِنَ الشُّكْرِ - يا عباد الله - عِمَارَةُ الْبُيُوتِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَطْهِيرُهَا مِنَ الْمَعَاصِي، وَلَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ أَصْغَرَ الْبُيُوتِ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ، كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ الَّذِي لَا عَامِرَ لَهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ فِيهِ".
اللهم بارك لنا في أرزاقِنا وأموالِنا وأملاكِنا ، واجعلها عونًا على طاعتِكَ .
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنْ اَلْآَيَاتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اَلْلهَ اَلْعَظِيْمَ لِيْوَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ.
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وسَلّم تَسْلِيمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : المسكنُ من متطلباتِ الحياةِ ، ومن الضروريات التي لا بد منها ، وقد أصبح المسكن هماً كبيراً خاصةً في المدن الكبيرة المزدحمة بالناس ؛ فنحن نسمع ونرى ارتفاع إيجارات البيوت والشقق ارتفاعاً مبالغاً فيه ، وينبغي لمن رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَسَاكِنَ يُؤَجِّرُهَا أن يَرْفُقْ بِمُسْتَأْجِرِيهَا، وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ؛ فَيَزِيدَ عَلَيْهِمْ كُلَّ عَامٍ، بل الواجب أن يُعَامِلَ النَّاسَ بِالْحُسْنَى؛ فَيَرْفُقُ بِالضَّعِيفِ، وَيَصْبِرُوا عَلَى الْمُتَعَثِّرِ والْمُعْسِـرِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَفْرِيجِ الْكُرَبِ، وَحَرِيٌّ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَنْ يُوَفِّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُبَارِكَ فِي رِزْقِهِ، وَيُفَرِّجَ كَرْبَهُ ؛ فإن الجزاء من جنس العمل ؛ ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام :( وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ بِالرَّحْمَةِ لِأَهْلِ الْعَفْوِ وَالسَّمَاحَةِ ؛ فَقَالَ–عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ–: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَابَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَـى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
عباد الله : لقد صَدَرَتِ الأَنْظِمَةُ بِتَوْجِيهَاتِ من وَلِاة الأمر وَفَّقَهم اللَّهُ–؛ لِتَحْقِيقِ التَّوَازُنِ فِي الْقِطَاعِ الْعَقَارِيِّ ، وَالَّتِي تَهْدِفُ إِلَى تَيْسِيْرِ السَّكَنِ لِلْمُوَاطِنِينَ وَالْمُقِيمِينَ ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الاِسْتِقْرَارِ النَّـفْـسِـيِّ وَالاِجْتِمَاعِيِّ لِكَثِيرٍ مِنَ الأُسَرِ ؛ فجزاهم اللهُ خيرًا الجزاء على ما قدَّموا ويقدمون ، وجعل ذلك في موازينِ حسناتِه.
هَذَا وصَلُّوُا وسَلِّمُوُا عَلَى المبْعُوْثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ، كَمَا قَالَ رَبُّكُمْ فِيْ كِتَابِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ...﴾.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ ورَسُوْلِكَ مُحمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وصَحَابَتِهِ والتَّابِعِيْنَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلَامَ والمُسْلِمِيْنَ، وأَذِلَّ الشِّـرْكَ والمُشْـرِكِيْنَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ، واجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا رَخَاءً وسَائِرَ بِلَادِ المسْلِمِيْنَ.. اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِالإِسْلِامِ والمُسْلِمِيْنَ سُوْءً فَأَشْغِلْهُ فِي نَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ، واجْعَلْ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيْهِ يَا رَبَّ العَالمِيْنَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِاة أمرنا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وخُذْ بِهِمْ لِلْبِرِّ والتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِهُدَاكَ واجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِيْ رِضَاكَ.
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها ، وزكِّها أنت خيرُ من زكاها ، أنت وليها ومولاها.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِيْ الآَخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
سُبْحَانَ رَبِّنا رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وصلَّىَ اللهُ وسلَّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات
1760068519_نِعْمَةُ المَسَاكِنِ ) موافقة للتعميم ).docx