هل يقرأ الخطيب من ورقة؟
سامي القرشي
هل يقرأ الخطيب من ورقة؟
لم تكن قراءة الخطبة من ورقة ونحوها معروفة في العصور الأولى، وإنما كانوا يزوِّرن الكلام أي يُعدّونه في صدورهم ثم يلقونه من حفظهم، وربما ارتجل بعضهم الخطبة دون إعداد سابق في بعض المواقف كما ارتجل أبو بكر خطبته يوم السقيفة.
ثم لما تطاول الزمان وضعفت قرائحُ الناس وحِفظُهم احتاجوا إلى تدوين الخطبة على الأوراق، وتلاوتها منها لئلا ينقطع الخطيب، أو يُرتَجَ عليه، أو يسهو عن أمر مهم، ومضى على ذلك العمل في أكثر مساجد المسلمين.
ولا شك أن الخطبة من الحفظ ودون الاستعانة بالأوراق وما يقوم مقامها أشبه بعمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعصور المتقدمة، ولكنْ ههنا أمر لابد من التنبيه إليه، وهو أن استعمال الأوراق أو عدم استعمالها مرتبط بمصلحة الخطبة، فمتى كان الخطيب مقتدرًا لا يحتاج إلى أوراق كانت خطبته دون أوراق أفضل من جهة الاقتداء ومن جهة التأثير، الذي هو العنصر الأهم في الخطبة، ومتى كان الخطيب محتاجًا إلى الأوراق لإحكام الخطبة وإجادتها كانت قراءته لها من الأوراق أفضل، لأن المقصود من الخطبة التأثير في المستمع.
وقد رأينا خطباء أرادوا الاستغناء عن الأوراق في الخطبة فجاءت خطبهم هزيلة مشوشة، ضعيفة التأثير، لاشتغال الخطيب بتذكر ما يريد واستحضار النصوص، وربما غلط في الآيات وحرَّف في الأحاديث لضعف حفظه، أو صعوبة استحضاره، أو رهبة الموقف، ولو أنه كتب ما يريد، وقرأه من الأوراق كان أحسن لخطبته، وأنفع للمستمع، وأسهل عليه.
ولقد سمعنا من كثير ممن يقرأ خُطبَه من الأوراق خطبًا متقنة مؤثرة، نجزم أن لو أراد إلقاءها دون أوراق لم تهيأ له نصف الإجادة ولا نصف التأثير.
وقراءة الخطبة من الأوراق وإن كان أمرًا مستجدًا فقد كثر العمل به وتلقته الأمة بالقبول، وظهرت فائدته، ولم يؤثر على هيبة الخطبة، وتأثيرها، أو كان تأثيره ضئيلًا إلى جانب نفعه، فلا بأس بالقراءة من الأوراق ونحوها ما دامت الحاجة إليه باقية، بل هو خير من إلقاء الخطبة من الحفظ إذا كان ذلك ينقص من جودتها وتأثيرها. والله أعلم