وتخونوا أمانتكم !
يوسف العوض
عِبَادَ اللهِ : كَانَ الْعَرَبُ يَفْتَخِرُونَ بِالْأمَانَةِ وَيَعْدُوَنَهَا مَكْرُمَةً، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوَا يُطْلِقُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ بَعْثَتِهِ- لَقَبَ " الْأُمَّيْنِ " ؛ لِمَا اشتُهر عَنْهُ مِنَ الْأمَانَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْحَالِ، فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ خَيرُ أُمَنَاءِ الْبَشَرِ، بِشَهَادَةِ أَعْدَائِهِ قُرَيْشٍ.
وَالْأمَانَةُ ضِدَّ الْخِيَانَةِ، وَهِي تُطْلِقُ عَلَى كُلِّ مَا عُهِدَ بِهِ إِلَى الْإِنْسَانٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَالتَّكَاليفِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ كَالْعِبَادَاتِ، وَالْوَدَائِعِ.
ونَفَى الشَّرْعُ كَمَالَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ مَنْ بَنِي الْإِنْسَانِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» وجَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» .
عِبَادَ اللهِ : إِذَا ذُكِرَتِ الْأَمَانَةُ تَبَادَرَ إِلَى أَذْهَانِ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهَا تَعْنِي حِفْظَ الْمَالِ لِمَنِ اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ مَفْهُومَ الْأَمَانَةِ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ وَأَشْمَلُ؛ إِذْ مَفْهُومُهَا يَشْمَلُ الدِّينَ بِكُلِّ مَا افْتَرَضَ اللهُ فِيهِ عَلَى الْعِبَادِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، فَالْأمَانَةُ تَعُمُّ جَمِيعَ وَظَائِفِ الدِّينِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
عِبَادَ اللهِ : وَكَذَا الْأَعْرَاضُ وَالْأَمْوَالُ وَالْأَرْوَاحُ وَالْأَجْسَامُ أمَانَةٌ، وَالْمَعَارِفُ وَالْعُلُومُ أمَانَةٌ، وَالْوِلَايَةُ وَالْوِصَايَةُ وَالشَّهَادَةُ وَالْقَضَاءُ، وَالْكِتَابَةُ وَنَقْلُ الْحَديثِ وَالْأَسْرَارُ وَالرَّسَائِلُ، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَسَائِرُ الْحَوَاسِّ كُلُّهَا أمَانَةٌ، وَكَلٌّ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ وَجُعِلَ فِيهِ، فَالْوَزِيرُ فِي وِزَارَتِهِ وَالْمُدِيرُ فِي إِدَارَتِهِ، وَالْمُعَلِّمُ بَيْنَ تَلَامِذَتِهِ وَالْأُسْتَاذُ مَعَ طَلَبَتِهِ، وَالطَّالِبُ فِي دِرَاسَتِهِ وَالْمُوَظَّفُ فِي وَظِيفَتِهِ، وَالْعَامِلُ فِي مَعْمَلِهِ وَالصَّانِعُ فِي مَصْنَعِهِ، وَالْعَسْكَرِيُّ فِي جُنْدِيَّتِهِ وَالْمُزَارِعُ فِي مَزْرَعَتِهِ، وَالصَّحَفِيُّ فِي جَرِيدَتِهِ وَالْكَاتِبُ فِي كِتَابَتِهِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ مُؤْتَمَنُونَ وَعَلَيْهِمْ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَجَنُّبُ الْخِيَانَةِ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ».
المرفقات
1746074984_امانة.docx