والله يدعو إلى دار السلام

عبدالرحمن اللهيبي
1446/11/04 - 2025/05/02 03:22AM
من المنقول بتصرف
 
 

الحمد لله ذي الفضل والعطايا، له وافر الحمد وأزكى التحايا، وهو المؤمَّلُ لمغفرة الذنوب والخطايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله، بشَّر أمته بالجنة وأنذرهم النار، وتجافى عن هذه الدار ، طمعًا في دار القرار، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم..
أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله والعملِ للدار الآخرة، {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}

أيها المسلمون: من خاف مقام ربه ، فله هذه البشَارةٌ من ربه، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}
فالجنة مَوْعُود رب العالمين، وجائزته للمتقين العامِلين

الجنة هي محط رحال العابدين، ومستقرُّ الأولياء الصالحين
الجنَّة: هي الميعاد، ونعيمها يفوق الوصفَ والخيال، ففي الصحيحين عن النبي r : ((مَوْضِعُ سَوْطٍ في الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما فيها)).

وفي الصحيحين أن النبي - r- قال: ((إنَّ أول زمرةٍ يدخلون الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دريٍ في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك وأزواجهم الحور العين، على خَلْقِ رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء)).    في الجنَّة يُلقِي المؤمنُ عنه ما وجده في الدنيا من التعب والعناء ويستريح من البلاء والوعثاء، وينفض عنه الهموم والأحزان, {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} فهناك تزول كل المنغصات والبلايا ، والأكدار والرزايا ، { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا }.

الجنَّة يا مسلمون لا تخطر على قلب بشر، هي والله نورٌ يتلألأ، نُزع من قلوب أهلها الشحناء والبغضاء وسخائم الصدور، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} ، وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: قال الله تعالى: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، فاقرؤوا إنَّ شئتم {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 

وإن سألت عن الأزواج في الجنة فهم الحور العين, {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ، لو اطَّلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحًا وعطرًا، ولطمس نورُها وضياؤها ضياء الشمس، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها، وكيف لا يكنَّ كذلك وقد أنشأهن الله على أجمل خلقة، فقال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ}

في الجنة يا مسلمون يجتمع شملنا بما رحلوا عنا ، فيجتمع المؤمن بوالديه ، والوالد بولده ، والزوج بزوجته ، {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}

في الجنة يا مسلمون لا ملل ولا حُزْن ولا اكتئاب ولا نكد ، بل سرور دائم ، وحبور متصل ، ولذة لا تنقطع وسعادة لا شقاء فيها، {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ }
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ }
هذا وإن سألت عن يوم المزيد وزيارةِ العزيز الحميد ورؤيةِ وجهه الكريم ، فإليك ما تواترَ عن الصادق المصدوق r ينادي المنادي: "يا أهل الجنة إنَّ ربكم تبارك وتعالى يَسْتَزِيرَكُم، فحيَّ على زيارته، فيقولون سمعًا وطاعةً، وينهضون إلى الزيارة مُبَادِرِين، فإذا بالنجائبِ قد أُعدَّت لهم، فيستوون على ظهورها مُسْرِعِين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأَفْيَحِ الذي جُعِلَ لهم مَوْعِدًا وجُمعوا هناك، فلم يُغَادر الداعي منهم أحدًا، أَمَر الربُّ تبارك وتعالى بكرسيه فنُصب هناك،

ثم نصبت له منابرُ من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زَبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم على كثبان المسك، وليس فيهم دني، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة إنَّ لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزَكُموه، فيقولون: ما هو؟! ألم يبيض وجوهنا؟! ويثقِّل موازيننا؟! ويدخلْنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة.. فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبَّار جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال تعالى: يا أهل الجنة سلامٌ عليكم، فلا تُردُّ التحية بأحسن من قولهم: "اللهمَّ أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، فيتجلَّى لهم الربُّ تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة، فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟! فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة أن: قد رضينا، فارضَ عنَّا، فيقول: يا أهل الجنة، إني لو لم أرضَ عنكم لم أسكنْكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف الرب جل وعلا الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره وينسون كل نعيم عاينوه، ولولا أن الله سبحانه قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في هذا المجلس أحدٌ إلا حاضره ربه محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته بالدنيا، فيقول: يا ربِّ ألم تغفر لي، فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه".

فيا أيها المسلمون: هؤلاء هم أصحاب الحسنى وزيادة: كَانُواْ في الدنيا بربهم يؤمنون، وماتوا وهم به لا يشركون ، وهم من خشيته مشفقون، يحبون ربهم ويفعلون ما يؤمرون ، وإذا أذنبوا يستغفرون ، ويجتنبون كبائر الإثم والفواحش وعن اللغو معرضون، وللصلاة مقيمون ، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون ، وللأرحام واصلون

وفي هؤلاء أصحاب الحسنى وزيادة صاحب القرآن ، وفيهم  من حَسُن خلقه، الذي يكظم الغيظ ويعفو عن الناس ويصفح عن المسلمين لا يحمل في قلبه غلا وحقدا ، ولا حسدا وبغضا ، والله يحب المحسنين.

اللهم إنا نسألك نعيمًا لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

 

 

 

أيها المسلمون:

فتلك عبارات في وصف الجنة ليست سوى إشارات، وإلا فإن حقيقة الجنة أعظم ، والله تعالى أرحم وأكرم،

ألا فبؤسًا لمن آثر الحياةَ الدنيا ، فَبَاع جنَّة الخلد بعيشٍ زائل، إنَّ أضحكت الدنيا قليلا أبكت كثيرًا، وإن سرَّت يومًا أحزنت شهورًا، أَوَّلُها مخاوف وآخِرُها مَتَالِف، هموم وأحزان، أمراض وبلايا، ومصائب ورزايا ، واجتماع ثم افتراق..

يا بؤسا لقومٍ سلكوا في تحصيل الدنيا كل طريق من حلال أو حرام!

بؤسًا لقومٍ نسوا الآخرة وأهملوها، وتركوا أوامر الله وأضاعوها، حتى يُقال لهم في الآخرة: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ}
يا عجبًا لمن آثر الفاني على الباقي!

وباع جنةً عرضها الأرض والسماوات بسجن الدنيا المليئِ بالأكدار والمنغصات

وباع أنهاراً من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقول، مفسد للدنيا والدين

وباع لذة النظر إلى وجه الله الكريم ، برؤية ما حرم الله عليه من المتعريات الفاجرات

وباع سماع الخطاب من الرحمان بهجر القرآن وسماع المعازف والألحان

وباع الجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت بجلوسٍ في مجالس الفسوق مع كل شيطان وممقوت

والله ما أعظمَ الغبنَ أن تقدم على جنة عرضها السماوات والأرض وليس لك فيها موضع قدم!!

عباد الله ها أنتم في زمن العمل ، وإنما الدنيا صبر ساعة ثم إلى الله المنقلب، فأَرُوا الله من أَنفسِكُم خيرا، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ } ،  فهَلُمُّوا إلى الجنَّة والرضوان

فالله يناديكم بقوله : {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}

فاللهمَّ اجعلنا من أهل الجنَّة الرضوان ، اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

المشاهدات 469 | التعليقات 0