نِعْمَةُ خِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ ووجوب الالتزام بالتعليمات بالخاصة بالحج.

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ:

نِعْمَةُ خِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ ووجوب الالتزام بالتعليمات بالخاصة بالحج.

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَ بِلادَ الحَرَمَيْنِ بِخِدْمَةِ بَيْتِهِ العَتِيقِ، وَجَعَلَهَا مَهْوَى أَفْئِدَةِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ زَادُ العَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ).

مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى هَذِهِ البِلَادِ المُبَارَكَةِ أَنْ اصْطَفَاهَا لِخِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَشَرَّفَهَا بِرِعَايَةِ الحُجَّاجِ وَالمُعْتَمِرِينَ وَزُوَّارِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، فَسَخَّرَتِ القُدُرَاتِ وَالإِمْكَانَاتِ لِتَيْسِيرِ أَدَاءِ المَنَاسِكِ وَرَاحَةِ ضُيُوفِ الرَّحْمَنِ.

فَمَا أَجَلَّ هَذَا الفَضْلَ، وَمَا أَعْظَمَ هَذِهِ المِنَّةَ، وَكَيْفَ لَا وَرَبُّ العِزَّةِ يَقُولُ: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).

وإن ما تقدمه هذه البلاد في خدمة الحرمين يعود عليها بإذن الله تعالى بالأجر وبالخير والعز والأمان..

فاللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

عباد الله!

الحَجُّ - عِبَادَ اللهِ - مَدْرَسَةُ التَّوْحِيدِ وَالتَّجَرُّدِ، فِيهِ يَتَجَرَّدُ العَبْدُ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا، وَيُلَبِّي نِدَاءَ الرَّبِّ: ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ)، يَسْتَشْعِرُ فِيهِ مَعَانِي العُبُودِيَّةِ وَالخُضُوعِ، وَيَتَعَلَّمُ الصَّبْرَ وَالتَّضْحِيَةَ وَالإِيثَارَ.

الحَجُّ تَجْسِيدٌ لِوَحْدَةِ الأُمَّةِ، حَيْثُ تَجْتَمِعُ القُلُوبُ وَالأَبْدَانُ عَلَى مَقَصِدٍ وَاحِدٍ، لا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَلا أَعْجَمِيٍّ، إِلَّا بِالتَّقْوَى.

ومِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ - أَيُّهَا الأَفَاضِلُ - الاِلْتِزَامُ بِالتَّعْلِيمَاتِ وَالنُّظُمِ الصَّادِرَةِ لِتَنْظِيمِ الحَجِّ وَتَيْسِيرِهِ، فَهِيَ لِمَصْلَحَةِ الحُجَّاجِ، وَلِحِفْظِ أَنْفُسِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ).

وَإِنَّ الذَّهَابَ إِلَى الحَجِّ بِلَا تَصْرِيحٍ يُعَدُّ مُخَالَفَةً لِوَلِيِّ الأَمْرِ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ بِطَاعَتِهِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي).

فَالحَجُّ بِلَا تَصْرِيحٍ فِيهِ إِثْمٌ مُتَعَدٍّ، وَضَرَرُهُ يَتَجَاوَزُ صَاحِبَهُ لِيَصِلَ إِلَى غَيْرِهِ، مِنْ زِحَامٍ وَمَشَقَّةٍ وَإِعَاقَةِ الخِدْمَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ الحَكِيمُ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ).

اللهم يسر للحجاج حجا مبرورا وسعيا مشكورا واجعلنا وإياهم من المقبولين.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الوليِّ الحميدِ، العزيزِ المجيدِ، مُسبِغِ النِّعَمِ، ودافعِ النِّقَمِ، أحمدُهُ سبحانهُ على نِعْمَةِ الأمنِ والإيمانِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله!

نعمةُ الأمنِ من أعظمِ النِّعَمِ، لا يطيبُ عيشٌ ولا يُؤدَّى نسكٌ إلا بها، قال الله تعالى:

﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 3-4].

أفواجُ الحُجَّاجِ والمعتمرينَ يأتونَ إلى بلادِ الحرمينِ آمنينَ مطمئنينَ، يؤدُّون مناسكَهم في سكينةٍ ويسرٍ، وهذهِ نعمةٌ تستوجبُ الشكرَ والاعترافَ بالفضلِ للهِ تعالى.

وقد قالَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم:

"مَن أصبحَ منكم آمِنًا في سِرْبِهِ، معافًى في جسدِهِ، عندَهُ قوتُ يومِهِ، فكأنَّما حِيزَتْ لهُ الدُّنيا" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].

فالأمنُ أساسُ الطاعاتِ، وراحةُ القلوبِ، وبه تُحفَظُ الأنفسُ والأعراضُ والأموالُ. إنَّ المحافظةَ على نعمةِ الأمنِ تكونُ بالتمسُّكِ بدينِ اللهِ، وطاعةِ ولاةِ الأمرِ، وتحقيقِ مبدأ التعاونِ على البرِّ والتقوى، والحذرِ من الفتنِ والشائعاتِ.

 

وقد حذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من كفرانِ النِّعَمِ فقال:

"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" . رواه أحمد وابن حبان

فكيفَ بمن أسبغَ اللهُ عليهِ نِعَمَ الأمنِ والرخاءِ، ثم يجحدُها أو يسيءُ استعمالَها؟!

لذلكَ وجبَ علينا استشعارُ فضلِ اللهِ، وشكرُهُ بالقلبِ واللسانِ والعملِ.

اللهم أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ، واحفظ بلادَنا وولاةَ أمرِنا، وزِد حُجَّاجَ بيتِكَ والمعتمرينَ من خيرِكَ وفضلِكَ، إنك وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

ثم صلُّوا وسلِّموا على خيرِ الورى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليهِ بها عشرًا".

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ شَاكِرِي نِعْمَتِكَ عَلَى هَذِهِ البِلَادِ المُبَارَكَةِ، وَوَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا فِيهِ خِدْمَةُ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّ اجْزِ خَيْرَ الجَزَاءِ كُلَّ مَنْ سَخَّرْتَهُمْ لِرِعَايَةِ الحُجَّاجِ وَالعُمَّارِ وَزُوَّارِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ.

اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِلْحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، وَتَقَبَّلْ مِنْهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، وَارْدُدْهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

1747301918_نعمة خدمة الحرمين ووجوب الالتزام بالتعليمات الخاصة بالحج .pdf

المشاهدات 313 | التعليقات 0