{وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} 24/ 12/ 1446هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى : {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} 24/ 12/ 1446هـ
الحمد لله العلي الأعلى ، له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عظيم في ربوبيته، عظيم في الوهيته، عظيم في أسمائه وصفاته، وأشهد ان نبينا محمدا عبدالله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه وازواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
في صحيح الإمام مسلم قال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، قام رَسُولُ اللهِ r على المنبر فقال: " يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ " وزاد غيره "فرجف المنبر حتى ظننا أنه يقع"
هو الله d { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} تعالى قدْره وعظُم شأْنه، واستعلى على سواهُ في ذاته وصفاته وأفعاله {وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} الْعَلِيِّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، عليُ بذاتِه وصفاتِه وقهرهِ وسلطانه،
لا يفلت من قبضته شيء {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}
عزيز ٌلا يغالب قويُ لا يُقهر ..
الغالبُ القهارُ فوق عباده ** من ذا يكيد الغالبَ القهارا ؟
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} قدرته باهرة، وسطوته قاهرة..
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} خاسرون يوم ظنوا انهم على شيء ، والحقيقة انهم ليسوا على شيء {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.
خاسرون يوم استعلوا بكبريائهم أن الله لن يأخذهم ، وان المقادير لن تنلقلب عليهم {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا }.
خاسرون حين مشوا في الأرض مرحا (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)
خاسرون يوم { جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}
{فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}:
هذا عدل من الحكيم العليم على كل من استعلى واستكبر ، وظلم وقهر ، وساد وأباد { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }
كم من فراعنةٍ بادت بقدرته يحددُ اللهُ أجالاً ويُفْنيها
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) .
وما يد إلا يد الله فوقها ... وما من ظالم إلا سيبلى بظالم
يبتلى الله الظالمين بالظالمين، ويسلط بعضهم على بعض {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ينتقم الله تعالى من الظالم بالظالم، ثم ينتقم من الجميع بنفسه سبحانه.. في الصحيحين قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
فالله أعظم مما جال في الفكرِ ** وحكمه في البرايا حكم مقتدرِ
مولى عظيمُ حكيمُ واحدُ صمدُ ** حيُ قديرٌ مريدُ فاطــرُ الفطــرِ
سبحان وبحمده يتضاءل كل شيء أمام عظمته وجلاله، وهو " الفعال لما يريد " ذو الملك والملكوت، لا يقف شيء في أمام إرادته وقدرته، ولا يحول مخلوق دون تنفيذ مشيئته وفق حكمته. {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}
فإذا استعلى الباطل، وارتفعت قبضة الظلم، وساد صوت القصف والدمار على المستضعفين من المؤمنين، فإن هناك يدًا لا تُرى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} فوق أيدي الظالمين قهرًا وعدلًا ..
{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} لايفوتونه ولا ينجون من بطشه ، إحاطة لا نجاة منها ..
إحاطة علمٍ، فلا يخفى عليه مكرهم.. إحاطة قُدرة، فلا يفلت من قضائه أحد..
إحاطة عدل، فلا ينجو ظالم بفعله، ولا يُظلَم مظلوم بسكوته.. {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}
ولا يجري في هذا الكونِ شيء إلا بتقديرِ اللهِ وعلمِهِ وقدَرِه{إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فَإِذَا قضى أمراً فلا رادَّ لقضائه ولا معقب لحكمه {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} .
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات ، إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: .. الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:
المؤمنُ الفطن يلجأ لربه في السراء والضراء {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
والآمنُ يشكرُ ربه على الطيباتِ من الرزق، والسلامةِ من الأخطار ، والخيرِ المدرار .. { كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}:
والمسلمُ اليقظ يتقي ربه في كل حين وآن، فيحافظ على الفرائضِ والواجبات، ويبتعد عن المعاصي والمنكرات، ويؤدي الحقوق ويحذر العقوق، فلا يدري متى يفجأه الأجل، وينقطع عنه الأمل .. أمراضُ وأسقام ، وحوادثُ واخطار ، أوموتُ على الفراش..
كم غافلٍ عن حِياضِ الموْتِ في لَعبٍ ** يُمسِي ، وَيُصْبحُ رَكّاباً لِما هَوِيَا
يــــــا رُبَّ بــــاكٍ علَى ميــتٍ وباكيــــــةٍ ** لمْ يلبَثَا بعدَ ذاكَ الميتِ أنْ بُكِيَا
ورُبَّ نـــــاعٍ نَعَــى حينـــاً أحبَّتـــــــــهُ ** ما زالَ يَنعى إلى أن قيلَ قد نُعيَا
يا أيها الناس جميعاً {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ }
اللهم كن للمستضعفين ووالمتضررين والمشردين من المسلمين عونا ونصيرا ..
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرج المسلمين من بينهم سالمين
الهم آمنا في دورنا واصلح ولاة امورنا..........
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ..
المرفقات
1750350687_{وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}.docx
1750350688_{وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}.pdf