واقتتل الظالمون
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الْجَبَّارِ الْقَهَّارِ، الْمُنْتَقِمِ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، الْحَكَمِ الْعَدْلِ، الَّذِي لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ ظَالِمٍ، وَإِنْ طَالَ ظُلْمُهُ.
نَـحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلَىٰ جِهَادِ النَّفْسِ، وَنَدْعُوهُ أَنْ يُرِيَ أَعْيُنَنَا فِي الظَّالِمِينَ عَجَائِبَ قُدْرَتِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْعَلِيُّ فَوْقَ كُلِّ عَالٍ، الْقَاهِرُ لِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَنَذِيرًا لِلظَّالِمِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَىٰ، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَىٰ.
حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ مَشْهَدٍ طَالَمَا اشْتَاقَتْ لَهُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْتَظَرَتْهُ أَعْيُنُ الْمَظْلُومِينَ، وَتَلَهَّفَتْ لَهُ أَرْوَاحُ الْمَقْهُورِينَ.
حَدِيثُنَا عَنْ سَاعَةٍ إِذَا جَاءَتْ، فُرِّجَتْ فِيهَا الْكُرُوبُ، وَزَالَتْ فِيهَا الْغُمُومُ، وَظَهَرَ فِيهَا عَدْلُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.
عَنْ سَاعَةٍ يُهْلِكُ اللَّهُ فِيهَا الظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ، وَيُرِيَ الْمُؤْمِنِينَ نَكَالَ الظَّالِمِينَ بِأَعْيُنِهِمْ.
مَا نَرَاهُ هَٰذِهِ الْأَيَّامَ – يَا عِبَادَ اللَّهِ – مِنْ صِرَاعٍ بَيْنَ الظَّلَمَةِ، وَطُغَاةِ الْأَرْضِ الَّذِينَ تَجَبَّرُوا وَتَكَبَّرُوا، فَهَا هُوَ الْجَبَّارُ سُبْحَانَهُ يُسَلِّطُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، فَتَقُومُ الْحُرُوبُ بَيْنَهُمْ، وَتَتَدَمَّرُ اقْتِصَادَاتُهُمْ، وَيَتَسَاقَطُ جُنُودُهُمْ، وَيُقْتَلُ بَعْضُهُمْ بِأَيْدِي بَعْضٍ، وَيُذِيقُ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، جَزَاءً مَا فَعَلُوهُ بِالْعِبَادِ، وَسُوءَ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَكَأَنَّنَا نَسْمَعُ اسْتِجَابَةَ السَّمَاءِ لِدَعَوَاتِ الْمَظْلُومِينَ فِي اللَّيْلِ الْبَهِيمِ.
فَكَمْ مِنْ أُمٍّ ثَكْلَىٰ رَفَعَتْ يَدَيْهَا، وَكَمْ مِنْ قَلْبٍ مَوْجُوعٍ صَاحَ فِي السُّجُودِ: "يَا رَبِّ خُذْهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ"، فَجَاءَهُمُ الْجَوَابُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ:
﴿وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّـٰلِمِينَ بَعْضًۭا بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ﴾.
إِنَّ مَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ مِنْ حُرُوبٍ وَتَصَدُّعٍ، مَهْمَا كَانَتْ أَسْبَابُهُ السِّيَاسِيَّةُ أَوِ الِاقْتِصَادِيَّةُ أَوْ غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ فِي حَقِيقَتِهِ اسْتِجَابَةٌ لِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَنِقْمَةٌ مِّنَ اللَّهِ عَلَىٰ مَنْ طَغَىٰ وَبَغَىٰ.
لَقَدْ طَغَى الظَّالِمُونَ، وَأَذَاقُوا الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا سُوءَ الْعَذَابِ، سَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَأَحْرَقُوا الْقُرَىٰ، وَشَرَّدُوا النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَأَسْرَفُوا فِي الطُّغْيَانِ وَالْعُدْوَانِ، كَأَنَّمَا لَا يَسْمَعُونَ دُعَاءَ الْمَظْلُومِينَ، وَلَا يَخْشَوْنَ الْعَاقِبَةَ، وَلَٰكِنَّ اللَّهَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ.
فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ قُوَّتُهُمْ، وَلَا يُدْهِشَنَّكُمْ إِعْلَامُهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ سُنَنُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا مَرَدَّ لَهُ:
﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِۦۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾.
إِذَا رَأَيْتَ الظَّالِمَ يُحَارِبُ الظَّالِمَ، فَاعْلَمْ أَنَّ سَاعَةَ الْعَدَالَةِ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ بَدَأَ فِي إِنْزَالِ سَيْفِهِ عَلَىٰ رِقَابِ الطُّغَاةِ.
إِذَا اقْتَتَلَ الظَّالِمُونَ، فَاحْمَدِ اللَّهَ... فَإِنَّهَا دَعْوَةُ الْمَظْلُومِينَ قَدْ وَصَلَتْ، وَاسْتِجَابَةُ الرَّحْمَـٰنِ قَدْ حَانَتْ.
كَمْ مِّنْ مَظْلُومٍ ذَرَفَ دَمْعًا تَحْتَ سِيَاطِ الْقَهْرِ، كَمْ مِّنْ بَرِيءٍ صَرَخَ وَلَمْ يُنْصَفْ، كَمْ مِّنْ مِسْكِينٍ سُرِقَ رِزْقُهُ، وَشُرِّدَ أَهْلُهُ، وَهُدِّمَ بَيْتُهُ، وَلَٰكِنَّ اللَّهَ لَا يَنسَىٰ، وَدَمْعَةُ الْمَظْلُومِ عِندَ اللَّهِ أَغْلَىٰ مِنْ جَبَرُوتِ الظَّالِمِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
اعْلَمُوا أَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ لَا تُرَدُّ، وَأَنَّ دُمُوعَهُ فِي جَوْفِ الَّيْلِ لَهَا عِندَ اللَّهِ شَأْنٌ، فَإِذَا تَأَوَّهَ الْمَظْلُومُ، وَتَفَجَّرَتْ مِنْ قَلْبِهِ الْأَنَّاتُ، وَرَفَعَ كَفَّيْهِ إِلَىٰ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: "وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".
لَا تَحْزَنُوا إِذَا تَأَخَّرَ النَّصْرُ، وَلَا تَظُنُّوا أَنَّ اللَّهَ غَافِلٌ عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.
وَوَاللَّهِ، مَا يَسْقُطُ طَاغِيَةٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تُنْزِلَ دُمُوعُ الْمَظْلُومِينَ بَأْسَهَا فِي سُجُودٍ خَاشِعٍ، وَمَا يَنْهَارُ عَرْشُ جَبَّارٍ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْهَرَ قَلْبٌ مُنْكَسِرٌ يَدْعُو اللَّهَ بِقَلْبٍ مَكْلُومٍ.
اللَّهُمَّ أَهْلِكِ الظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ، وَأَخْرِجْنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْنِهِمْ سَالِمِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ...
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْتَقِمِ مِنَ الْجَبَّارِينَ، النَّاصِرِ لِلْمَظْلُومِينَ، الَّذِي يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ، وَيَأْخُذُ الظَّالِمَ أَخْذَةً رَّابِيَةً. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ... إِنَّ مِمَّا يُثَبِّتُ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُسَلِّمُ الظَّالِمَ إِلَى الْأَبَدِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَجَلٌ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُ، أَخَذَهُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ.
وَإِنَّ أَعْظَمَ سَلْوَىٰ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَرَى الطُّغَاةَ يَتَسَاقَطُونَ، وَأَنْ يَشْتَدَّ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ هَلَاكُهُمْ عَلَىٰ يَدِ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُۥ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.
فَلَا تَيْأَسُوا – يَا عِبَادَ اللَّهِ – وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْسَىٰ دَعْوَةَ مَظْلُومٍ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ دَمْعَةِ يَتِيمٍ، وَلَا يُضَيِّعُ صَرْخَةَ حُرٍّ فِي قَيْدِ الطُّغْيَانِ.
فَثِقُوا بِرَبِّكُمْ، وَاثْبُتُوا عَلَى الْحَقِّ، وَادْعُوا رَبَّكُمْ فِي السُّجُودِ، وَسَلُوهُ أَنْ يُهْلِكَ الظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ، وَأَنْ يَرْفَعَ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْبَلَاءَ، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالنَّصْرِ وَالْفَرَجِ، وَتَيَقَّنُوا أَنَّ اللَّهَ نَاصِرُ عِبَادِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
الظَّالِمُ مَهْمَا عَلَتْ شَوْكَتُهُ، فَهُوَ إِلَىٰ زَوَالٍ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْعَدْلُ، فَإِنَّهُ آتٍ لَا مَحَالَةَ.
الْجَبَابِرَةُ يَصْنَعُونَ نِهَايَتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، وَاللَّهُ لَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ.
اللَّهُمَّ يَا عَزِيزُ يَا جَبَّارُ، يَا قَوِيُّ يَا قَهَّارُ، اللَّهُمَّ أَهْلِكِ الظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ، وَاجْعَلْ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَخُذْهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ.
اللَّهُمَّ زَلْزِلْ عُرُوشَهُمْ، وَاقْصِمْ ظُهُورَهُمْ، وَاجْعَلْ تَدْمِيرَهُمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ.
اللَّهُمَّ لَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ غَايَةً، وَاجْعَلْهُمْ عِبْرَةً وَآيَةً، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ.
اللَّهُمَّ مَنْ طَغَىٰ وَتَجَبَّرَ وَظَلَمَ، فَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَدَمِّرْهُ بِيَدِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ أَنْصَارُهُ.
اللَّهُمَّ كُنْ مَعَ عِبَادِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَارْبِطْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ، وَاكْشِفْ كَرْبَهُمْ، وَعَجِّلْ نَصْرَهُمْ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىٰ مَنْ أُرْسِلَ بِالسَّيْفِ رَحْمَةً وَعَدْلًا، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ...
المرفقات
1750256430_واقتتل الظالمون.pdf
1750256439_واقتتل الظالمون.docx
منصور بن هادي
عضو نشطجزاك الله خير الجزاء
تعديل التعليق